هناك سينمائيون كان لهم دائمًا رأي متطرف ضد التليفزيون وما يقدمه باعتبار أن ما يقدمه ليس فنًا، وأنها صور للاستهلاك السريع، ولن يكون لها مكان أبدًا في ذاكرة الفن. من هؤلاء السينمائيين الألماني الكبير «فرنر هيرزوج» الذي يقول في أحد حواراته:

الخطر الأكبر في رأيي هو التليفزيون لأنه إلى مدى معين يخرب رؤيتنا. أحفادنا سوف يلوموننا لأننا لم نشن غارة بالقنابل اليدوية على محطات التليفزيون. التليفزيون يقتل مخيلتنا، وما نحصل عليه ليس إلا صورًا مبتذلة ورثة بسبب عدم القدرة على البحث عن صور جديدة.

نجد ذلك أيضًا عند المخرج الكبير «جان لوك جودار» الذي يوجز رأيه في السينما والتليفزيون: «السينما يشاهدها المرء وهو مرفوع الرأس، بينما لا ينظر إلى التليفزيون إلا ورأسه منخفض». وأنه يمكن أن يتجه إلى التليفزيون فقط في حال انقراض السينما. مخرجون آخرون بقامة روسلليني، وكيشلوفسكي، وفاسبندر، اتجهوا إلى التليفزيون في ظروف، ولأسباب مختلفة وقدموا أعمالًا ذات قيمة فنية عظيمة لا تقل أبدًا عن منجزهم السينمائي، مبرهنين أنه بإمكان التليفزيون أيضًا أن يقدم صورًا عظيمة تبقى مع الزمن. هذه قائمة بأعمال تليفزيونية أخرجها سينمائيون:


Dekalog – كريستوف كيشلوفسكي

مسلسل تليفزيوني يتكون من عشر حلقات. حكايات لأبطال يسكنون تجمعًا سكنيًا في «وارسو» تتجاور الشخصيات في فضاء واحد دون أن تلتقي أبدًا. مستلهمًا وصايا موسى العشر الواردة بالعهد القديم، يقدم «كيشلوفسكي» عملًا استثنائيًا متأملًا مكان هذه الوصايا في عالم اليوم.

جماليات خاصة، ودرس بليغ عن كيف يمكن أن يكون التليفزيون فضاء لفن كبير. المسلسل أنتجه التليفزيون البولندي وعرض للمرة الأولى عام 1989 محققًا نجاحًا شاسعًا داخل بولندا وخارجها. كان العمل نقطة فاصلة في تاريخ «كيشلوفسكي»، انتقل بعدها للعمل في فرنسا محققًا أعمال بقيمة «الحياة المزدوجة لفيرونيك»، و«ثلاثية الألوان». يقول عنه الأمريكي الكبير «ستانلي كوبريك»: «إنها التحفة الوحيدة التي شاهدتها ويمكنني تسميتها».


Berlin Alexanderplatz – راينر وارنر فاسبندر

14 حلقة تليفزيونية أنجزها الألماني «وارنر فاسبندر» للعرض على شاشات تليفزيون بافاريا عن واحدة من أشهر الروايات الألمانية التي تقع فيما يقرب من ألف صفحة تحمل اسم «ساحة ألكسندر في برلين» لألفريد دوبلن. وهي الرواية التي وصفها «فاسبندر» بأنها صنعت حياته.

في برلين، نهاية العقد الثاني من القرن العشرين، تبدأ أحداث العمل بخروج «فرانز بيبركوبف» بطل العمل من سجن كان قد أودع فيه عقابًا على قتل زوجته. بلا عمل ولا مال، يكتشف العالم كما لو لأول مرة. ينسحق «بييركوبف» طيب القلب تحت عجلات عالم لا يرحم. عمل فذ لسينمائي استثنائي، عمل ضخم يصفه نقاده بأنه احتوى داخله أعمال «فاسبندر» كلها.


Twin peaks – ديفيد لينش

العمل التليفزيوني الذي أنجزه المخرج الأمريكي «ديفيد لينش» رفقة «مارك فورست»، عرض الموسم الأول والثاني من المسلسل مطلع تسعينات القرن الماضي، الموسم الأول حقق نجاحًا جماهيريًا ونقديًا كاسحًا، الموسم الثاني لم يحقق نجاح الموسم الأول وألغي العرض بعد الموسم الثاني.

