تمر هذه الأيام الذكرى الرابعة والخمسون على أكبر أزمة سياسية داخلية عصفت بوحدة العائلة الحاكمة في السعودية، عندما عُزل الملك سعود بن عبدالعزيز على يد أخيه وولي عهده الأمير فيصل. الانقلاب الوحيد في تاريخ الأسرة الحاكمة في الدولة السعودية بنسختها الثالثة وقع مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني 1964، نتاج صراعٍ ضروس على السلطة بين أبناء الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود.

وللمفارقة فإن الأسرة نفسها، والتي تحكم أكبر دول الخليج العربي منذ ما يقارب العقود التسعة، تواجه أزمة داخلية كبيرة مجددًا بعد الصعود المفاجئ لولي العهد الحالي محمد بن سلمان في سلم الحكم على حساب الكثيرين من أعمامه وأبناء عمومته. تتزايد الضغوط على الأمير الشاب خارجيًا بعد حادثة اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي داخل قنصلية بلاده بإسطنبول، ما يجعل ولاية الأمير في مهب الريح، لاسيما وأن هذا الخطأ الفظيع يأتي تتويجًا لسلسلة متصلة من القرارات الجذرية اتخذتها المملكة بأوامره، بداية بحرب اليمن، والأزمة الخليجية، مرورًا بعدد من الأزمات العابرة افتعلتها المملكة مع دولٍ كبرى كألمانيا وكندا، ما أضر كثيرًا بسمعة المملكة وصورتها أمام العالم.

اقرأ أيضًا: خرج ولم يعد: من هو المعارض السعودي «جمال خاشقجي»؟

على وقع أزمة خاشقجي بات الحديث عن الإطاحة بولي العهد أمرًا متداولًا داخل وخارج السعودية، مقترنًا به التساؤل عن هوية الشخص الذي يمكن أن يحل محل ابن سلمان ليعيد الانضباط إلى المملكة النفطية المهمة.

وبالتزامن مع هذه الأحاديث والتساؤلات، نشر عديد من الصحف الأجنبية أنباء عن عودة الشقيق الأصغر للملك سلمان، الأمير أحمد بن عبد العزيز، إلى السعودية بعد غياب طويل في لندن، ما دفع عديدين إلى الاعتقاد بأن الأمير أحمد هو المخلص المنتظر، وأن انقلابًا على غرار ما قام به فيصل في الستينيات يلوح في الأفق، فهل يمكن ذلك؟


السديري الأصغر صاحب السيرة المتواضعة

ولد الأمير أحمد عام 1942، وهو الابن الحادي والثلاثين من أبناء مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبد العزيز. كما أنه أصغر أبناء الأميرة حصة بنت أحمد السديري، وهو بالتالي أصغر السديريين السبعة، والشقيق الأصغر للملك سلمان. حصل أحمد على البكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة ريدلاندز بكاليفورنيا عام 1968، ومنحته الجامعة نفسها عام 1999 شهادة دكتوراه في العلوم الإنسانية إكرامًا لما قدمه من تبرعات لها.

شغل السديري الأصغر العديد من المناصب، كان أبرزها عمله كوكيل لإمارة منطقة مكة المكرمة من عام 1971 وحتى عام 1975، ثم عمله نائبًا لوزير الداخلية شقيقه الأمير نايف من عام 1975 وحتى العام 2012. وكانت آخر مناصبه توليه وزارة الداخلية لأقل من 5 أشهر خلال العام 2012، قبل أن يُطاح به لصالح ابن أخيه الأمير محمد بن نايف.


أحمد: لا لابن سلمان

اختفى الأمير أحمد عن الأنظار، ولم يلفت الانتباه العلني إلا في مطلع سبتمبر/ أيلول الماضي، عندما ظهر مقطع فيديو له خلال حواره مع متظاهرين أمام مسكنه في لندن، طالبوا بسقوط حكم آل سعود، قائلًا: «لماذا تقولون ذلك عن آل سعود؟ وما شأن كل عائلة آل سعود بهذا؟ هناك أفراد معينون هم الذين يتحملون المسئولية، ولا ينبغي أن تحملوا ذلك لأي شخص آخر»، وعندما سأله المتظاهرون عمن يتحمل المسئولية، أجاب الأمير أحمد: «الملك وولي العهد، وآخرون في الدولة».

