الدين لله والوطن للجميع ومن حق الجميع أن يفعلوا ما يشاؤوا، نكتب هذا المقال إذن ليس بنية قطع الأرزاق، فالأرزاق على الله كما يعرف الجميع، ولكنها فقط محاولة للتفكر في الأسباب التي قد تجعل من محمد رمضان اختيارًا غير مناسب لتجسيد شخصية أحمد زكي في عمل تليفزيوني، وهو الخبر الذي أعلنه رمضان شخصيًا، في المقال نركز بالأساس على عنصر التمثيل، ولا نتعرض للتأليف الذي تم الإعلان عن التعاقد مع الكاتب الكبير بشير الديك للقيام به، ولا نتعرض للإخراج أيضًا، والذي لم يتم بعد الإعلان عمن سيقوم به، التأليف والإخراج يبدلان كل شيء، والمخرج والنص الجيد يمكنهما أن يحولا الممثل لشخص آخر، لكن الإعلان الذي بدأ بالبطل لا يبشر بإعطاء الأهمية الكافية لأي من هذا، ولكن في النهاية العلم عند الله.

نتحدث هنا عن رمضان وحده إذن، رمضان في مرآة أحمد زكي، هل هو اختيار مناسب؟

1. الصدق

الصدق صفة يصعب وصف التمثيل بها، فهي مهنة قائمة في الأساس على ادعاء المرء هوية إنسان آخر، لكن الصدق على الجانب الآخر هو أمر ضروري لتحقيق شرط الإيهام الذي ينشده المنتج الفني، نحن نشاهد المسلسلات والأفلام ونوقع مع تتر البداية عقد الإيهام بيننا وبين صناع العمل الفني، سيبذلون هم قصارى جهدهم لإقناعنا بأننا نشاهد أحداثًا حقيقية، وسنصدق نحن في المقابل.

أحمد زكي بالخصوص كان ملتزمًا تمامًا بهذا التعاقد، كان يبذل قصارى جهده للتوحد مع شخصياته، ليجسدها بأعلى درجات الصدق في النهاية، لنستقبلها نحن كشخصيات من لحم ودم وليس فقط كإستكشات تمثيلية، زكي شخصيًا وبثقافة وقدرة على الشرح يحسد عليها قد لخص هذا قائلاً (التمثيل على الشاشة هو الصدق، والتمثيل في الحياة هو الكدب).

رمضان على الجانب الآخر قد أدمن التمثيل في الحياة، في كل لقاءاته هو يؤدي دورًا، لا يتحدث إلا نادرًا بشكل حقيقي، وحتى أداؤه الغنائي دائمًا ما يتقمص فيه دور بطل خارق، رمضان إذن مخالف تمامًا لهذه الصفة الشخصية في أحمد زكي، والصدق أمر يصعب تمثيله.

2. العيون

أحمد زكي, الحب فوق هضبة الهرم, عاطف الطيب, نجيب محفوظ
«أحمد زكي» من فيلم الحب فوق هضبة الهرم.

التقارب الشكلي أمر لابد منه في تمثيل السير الذاتية، لكنه عامل واحد من عوامل التجسيد، ليس من الضروري إذن أن يكون الممثل صورة طبق الأصل من الشخصية التي يمثلها، لكن هناك أمر لا يمكن تجاهله حينما تجسد ممثلاً معروفًا لا زال حاضرًا في ذاكرة الجماهير عمومًا، وحينما تجسد أحمد زكي، خصوصًا نظرات العيون.

عينا أحمد زكي هما أبرز ما فيه، أفردنا لهذا من قبل مقالاً مكتملاً، لكن إذا أردنا الاختصار فيمكننا القول إن عيني أحمد زكي كانتا أبرز أدوات التجسيد لديه، هما فعلاً شبابيك على روح الشخصية التي يؤديها، ولذلك سنرى أن عينيه كانتا تتغيران وبشكل مكتمل بين أداءاته لجمال عبد الناصر، السادات، رأفت رستم في معالي الوزير، أحمد سبع الليل في البريء أو منتصر في الهروب.

في المقابل فمحمد رمضان لا يملك هذه القدرة على الإطلاق، عيناه هي ذاتها في كل أدواره، بل حتى إن عينيه تظل كما هي حينما تنقلب شخصياته من الطيبة المكتملة إلى الشر المكتمل.

3. الإيجو

محمد رمضان من فيلم الكنز - إخراج شريف عرفة
محمد رمضان من فيلم الكنز – إخراج شريف عرفة

الإيجو هو أحد أهم أعداء الإنسان في الحياة، وهو العدو الأول للممثل بشكل خاص، الإيجو هو من يفرض عليك أسلوبًا سلوكيًا معينًا، ولغة حركية وجسدية أيضًا.

طبقًا لنظرية فرويد فالإيجو هو المنوط بالتوفيق بين رغبات الإنسان الحيوانية الدفينة، والمثل والقيم العليا التي تفرضها الأديان والمجتمعات، لكن الإيجو في حالة هيمنته على نفس الإنسان، يتحول حينها إلى غطاء مصطنع وسميك من الأقوال والأفعال والحركات التي لا يتبقى معها مكان للمناقشة أو التغيير.

هذا عمومًا، أما في حالة الممثلين على وجه التحديد، فحينما يهيمن الإيجو، لا يبقى مكان لشخصيات أخرى يستطيع الفنان تجسيدها سوى نفسه، فمهما حاول الفنان تمثيل/ تقليد شخصيات أخرى، يظل الإيجو الخاص بشخصيته الحقيقية حاضرًا.

