كان عامًا عاصفًا، مليئًا بالأحداث، لا تكاد تمر أيامه إلا ويأتيك الخبر العاجل جدًا، الذي لا يزول أثره، ولا تنقطع تبعاته. اليمين المتطرف الذي أنهى 2016 بنشوة وصول ترامب للبيت الأبيض، أصيب بخيبة أمل مع انتخابات باريس. والوحدة الخليجية المعهودة لم تعد وحدة ولم تعد خليجية، وحتى البيت السعودي الهادئ كان غادرًا هذا العام بحق أمرائه الكبار وأبناء ولاة الأمر السابقين.

في هذا التقرير نسلط الضوء على أبرز أحداث العام الملبد بالغيم والدخان.


الخليج: من ضيق الجغرافيا إلى رحابة العالم

تعد الأزمة الخليجية أحد أبرز الأحداث السياسية التي وقعت بالعام 2017 في العالم وليس الشرق الأوسط فقط. القصة بدأت عندما نشر موقع وكالة الأنباء القطرية تصريحات منسوبة لأمير قطر «تميم بن حمد آل ثاني»، جاء فيها أن إيران دولة مهمة لها ثقل إقليمي وإسلامي لا يمكن تجاهله، وهو ما أثار غضب دول الخليج الأخرى.

قالت الدوحة إن موقع الوكالة تعرض للاختراق ولا أساس لتلك التصريحات، لكن دول الخليج انتهزت الفرصة لتصفية خلافاتها مع قطر، فقامت السعودية والإمارات والبحرين بالإضافة إلى مصر، في 5 حزيران/ يونيو 2017، بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية مع قطر، وإغلاق المنافذ البرية معها، ومنع طائراتها من التحليق عبر أجواء هذه الدول، ومنع النقل البحري إليها عبر موانئها.

تصاعدت الأزمة أكثر مع تواتر تقارير عن نية «دول المقاطعة» تنفيذ عمل عسكري ضد الدوحة، وهو ما دفع تركيا إلى توقيع معاهدة للتعاون العسكري مع قطر، من بين بنودها إقامة قاعدة عسكرية هناك ونشر جنود أتراك فيها، وهو ما تم لاحقًا.

اقرأ أيضًا:كتف ابن زايد: القصة الكاملة للانقلاب الخليجي على قطر

فشلت محاولات الوساطة التي قامت بها الكويت وعمان ثم الولايات المتحدة من أجل إنهاء الأزمة. وأعلنت «دول المقاطعة» مطالبها التي جاءت في قائمة من 13 مطلبًا؛ بينها اقتصار العلاقة مع إيران على الجانب التجاري، وتسليم هذه الدول مواطنيهم الذين يقيمون على الأراضي القطرية بمن فيهم من تم منحهم الجنسية القطرية، وإغلاق القاعدة التركية فورًا. لكن الدوحة رفضتها معتبرة إياها «انتهاكًا لسيادتها».

على مدى الأشهر الستة الماضية دخلت «دول المقاطعة» حربًا إعلامية وسياسية واقتصادية مع قطر لكسر شوكتها وإجبارها على تغيير سياستها الخارجية، لكن الدوحة لم تُهزم. نتج عن الأزمة تزايد حدة التوتر في المنطقة، وتأسيس أحلاف سياسية جديدة. وكان أكبر المستفيدين منها الدول الغربية التي استطاعت إبرام ما يمكن وصفه بأنه «صفقات سياسية مقنعة» بعشرات مليارات الدولارات مع طرفي الأزمة.


صعود محمد بن سلمان

بأريحية كبيرة يمكننا القول بأن العام 2017 هو البداية الحقيقية للتأسيس الجديد للمملكة العربية السعودية، التي تعتبر أحد أبرز الفاعلين السياسيين في الشرق الأوسط بعد الربيع العربي. استطاع ولي عهد المملكة الأمير الشاب «محمد بن سلمان»، خلال هذا العام، بدعم من حلفائه في أبوظبي، أن يبسط هيمنته على المملكة ويغير وجهها ربما إلى الأبد.

بدأت عملية السيطرة، في حزيران/يونيو الماضي، بالإطاحة بالرجل القوي في المملكة وزير الداخلية «محمد بن نايف» من ولاية العهد وإسنادها إلى «ابن سلمان» في انقلاب ناعم فاجأ الأوساط السياسية الدولية. كما تمت إقالة «ابن نايف» من جميع مناصبه وإسنادها إلى مقربين من ولي العهد الجديد، بل قالت صحفية «نيويورك تايمز» إن ولي العهد السابق وُضع تحت الإقامة الجبرية خوفًا من نفوذه.