اقرأ أيضا: هل يحقق «Twin Peaks» طفرة مستقبلية في صناعة المسلسلات؟

عالم «لينش» المعتاد حيث ينتقل إلى بلدة صغيرة وادعة تحمل اسم «توين بيكس» في ولاية واشنطن. مسلسل تليفزيوني عن شعور بالذنب خارج عن السيطرة، قتل وقسوة وسفاح قربي، الجوهر العبثي والغرائبي الذي يسكن السطح الهادئ للأشياء. في عام 2017 يعود «لينش» إلى «توين بيكس» في موسم ثالث بعنوان: العودة. هنا «لينش» أكثر تحكمًا في مسار العمل وأكثر الحرية والنتيجة واحد من أكثر الإنجازات البصرية أصالة وغرابة.


The kingdom – لارس فون ترير

في عام 1994، وبإلهام من توين بيكس لديفيد لينش الذي وجده فون ترير عملًا مبهرًا، صنع مسلسله «المملكة The kingdom» خيوط سردية عديدة وتيمات واسعة (رعب، خيال علمي، فانتازيا) وعدد هائل من الشخصيات. وقد تم تصوير العمل في أحد أكبر المستشفيات في كوبنهاجن.

اقرأ أيضا: ثلاثية الاكتئاب: حين أشهر فون ترير سيفه أمام الجميع

مملكة موبوءة، مسكونة بأرواح قلقة وأجساد معطوبة، قماشة واسعة يسقط عليها فون ترير مخاوف وتابوهات سيعود إليها من جديد في أفلامه اللاحقة. عمل مصنوع بما سيصير فيما بعد مانفيستو سينما الدوجما (كاميرا محمولة باليد، إضاءة طبيعة، قطعات مونتاجية خشنة…إلخ)


The knick- ستيفن سودوبرغ

لا بد أن نص هذا العمل قد مارس نوعًا من السحر على السينمائي الأمريكي «سودوبرغ» كي يقوم بإخراجه وتصويره وتوليفه مونتاجيًا. دراما تدور في أروقة مستشفى يحمل اسم «The Knick» نسخة متخيلة للحياة في مستشفى حقيقي يحمل نفس الاسم في أمريكا مطلع القرن العشرين. إنجاز بصري مميز، استطاع خلاله «سووبيرغ» أن يأسر روح الزمن المصور به الأحداث. إيقاع منضبط وشخصيات كثيرة (على غرار أفلام روبرت ألتمان) تدور كلها حول شخصية «جون ثاكري/كليف أوين»، رئيس قسم الجراحة بالمستشفى، العبقري المعذب، شخصيته مزيج من د.فرنكشتاين، وشارلوك هولمز، وله عينا ادجار آلان بو. إنجاز يستحق المشاهدة من سودوبرغ المسعف في كان عن فيلمه «Sex Lies And Videotapes»


Angels in America – مايك نيكولز

ست حلقات أخرجها المخضرم «مايك نيكولز» عام 2003 بحسه السينمائي الخاص عن مسرحية للكاتب «توني كوشنر». يلقي النص نظرة ثاقبة على أمريكا الثمانينات، أمريكا ريجان وصعود اليمين الديني آنذاك. تفسخ مجتمعي، انتشار وباء الإيدز، وشخصيات تتداعى أمام مخاوفها وأحلامها. معالجة واقعية مع لمسة فانتازيا بأداءات استثنائية من ممثلين بقيمة «آل باتشينو»، و«ميريل ستريب» مع «جيفري رايت»، و«ايما تومبسون». إنجاز مهم من صاحب تحفتي «الخريج، من يخاف فيرجينيا وولف».


Top of the lake – جين كامبيون

ربما في البداية ستظن أنها مجرد حكاية غامضة وحبكة مشوقة عن اختفاء فتاة، لكن وجود الأسترالية «جين كامبيون»، الحاصلة على السعفة الذهبية في كان عن فيلمها «البيانو» عام 1992، والتي تظل هنا وفية لبصمتها السينمائية وتيماتها المعتادة، يجعل الحكاية حكاية شخصياتها، تأمل في الهوية، نظرة امرأة لعالم قاس وجميل. رجال متوحشون ونساء جريحات، أداء مميز جدًا من «اليزابيث موس» نجمة «mad men» ومؤخرًا «The Handmade’s Tale»