المثال الأوضح هنا هو محمد رمضان نفسه، فإيجو رمضان له لغة حركية وكلامية تظهر بشكل واعٍ أو لا واعٍ في كل الشخصيات التي أداها، حتى حينما ابتعد رفقة عبد الرحيم كمال وشريف عرفة في فيلم (الكنز) عن الفترة الزمنية التي أدى فيها شخصية ابن البلد صاحب اللزمات المتكررة، ظلت هذه اللزمات حاضرة أيضًا رغم أنه يؤدي شخصية تاريخية في عصر لا يربطه أي شيء بشخصية رمضان الحقيقية أو التمثيلية، هكذا يبدو أن رمضان غير قادر على خلع الإيجو الخاص به، وهكذا فلا يوجد مكان أصلاً لأحمد زكي.

4. الكاريكاتير

هذا أمر آخر أفاض أحمد زكي نفسه في شرحه، وهو أنه لم يحاول قط أن يقلد الشخصيات التي يمثلها، التقليد الذي يتم عن طريق اختيار تفصيلة شكلية أو حركية أو كلامية مميزة، ثم تضخيمها للتدليل على صاحبها، كأن ترتدي شعرًا مستعارًا ناعمًا وتمشطه على جانب واحد ثم تحاول صنع حركات شبيهة بحركات المايسترو، هكذا أنت تقلد عبد الحليم، لكن هذا لا يعني أنك تمثله.

هذا الشكل الكاريكاتوري في الأداء يغلب على المساحة الأكبر من أداءات محمد رمضان، وهو أمر محزن بطبيعة الحال لأن رمضان بدأ في البداية بشكل مغاير للغاية، لكن الاستمرار على نفس النهج من الأدوار، ومحاولة تكرار التيمات الناجحة، وتكرار اللزمات الناجحة أيضًا، حوله إلى مؤدٍ كاريكاتوري بامتياز، يهتم بالشكل واللزمات ويبالغ في صنعها، ولا يهتم بما هو أبعد من ذلك، رمضان يصنع في كل رمضان المشاجرة نفسها بالسياق التمثيلي نفسه وبتعابير الوجه نفسها التي تتضمن جملة يقولها خصمه في البداية ثم يقلب عليه رمضان الطاولة معنويًا أو حرفيًا، يمكنك مشاهدة المشاجرة داخل السجن من البرنس، ومقارنتها بالمشاجرة في الأسطورة من هنا، شخصيتان من المفترض أنهما مختلفتان تمامًا تتحدثان بنفس الطريقة ولهما لغة الجسد نفسها.

يمكن هكذا وببساطة توقع شكل أداء رمضان لأحمد زكي، الكثير من حركات اليد، الكثير من حركات الفم، ومحاولة تحريك العين والرأس طوال الوقت في كل الاتجاهات، قد يشعرنا هذا بحضور أحمد زكي للوهلة الأولى، لكنه يفقد معناه بمجرد مرور دقيقتين، يتحول إلى كاريكاتور لا علاقة له بالأصل.

5. المدرسة التمثيلية

كل هذه التفاصيل تقودنا للنقطة الأخيرة، وهي المدرسة التمثيلية، في مقال سابق تحدثنا بشكل تفصيلي عن جيم كاري وقدرته على التجسيد من خلال مدرسة التمثيل المنهجي / method acting، وذكرنا بشكل خاص قيام جيم كاري بتجسيد ممثل آخر هو أندي كوفمان من خلال المدرسة نفسها التي يتبعها كل منهما، وذلك في فيلم Man on the moon الذي فاز من خلاله كاري بجائزة الجولدن جلوب في فئة أفضل ممثل.

إذا ما عدنا لزكي ورمضان، فعلى العكس تمامًا، هذان ممثلان يتبعان مدارس تمثيلية تبدو ليست فقط غير متشابهة ولكنها أيضًا متضادة، زكي يعتمد على التحليل النفسي لشخصياته، تاريخها قبل بدء الحكاية، ثم يجسدها داخل وخارج أوقات التصوير، زكي هو النموذج المصري الأقرب للتمثيل المنهجي.

على الجانب الآخر فرمضان يعتمد كما ذكرنا من قبل على التقليد الشكلي لشخصياته، هو يرتدي زي المعلم أو الضابط أو الصنايعي أو البطل التاريخي، لكنه لا يكون أيًا منهم، يظل في كل الأحوال محمد رمضان، الممثل الذي لا يستطيع البقاء داخل الشخصية خارج أوقات التصوير بالطبع لأنه لا يخصص وقتًا كافيًا لأعماله على أي حال، وينشغل وسط تصويرها بسجالات على مواقع التواصل الاجتماعى أو من خلال أغاني الراب، لا يتفرغ أبدًا بالشكل الذي كان يفعله زكي.

أما داخل أوقات التصوير فمن غير المضمون بقاؤه داخل الشخصية أيضًا، لأننا كما ذكرنا من قبل فلا مكان لشخصيات أخرى داخل جسد رمضان طالما استمرت سيطرة الإيجو عليه.

هل من الممكن تجسيد أحمد زكي دون تحليل نفسي لشخصيته؟ دون صدقه وعينيه؟ دون خلع الإيجو وتجنب الكاريكاتورية؟ ودون التفرغ بشكل كافٍ لصنع هذا؟ نترك الإجابة للزمن ولك عزيزي القارئ.