كانت الحركة الثانية لبسط سيطرة محمد بن سلمان على المملكة عندما قام باعتقال عشرات الأمراء والمسئولين الحاليين والسابقين ورجال أعمال كبار، بينهم شخصيات بارزة مثل الأمير «متعب بن عبد الله»، نجل الملك الراحل «عبد الله» وقائد الحرس الوطني، والملياردير السعودي النافذ الأمير «الوليد بن طلال»، بتهمة الفساد. وبذلك تمكن «ابن سلمان» من القضاء على جميع معارضيه، سواء كانوا يملكون القوة المسلحة أو المال.

اقرأ أيضًا:لن ينجو أحد: «محمد بن سلمان» يحكم وحيدًا

يسعى ولي العهد كذلك إلى إضفاء طابع حداثي على المملكة، إذ تعهد بالعمل على إعادة «الإسلام المعتدل» إلى البلاد. كما سمح بقيادة النساء السيارات، وإقامة حفلات غناء مختلطة، وفتح دور السينما بعد عقود طويلة من الحظر. ويتبنى «ابن سلمان» كذلك خطة اقتصادية ستنفق المملكة بمقتضاها 500 مليار دولار من أجل إنشاء منطقة تجارية على البحر الأحمر.


«داعش» فانية وتتبدد

لم يحمل العام 2017 سوى الأخبار السيئة لتنظيم الدولة الإسلامية، المعروف باسم «داعش». التنظيم الذي لطالما وصفه أنصاره بالبقاء والتمدد هُزم هزيمة ساحقة في العراق، إذ واصلت القوات العراقية والمليشيات التابعة لها، خلال العام الحالي 2017، معاركها ضد «داعش»، بدعم من تحالف دولي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، وتمكنت من تحقيق انتصارات متتالية عليه، كان أبرزها الانتصار في «معركة الموصل».

انتهى وجود تنظيم الدولة رسميًا في العراق بإعلان رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي، في 9 كانون الأول/ديسمبر الجاري، انتهاء الحرب بعد ثلاث سنوات من القتال المتواصل. وهو إعلان جاء بعد تمكن القوات العراقية من طرد عناصر التنظيم خارج البلاد، وإحكام السيطرة على الحدود الدولية العراقية السورية من منفذ الوليد إلى منفذ ربيعة.

مُني «داعش» أيضًا بالعديد من الهزائم في سوريا، كان أبرزها الهزيمة في «معركة محافظة الرقة»، في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، على يد تحالف ضم مقاتلين أكرادًا وعربًا وقوات أمريكية. ودفع انتصار الرقة الولايات المتحدة إلى سحب أكثر من 400 جندي من مشاة البحرية من سوريا، مطلع كانون الأول/ديسمبر الجاري، معتبرة أن الانتصار «مؤشر على تقدم حقيقي» في هزيمة التنظيم.

وقررت روسيا، التي تشارك في الحرب الدائرة في سوريا من خلال دعمها نظام بشار الأسد، سحب جزء كبير من قواتها في سوريا، قائلة إن تنظيم الدولة لم يعد يسيطر على أية أراضٍ في البلاد. ويتوقع الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، هزيمة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا بشكل نهائي بحلول شباط/فبراير المقبل.

هزيمة تنظيم الدولة في العراق وسوريا لا تعد نهاية المطاف، فهناك قلق دولي يتنامى بعدما تواترت تقارير تشير إلى عودة المئات من عناصر التنظيم إلى بلدانهم، وسط مخاوف من أن يشن هؤلاء هجمات إرهابية في مواطنهم التي عادوا إليها للإبقاء على اسم التنظيم حيًا.


نقل السفارة الأمريكية للقدس

اعترف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، مطلع كانون الأول/ ديسمبر الجاري، بالقدس المحتلة عاصمةً لإسرائيل، وقرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وسط إدانات وانتقادات عربية وإسلامية ودولية. أدى قرار ترامب إلى إشعال الغضب في فلسطين المحتلة، وخروج مئات التظاهرات المنددة بالقرار في مختلف دول العالم.

وصوت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة لصالح مشروع قرار يحث الولايات المتحدة على سحب قرارها باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل. وهو ما أثار غضب الإدارة الأمريكية التي هددت بمعاقبة الدول التي صوتت ضدها.

