ظُهر الرابع عشر من فبراير/ شباط عام 2005، اُغْتِيل رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، في انفجار سيارة مفخخة أصاب موكبه أثناء مروره بمنطقة المريسة غرب بيروت. سريعًا، تناثرت الاتهامات يمنة ويسرة حول الجهة التي تقف وراء الحادث، بداية من سوريا وإسرائيل، مرورًا بالسعودية والولايات المتحدة، وصولًا إلى حزب الله، الذي وجهت محكمة دولية أصابع الاتهام إلى أربعة من أعضائه.

بعد شهر واحد من اغتيال الحريري، تشكل تحالف 14 آذار، وهو تحالف ضم العديد من القوى والشخصيات السياسية اللبنانية الرافضة للوجود السوري العسكري والسياسي في لبنان. تحقق للتحالف ما أراد وسحبت سوريا قواتها من لبنان في 28 أبريل/ نيسان 2005، لكنها تركت خلفها العديد من الوكلاء المحليين، على رأسهم حزب الله، واستمرت في ممارسة نفوذها بشكل آخر.

بعد الانسحاب العسكري بدأت مساعٍ لتحجيم النفوذ السوري في لبنان، وذلك عبر المطالبة بإعادة هيكلة المؤسسات الأمنية التي عبثت يد المخابرات السورية بها، وكذلك المطالبة بنزع سلاح حزب الله، ليتحول إلى قوة سياسية تقليدية ليس لها تفوق على باقي القوى اللبنانية. وهي مطالب لم يكن نظام الأسد وأتباعه -الذين رأوا في انسحاب الجيش السوري من لبنان تنازلًا كبيرًا – ليسمحوا بتحققها.

اقرأ أيضًا: العودة إلى بعبدا: نهاية عهد الطائف في لبنان

مطلع يونيو/ حزيران 2005، أي بعد شهر واحد تقريبًا من الانسحاب السوري، بدأت سلسلة اغتيالات للمعارضين للنفوذ السوري في لبنان من ضمنهم شخصيات بارزة في تحالف 14 آذار. كان الهدف الأول هو الصحفي سمير قصير، المعروف بمواقفه المعارضة للوجود العسكري السوري في لبنان ولسياسات النظام البوليسي الحاكم، والذي قتل إثر انفجار عبوة ناسفة وضعت في سيارته.

الهدف الثاني كان الأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني، جورج حاوي، أحد أشد الرافضين للوجود السوري في لبنان، والذي قضى نحبه لدى انفجار قنبلة في سيارته ببيروت، وذلك بعد نحو 3 أسابيع من اغتيال قصير. وفي أواخر العام نفسه اغتيل جبران تويني، رئيس مجلس إدارة جريدة النهار والنائب البرلماني المعروف بمعارضته لسوريا، إثر انفجار سيارة مفخخة لدى مرور موكبه في إحدى ضواحي بيروت.

هدأت الاغتيالات قرابة العام، ثم عادت مرة أخرى في نوفمبر/ تشرين الثاني 2006 باغتيال القيادي البارز في «14 آذار»ووزير الصناعة بيار الجميل، على يد مجموعة من المسلحين اعترضوا موكبه وأمطروه بوابل من الرصاص. وكان بيار معروفًا بمواقفه الصريحة جدًّا ضد سوريا وحلفائها الداخليين، وبخاصة حزب الله.

وفي العام 2007، كانت لبنان على موعد مع صيف ساخن،باغتيال النائب اللبناني والقيادي بتيار المستقبل وليد عيدو، إثر تفجير سيارة مفخخة لدى مرور سيارته في بيروت. كما اغتيل في نفس الصيف النائب اللبناني عن حزب الكتائب أنطوان غانم، المعروف بمعارضته للنفوذ السوري بلبنان، في انفجار عنيف بواسطة سيارة مفخخة في بيروت.

اقرأ أيضًا: عودة الابن الضال: مستقبل سنة لبنان بعد أزمة الحريري

الرسالة من وراء الاغتيالات كانت واضحة؛ مساعي إخراج دمشق ووكلائها المحليين من المعادلة اللبنانية أمر غير مقبول، ومن يسعى إليه مصيره المفخخات. حققت الرسالة هدفها واستمر النفوذ السوري في لبنان، وتوسع نفوذ حزب الله بمرور الوقت لدرجة غير مسبوقة.


تصفية قادة الرعيل الأول للمقاومة الفلسطينية

عقب اندلاع انتفاضة الأقصى أواخر العام 2000 شن جيش الاحتلال الإسرائيلي سلسلة اغتيالات استمرت حتى أواخر العام 2004، واستهدفت القادة المؤثرين عسكريًا وسياسيًا في كل الفصائل الفلسطينية. كان أبرز من اغتيل من حركة حماس محمود أبو هنود، القائد البارز في كتائب عز الدين القسام بالضفة الغربية والمسئول عن صناعة المتفجرات، وصلاح شحادة، القائد العام لكتائب عز الدين القسام في قطاع غزة، والذي ألقيت قنبلة تزن طنًا على عمارة سكنية بغزة كان ينام فيها.

