8 من أفلام الطريق تصحبك في رحلة لا تنسى

شكل فيلم الطريق نوعًا سينمائيًا، مارس غوايته على العديد من مخرجي السينما، حيث منحهم أرضًا خصبة لاستكشاف طيف واسع من الأفكار والرؤى والمشاعر، مثلما مارس غوايته أيضًا على المشاهدين، فهذه الطرق المفتوحة على مدى لا نهائي تثير بداخلنا الرغبة في التحرر، والانطلاق بعيدًا عما هو ثابت وتقليدي.

الرحلة هي الموتيفة الرئيسية لسينما الطريق. ستجد أيضًا السيارات، الدراجات البخارية، طرق مفتوحة، ومناظر طبيعية وشخصيات قلقة، ويائسة ومحطمة تسافر عبر أرض غريبة بحثًا عن معنى أو خلاص، عن حياة بسيطة بعيدة عن تعقيد الحياة في المدن الحديثة. نحن أمام شخصيات نبذها المجتمع أو لم يترك لها سبيلاً آخر غير الهرب، أحيانًا تنتهي رحلة الشخصيات في سينما الطريق إلى اكتشاف جديد للذات والعالم وأحيانًا تنتهي في هاوية أكثر غورًا من تلك التي بدأ بها الفيلم.

ينبغي أيضًا في فيلم الطريق، ألا يكون الطريق مجرد خلفية للدراما، بل هو نفسه ما يحقق تطور السرد الفيلمي، إنه المكان الذي يسمح للحدث أن يحدث. ينبغي كذلك الإشارة إلى أن فيلم الطريق هو فيلم مراوغ، أحيانًا يكون نوعًا فيلميًا خالصًا (genre)، وفي أحيان كثيرة يكون نوعًا فرعيًا (sub-genre)، يمتزج مع أنواع فيلمية أخرى مثل الويسترن، الجريمة، أو الفيلم نوار.

يرى العديد من المنظرين أن سينما الطريق هي امتداد لإرث قديم من النصوص السردية الدينية والأدبية، مثل سفر الخروج التوراتي، وأوديسا «هوميروس»، و«دون كيخوت» للروائي الإسباني سيرفانتس، وغيرها من النصوص التي مثلت مرجعية لهذا النوع السينمائي الفريد. في هذا السياق أيضًا ينبغي علينا الإشارة إلى رواية جاك كرواك المعنونة «على الطريق» والتي تركت أثرها على الكثير من أفلام الطريق التي ظهرت بعدها.

يفتتح الناقد السينمائي ديفيد لادرمان كتابه «Driving Visions»، والذي يعد دراسة مطولة عن سينما الطريق، بعدد من الكلمات والعبارات التي يتم استدعاؤها إلى الذهن عند الحديث عن فيلم الطريق هي: الاغتراب، التمرد على القيم المحافظة، الغريب، نشوة المجهول، الرغبة، غواية الحرية والقدر.

نشير فيما تبقى من مساحة هذا المقال إلى 8 من أفضل أفلام سينما الطريق:

It Happened One Night – 1934

كلاسيكية من إخراج فرانك كابرا، يستند نص الفيلم على قصتين قصيرتين للكاتب صامويل هوبكنز آدامز بعنوان «حافلة الليل»، و«الرحلة الأخيرة». تهرب إيلي/كلوديت كوليرت، الابنة المدللة لعائلة ثرية من يخت عائلتها في ولاية فلوريدا، ثم تستقل حافلة من أجل العودة عبر رحلة طويلة إلى نيويورك. تلتقي عبر الحافلة بصحفي يدعى بيتر/كلارك جيبل يعمل كمراسل لجريدة بنيويورك، لتتطور العلاقة بينهما عبر هذه الرحلة. الفيلم الحائز على 5 جوائز أوسكار عام 1934، يعتبره بعض النقاد أبًا لأفلام سينما الطريق، كما يعتبر أيضًا مثالاً على فكرة امتزاج سينما الطريق مع أنواع فيلمية أخرى مثلما هنا في فيلم الكوميديا الرومانسية.

Wild Strawberries – 1957

الفيلم الصادر عام 1957، ومن إخراج المعلم السويدي إنجمار برجمان. يحمل الفيلم بصمته السينمائية وثقل رؤاه الوجودية. يأخذ النص شكل رحلة طريق يقطعها بطل الفيلم العجوز إيزاك بورج/فيكتور سيوستروم، الذي يعاني من حياة باردة، من الوحدة ومن عزلة عاطفية اختارها بنفسه بواسطة سيارته، إلى الجامعة للحصول على الدكتوراه الفخرية، بصحبة زوجة الابن بالإضافة لمجموعة من الشباب وزوج وزوجة يقلهم من الطريق.

اقرأ أيضًا: سينما «إنجمار برجمان»: الرحلة الطويلة إلى الليل

الرحلة هنا تحدث على مستويين متداخلين بطريقة بارعة؛ داخلي عبر الأحلام وذكريات حياته، وخارجي ممثل في رحلة الطريق. رحلة يواجه فيها ذاته بوضوح لأول مرة في حياته، تنتهي بتصالحه مع ذاته ومع الموت الذي يقترب.