قرار ترامب كشف بعضًا من تفاصيل ما يطلق عليه «صفقة القرن» للمصالحة بين العرب ودولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي صفقة ليست في صالح الفلسطينيين على الإطلاق، لكنها ستغير وجه منطقة الشرق الأوسط بلا شك إذا تمت. كما يشير موقف ترامب إلى أن الإدارة الأمريكية الحالية ليست طرفًا محايدًا لقيادة عملية السلام، وهو ما قد ينعكس على دور واشنطن المستقبلي في المنطقة، في ظل حضور روسي قوي ومؤخرًا تدخل فرنسي حاسم في بعض القضايا.


أردوغان باقٍ

أجرت الحكومة التركية، في نيسان/أبريل الماضي، استفتاءً على تعديلات دستورية تهدف إلى منح الرئيس صلاحيات واسعة، وتحويل النظام الحكومي من برلماني إلى رئاسي تنفيذي. وصلت نسبة المشاركين في عملية التصويت في الاستفتاء إلى نحو 85% وتمت الموافقة على التعديلات بنسبة 51%.

كان الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» أحد الداعمين الرئيسيين لإقرار التعديلات، وبرر رأيه بأن تركيا في حاجة للقيادة القوية التي يوفرها النظام الرئاسي على غرار النظام المعمول به في الولايات المتحدة وفرنسا لتجنب الحكومات الائتلافية الهشة التي أعاقت تنميتها في الماضي. لكن هذا لا يشرح لماذا يكون هذا الاستفتاء أحد أهم الأحداث السياسية في 2017؟

اقرأ أيضًا:استفتاء النظام الرئاسي في تركيا: السياق والمواد والتوقعات

تسمح التعديلات التي أجريت على الدستور التركي ببقاء الرئيس رجب طيب أردوغان في منصبه حتى عام 2029، كما تمكنه من إصدار المراسيم الرئاسية بشأن معظم الأمور التنفيذية دون الحاجة لاستشارة البرلمان. وهو ما يعني أن سياسة تركيا أردوغان التي تهدف إلى توسيع نفوذ أنقرة في الشرق الأوسط، وتحويلها إلى لاعب دولي مهم، مستمرة. وهو ما سيؤثر بشكل كبير على مستقبل المنطقة.

وأد حلم الدولة الكردية

فشلت محاولة إقليم كردستان العراق في الانفصال وتأسيس دولة مستقلة، رغم تمتع المحاولة بدعم محلي كبير، وهو ما يشير إلى أن النظام الدولي لم يعد يرحب بانضمام أفراد جدد إليه.

كانت حكومة أربيل قد أجرت استفتاءً، في أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، للتصويت على الانفصال عن العراق وتأسيس دولة مستقلة. وشارك في التصويت نحو 72% من سكان الإقليم، وافق 92% منهم على الانفصال وتأسيس دولة للكرد، وهو أمر لم ترحب به حكومة بغداد ودول الجوار.

وصف رئيس الوزراء العراقي «حيدر العبادي» الاستفتاء بأنه خطوة «غير شرعية وغير دستورية». ورفض البرلمان العراقي في بغداد الاستفتاء وصوت ضده، وطلب من رئيس الحكومة اتخاذ كل الإجراءات الضرورية للحفاظ على وحدة العراق في مواجهة خطوة الأكراد الانفصالية. كما قامت حكومة بغداد بالسيطرة على حقول النفط في كركوك في تهديد مباشر للأكراد بمصادرة موردهم المالي الرئيسي.

اقرأ أيضًا:الاستفتاء الكردي: الفصل الأخير من قصة الاستقلال؟

واعتبرت تركيا، على لسان رئيسها «رجب طيب أردوغان»، أن استفتاء الانفصال الذي أجري في إقليم كردستان العراق «عمل من أعمال الخيانة»، وأن «كل الخيارات متاحة، من الإجراءات الاقتصادية إلى الخطوات العسكرية البرية والجوية». ورفضت إيران كذلك الاستفتاء ونتائجه، واعتبرته «مؤامرة أمريكية وإسرائيلية قد تحرك باقي الأقليات للاستقلال».

دفعت التهديدات العراقية–التركية–الإيرانية، بجانب تخلي الولايات المتحدة عن دعم الأكراد، حكومة إقليم كردستان إلى التراجع والقبول بتجميد نتائج الاستفتاء والبدء بحوار مفتوح بين حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية، وبذلك تكون محاولة الانفصال قد وئدت.