نجح الحرس الثوري الإيراني خلال الأزمة السورية منذ عام 2011 في تجنيد عدد من الميليشيات الطائفية من دول مختلفة لدعم نظام بشار الأسد في سوريا. كان من بين هؤلاء الآلاف من الشيعة الباكستانيين الذين فقد عديد منهم أرواحهم في حرب اعتبروها مقدسة.

في عام 2012، تأسس لواء «زينبيون» الذي يضم المقاتلين الباكستانيين وظل المرتزقة يتوافدون عليه للمشاركة في المعارك ضد الفصائل السورية. وبعد خفوت حدة المعارك، أشرف عناصر اللواء على عمليات تدريب وتجنيد مقاتلين محليين. وفي يناير/ كانون الثاني 201، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية فرض عقوبات على الجماعة بسبب تبعيتها لـ «فيلق القدس» التابع للحرس الثوري الإيراني.

يظل هذا اللواء أكثر الميليشيات الإيرانية غموضًا لأن الحرس الثوري يحرص على حماية عناصره من أعين جهاز الاستخبارات الباكستاني، بخلاف المجموعات الأخرى التي تأتي من دول مخترقة أمنيًا من قبل طهران.

خدعة المرقد الزينبي

جاءت فكرة تشكيل اللواء بعد اتساع نطاق المواجهات العسكرية في سوريا وتورط طهران عسكريًا وإدراكها أن الحرب قد تستنزف موارد بشرية كثيرة لا يستطيع حزب الله اللبناني توفيرها بمفرده، فبدأ فيلق القدس المسؤول عن المهمات الخارجية بالحرس الثوري، في حشد وتكوين أذرع عسكرية من دول مختلفة تحت شعار حماية مراقد آل البيت في سوريا، مستغلاً وجود أحد الأضرحة المنسوبة إلى السيدة زينب بنت علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قرب دمشق، بينما يرجح مؤرخون أنها دفنت في البقيع بالمدينة المنورة، ويقال إن القبر في الشام هو مرقد زينب إحدى جواري يزيد بن معاوية!

تم كذلك تجنيد طلاب أجانب من جامعة المصطفى العالمية في مدينة قم الإيرانية، وتم إلحاق الطلبة الباكستانيين بلواء «زينبيون» على اعتبار أن الحرب في سوريا تدور من أجل حماية ضريح السيدة زينب المقدس، وصدرت الفتاوى باعتبار قتلى هذه الحرب من الشهداء مع وعد بأن يُدفنوا في مدينة قم المقدسة لدى الشيعة الإثناعشرية، والإنفاق على أطفالهم حال مقتلهم، ووفّر فيلق القدس تدريبات عسكرية للمنضمين الجدد ومنحهم رواتب شهرية.

كذلك كان الشيعة الباكستانيون الذين يحجون إلى مراقد آل البيت في إيران أهدافـًا لحملة التجنيد تلك، نظرًا لعددهم الكبير الذي يتجاوز الأربعين ألف حاج سنويًا، مما يسمح باختيار العناصر المناسبة، كما تم جلب عاطلين عن العمل من باكستان بحجة توفير وظائف في إيران. وبحسب قادة في هذه الميليشيا، فقد تم اختيار عمال شيعة باكستانيين تم ترحيلهم لأسباب أمنية من الإمارات بعدما فقدوا وظائفهم هناك.

تم الترويج لفكرة أن متطوعين من باكستان هبوا من تلقاء أنفسهم لتنفيذ العمليات في سوريا وطلبوا الإذن من قادة بفيلق القدس فلم يقبلوا في البداية! ثم بعد إصرار من المتطوعين أُذن لهم بعدد قليل ثم زاد عددهم لاحقـًا.

تزعّم ميليشيا «زينبيون» القيادي الإيراني محمد جنتي، الملقب بـ «الحاج حيدر»، الذي وصفه قاسم سليماني، قائد فيلق القدس الراحل، بأنه أفضل من حوله من القادة. قاتل جنتي في دمشق وحلب وحماة إلى أن قُتل في سوريا خلال معارك دامية اشتبك فيها مع فصائل المعارضة السورية عام 2017، ودفن في منطقة تل ترابي في محافظة حماة إلى أن عُثر على جثمانه في يونيو/حزيران 2019 لينقل إلى إيران بعد عامين من مقتله حيث تم تشييعه في طهران بموكب ضم عسكريين ومدنيين بحسب وكالة تسنيم الإيرانية التي أوضحت أيضًا أن جثمانه وُجد بلا رأس أو يد، وتم التعرف على هوية جثته من خلال اختبار الحمض النووي.