ومن بين المغتالين أيضًا، نضال فرحات، المهندس الأول في صناعة صواريخ القسام، وإبراهيم المقادمة، أحد أبرز قادة ومفكري حركة حماس، وإسماعيل أبو شنب، عضو القيادة السياسية لحركة حماس في غزة. وبالطبع كان على رأس الشهداء الشيخ القعيد أحمد ياسين، مؤسس حركة حماس وأحد أبرز وجوه الصحوة الإسلامية في فلسطين، وعبد العزيز الرنتيسي، أحد مؤسسي حركة حماس، وقائدها بعد استشهاد الشيخ ياسين.

ومن حركة فتح اغتيل جمال عبد الرازق، القيادي في الحركة، ورائد الكرمي، قائد كتائب شهداء الأقصى بطولكرم، ومروان زلوم قائد كتائب شهداء الأقصى في الخليل، وجهاد العمارين، مؤسس شهداء الأقصى في غزة، وثابت ثابت، أمين سر فتح في طولكرم.

ومن حركة الجهاد الإسلامي، اغتيل محمد عطوة عبد العال، القائد في سرايا القدس الجناح العسكري للحركة، وإياد حردان، القائد في سرايا القدس، ومحمود الزطمة، أحد قادة سرايا القدس في غزة. كما اغتيل أيضًا أبو علي مصطفى، الأمين العام للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.

كانت الاغتيالات مركزة على رموز المقاومة الكبيرة من الرعيل الأول أمثال الشيخ ياسين والرنتيسي وأبو علي مصطفى، وعلى القادة العسكريين الفاعلين. وهدفت بالأساس إلى إرباك تنظيمات المقاومة ووأد الانتفاضة وإفساح الطريق لصعود جيل جديد من القادة الأقل تشددًا طمعًا في التفاوض معهم.

حققت الاغتيالات الإسرائيلية هدفها في النهاية وصعد جيل جديد للقيادة، خاصة بعد وفاة (اغتيال؟) رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات أواخر العام 2004، إذ جلس محمود عباس، رئيس السلطة الجديد، مع الإسرائيليين على طاولة المفاوضات في قمة شرم الشيخ، فبراير/ شباط 2005، واتفقوا على التهدئة، التي أسفرت بعد فترة وجيزة عن زيادة التنسيق الأمني بين السلطة والاحتلال، وتحوُّل السلطة في كثير من الأحيان إلى أداة قمع محلية بيد الاحتلال.

اقرأ أيضًا: حماس وإيران: حقائق يحجبها الواقع والاستقطاب


تصفية قادة المعارضة السورية: الطريق إلى الحل النهائي

فقدت الثورة السورية منذ اندلاعها عام 2011، العشرات من رموزها وقادتها من مختلف التيارات، خاصة المعتدلة، لأسباب سياسية وعسكرية. نذكر منهم على سبيل المثال،عبد القادر صالح «حجي مارع»، قائد لواء التوحيد، التابع للجيش السوري الحر، والذي كان يتمتع بسمعة طيبة وصيت واسع.

كما اغتيل أيضًا أكثر من 30 قياديًا من حركة أحرار الشام، كبرى الفصائل الإسلامية المعتدلة في سوريا، بينهم جميع قادة الصف الأول وأغلب قادة الصف الثاني للحركة، في عملية تفجير وقعت في سبتمبر/ أيلول 2014، وما زال يلفها كثير من الغموض حتى الآن. وأسفرت هذه العملية إلى ضعف الحركة وترهلها وخروجها بشكل كبير من المعادلة السورية.

اقرأ أيضًا:بنية النظام الأسدي وميلاد «الدولة المتوحشة» في سوريا

ومن أبرز من كان لاغتيالهم تأثير كبير، زهران علوش، قائد جيش الإسلام، أحد أقوى وأكثر الفصائل السورية تنظيمًا، والذي كان يتمتع بعلاقات خارجية وطيدة مع تركيا والسعودية وقطر. وأثر اغتيال زهران بشكل كبير على فصيله الذي انسحب مؤخرًا من معقله الرئيسي في الغوطة الشرقية.

لا يمكننا حصر كل الاغتيالات التي وقعت لكثرتها، لكن ما يمكننا تأكيده هو أن سياسة الاغتيالات كانت ناجعة للغاية، وأفرغت الثورة من رموزها والفصائل من قادتها، وأدت في النهاية إلى هزيمة المعارضة السورية بشكل كبير وإضعاف موقفها التفاوضي.