Easy rider – 1969

الفيلم من كتابة وإخراج وبطولة دينيس هوبر. شاركه في الكتابة والبطولة بيتر فوندا، وجاك نيكلسون. يحكي الفيلم رحلة سائقي دراجات بخارية من لوس أنجلوس عبر الجنوب الغربي باتجاه لويزيانا. يعتبر الفيلم هو الأقرب روحًا لرواية جاك كرواك «على الطريق» والتي يبحث خلالها عن حياة بسيطة وحقيقية بعيدًا عن تقاليد المجتمع الخانقة ورأسماليته المتفشية، أو بكلمات الإعلان: عن أمريكا أخرى. يعتبر الفيلم واحدًا من أبرز أفلام الطريق، كما أنه ترك أثرًا لا ينكر على معظم أفلام الطريق التي أتت من بعده.

Badlands – 1973

الفيلم الأول للمخرج الأمريكي الكبير تيرانس ماليك، والمقتبس عن قصة حقيقية لقاتل متسلسل. الفيلم الصادر عام 1973 يحكي قصة الحب بين كيت/مارتن شين، وهولي/سيسي سباسيك والتي تفضي إلى جريمة قتل، يتبعها رحلة هرب عبر طرق وبراري أمريكا. رحلة عبر الأعماق الموحشة للحلم الأمريكي، حلم الشهرة والحرية وثقافة لا تخفي افتتانها الشرير بالعنف. نحن هنا نوعًا ما أمام آدم وحواء جديدين في فردوس مسموم.

اقرأ أيضًا: تيرانس ماليك: شاعر الأزمنة الموحشة

Kings Of The Road – 1976

الفيلم الصادر عام 1976 للمخرج الألماني فيم فيندرز، وهو أحد أكثر المخرجين المعاصرين المفتونين بسينما الطريق. يعد الفيلم هو الجزء الثالث ضمن ثلاثية أفلام عرفت بثلاثية الطريق، وهي إلى جانب هذا الفيلم تضم فيلمي «The Wrong Move»، و«Alice In The Cities».

يلتقي برونو، عامل تصليح أجهزة العروض السينمائية، مع روبرت بعد محاولة انتحار فاشلة، لينطلقا معًا في رحلة عبر ألمانيا الغربية قرب حدودها مع ألمانيا الشرقية. يزوران دور سينما خربة، يلتقيان بعدد من البشر يعانون من حالات شتى من اليأس والإحباط. أبطال فيندرز هائمون على وجوههم دون هدف، يحنون إلى أشياء غامضة، ربما ذلك ما يرسلهم إلى الطريق قبل أي شيء. يغذي فيندرز سينما الطريق بحساسية وشاعرية خاصة تمنح أفلامه طابعها الخاص.

Thelma And Louise – 1991

يتلاعب فيلم سكوت على نحو ما بقانون النوع الفيلمي. أبطال فيلم الطريق دائمًا من الذكور، على الأقل رجل وامرأة. نحن هنا أمام امراتين؛ زوجة محبطة، ونادلة في مطعم. تنقلب عطلة نهاية الأسبوع بالنسبة لهما إلى رحلة هرب بعد حادث قتل ارتكبته إحداهما دون قصد لكنه صادف لحظة تحاول فيها إثبات وجودها. رحلة تعيدان خلالها اكتشاف الحياة واكتشاف ذاتيهما من جديد.

The Straight Story – 1999

من فيلم «The Straight Story»

هذه المرة يبتعد المخرج الأمريكي ديفيد لينش عن عوالمه الغامضة والملغزة، ليصنع لنا فيلم طريق في غاية البساطة.

يستند الفيلم إلى أحداث حقيقية ظهرت لأول مرة في الصحافة الأمريكية عام 1994، حيث يقوم رجل في الثالثة والسبعين من عمره يدعى آلفين ستريت بعد سماعه بإصابة أخيه بمرض خطير، برحلة تمتد لمسافة 300 ميل لزيارته. ولأنه يعاني من ضعف شديد في بصره فإنه يقرر السفر بواسطة قاطعة العشب كل هذه المسافة. عمل عذب وحزين يكشف عن جانب شاعري وعاطفي داخل لينش نراه لأول مرة بهذا النقاء والبساطة.

طائر على الطريق

ينتمي فيلم «طائر على الطريق»، للمخرج المصري محمد خان، بامتياز لسينما الطريق. الطريق في فيلم خان ليس مجرد خلفية، بل هو ما يدفع بالدراما للأمام. بطل الفيلم فارس/أحمد زكي (الظهور الأول لشخصية فارس في سينما خان) هو نموذج مثالي لأبطال سينما الطريق المتمردين على ما هو سائد وتقليدي. يمتلك فارس كوده الأخلاقي الخاص الذي يتحرك به في الحياة حتى لو كان مخالفًا لتقاليد المجتمع الأخلاقية المحافظة.

اقرأ أيضًا: الحب في سينما خان: البحث عن الفردوس المفقود

العلاقة الحميمية بين فارس وسيارته البيجو، فالسيارة على نحو ما بيته الخاص، هذه العلاقة تنتمي أيضًا لتقاليد سينما الطريق. رحلة فارس الداخلية والخارجية في فيلم خان تقوده إلى اكتشاف جديد للعالم ولذاته. يؤدي هذا الاكتشاف بفارس إلى نهاية مأساوية. والطريق موجود دائمًا مثلما كان في البداية وعدًا بالحرية لفارس، كما يوجد في النهاية أيضًا شاهد على مصيره الحزين والدامي.