وقبل تشييع جثمانه في طهران، بدأت إحدى دور النشر الإيرانية في مهمة إعداد السيرة الذاتية له تحت إشراف الكاتبة شهلا بناهي التي اشتهرت بالكتابة في مثل هذه الموضوعات، ضمن خطة دعائية للترويج للحرب في سوريا وكتابة تاريخ هذه الفترة من منظور إيراني.

العائدون

إثر خفوت حدة المعارك في سوريا واستعادة النظام السيطرة على معظم البلاد بعد قصفها بالأسلحة الكيماوية والبراميل المُتفجرة ومعاونة الروس والإيرانيين، بدأ «الزينبيون» يتسللون إلى بلادهم خلسةً بمساعدة الحرس الثوري عبر الحدود مع إيران، ونشطوا في استقطاب أبناء الطائفة إلى شبكاتهم، لكن المئات منهم وقعوا في قبضة المخابرات الباكستانية.

وتبقى مسألة أمن الحدود مشكلة بالنسبة لإسلام أباد لأنها تعاني من عدم القدرة على ضبط حدودها الغربية في ظل تخلٍّ إيراني متعمد عن هذه المسؤولية، إلى جانب وجود اضطرابات أمنية في إقليم بلوشستان المقسم بين الدولتين.

ولا تريد إسلام أباد توتير علاقاتها مع طهران بل تسعى للحد من ميل إيران نحو الهند، عدو باكستان اللدود، لذا أرسلت باكستان ضباطًا كبارًا من استخباراتها إلى طهران والتقوا بأمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، علي شمخاني، للتفاهم بهدف التوصل إلى حل لهذه الميليشيا ومنعها من تهديد الأمن القومي لإسلام أباد، وتم بحث إرسال مقاتلي اللواء إلى اليمن أو إعادتهم إلى إيران وإلحاقهم بقوات الباسيج أو أي ميليشيا أخرى خارج باكستان.

تخشى إسلام آباد من أن تثير عودة مقاتلي هذه الميليشيا النعرات الطائفية، وأقدمت أجهزتها الأمنية على اعتقال عناصر اتهموا بالتخطيط لهجمات ضد السنّة في باكستان، وهناك خشية من أن ينقل «الزينبيون» تجربتهم القتالية إلى منطقة وزيرستان التي ينحدر منها كثير منهم، وهي منطقة مضطربة أمنيًا تقع على مقربة من حدود أفغانستان، وظلت معقلاً للحركات المسلحة طوال الفترة الماضية.

وقد تعهد قادة «زينبيون» في تصريحات إعلامية سابقة بنقل معركتهم إلى بلادهم لإنهاء وجود «الإرهابيين الوهابيين المجرمين وطالبان»، وكذلك «تحرير» البيت الحرام من سيطرة المملكة العربية السعودية، مما يكشف عن أن مهمتهم قد لا تنتهي بالمشاركة في النزاع السوري فقط، كما تربطهم علاقة خاصة بإسماعيل قاآني قائد فيلق القدس الذي ظل مسؤولاً لسنوات عن شئون أفغانستان وباكستان في الحرس الثوري.

ويمثل الشيعة أقلية في هذا البلد الآسيوي الذي يزيد عدد سكانه على 200 مليون نسمة، ويعد ثاني أكبر دولة إسلامية في العالم من حيث عدد السكان. ويتوزع الشيعة على مناطق متفرقة ما بين أقصى شمال وغرب وجنوب البلاد.

وفي كل عام، تندلع اضطرابات في باكستان في شهر محرم على خلفية مراسم ذكرى عاشوراء، وهناك جماعات مسلحة مناهضة للشيعة تنفذ هجمات ضدهم انتقامًا من مشاركتهم في الحرب السورية ضد أهل السنة، وتنشر تهديدات من الالتحاق بالميليشيات أو السفر إلى إيران، وقد أصدر مجلس علماء باكستان بيانًا عام 2015 يرفض فيه تجنيد الشباب الباكستاني لدعم نظام الأسد.