انتشر مقطع الفيديو بشكل واسع في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، فقامت وسائل الإعلام السعودية بنشر رد على لسان الأمير أحمد يقول فيه: «ما نشر في وسائل التواصل الاجتماعي أو الإعلام غير دقيق. لقد أوضحت أن الملك وولي العهد مسئولان عن الدولة وقراراتها وهذا صحيح لما فيه أمن واستقرار البلاد والعباد، ولهذا لا يمكن تفسير ما ذكرت بغير ذلك».

وقال مصدر مقرب من الأمير لمجلة «ميدل إيست آي» إن الأمير «ملتزم بما قاله بادئ ذي بدء»، مشيرًا إلى أن التصريح الذي نشرته وكالة الأنباء السعودية على لسان الأمير أحمد كان مزورًا، وأن الكلمات التي نقلتها الوكالة لم تكن كلماته. وأضافت المجلة أن أحمد يفكر في عدم العودة إلى المملكة بعد تصريحاته.

عقب هذه الواقعة، تواترت أنباء تفيد بأن هذه ليست المرة الأولى التي يبدي فيها الأمير أحمد معارضة لما يجري في المملكة، وأنه كان واحدًا من 3 أعضاء من هيئة البيعة عارضوا تعيين محمد بن سلمان وليًا للعهد. كما أن حفل التأبين الذي أقامه الأمير أحمد لأخيه الأمير عبد الرحمن، لم ترفع فيه صورة ولي العهد كما جرى التقليد، وكان الاكتفاء برفع صورتين إحداهما لمؤسس المملكة عبد العزيز والأخرى للملك سلمان.

اقرأ أيضًا: هل يتراجع اللوبي السعودي في واشنطن عن دعم المملكة؟


هل يفعلها الأمير أحمد؟

انفرد الصحفي البريطاني المخضرم ديفيد هيرست بخبر عودة الأمير أحمد إلى المملكة، وقال إنه «حصل على ضمانات أمنية من بريطانيا والولايات المتحدة بأنه لن يمسه أذى». ونقل هيريست عن أحد المقربين من الأمير قوله: «لقد أدرك الأمير هو وآخرون في العائلة أن محمد بن سلمان أصبح عبئًا. الأمير يريد لعب دور لإجراء تغييرات في السلطة بالمملكة، ما يعني أنه هو نفسه سيلعب دورًا رئيسيًا في أي ترتيب جديد أو للمساعدة في اختيار بديل لمحمد بن سلمان».

وقال ديفيد إن الأمير أحمد عقد اجتماعات في لندن مع أعضاء آخرين من العائلة الحاكمة ممن يعيشون خارج المملكة، كما تشاور مع شخصيات داخل المملكة ممن لديهم مخاوف مماثلة، وشجعوه على تولي منصب ابن أخيه.

ونقلت صحيفة «ذي إندبندت» عن مصادر في العائلة أن الأمير أحمد التقى عقب عودته من لندن اثنين من إخوته غير الأشقاء، وهما الأمير طلال والأمير مقرن، لمناقشة الموقف السياسي الحالي ومستقبل السعودية، دون حضور ابن سلمان. فيما قال مصدر آخر إن هناك شائعات قوية بوجود محادثات تتجه نحو تعيين الأمير أحمد ليكون ملكًا أو وليًا للعهد، وتشير إلى أنه سيعمل بقوة مع أخيه الأمير مقرن، باعتبارهما آخر أبناء الملك عبدالعزيز الأصحاء.

وطرح ديفيد هيرست، في ختام مقاله السابق الإشارة إليه، تساؤلًا عما إذا كان الأمير أحمد سيتمكن من القيام بانقلاب عائلي، على غرار ما قام به الملك فيصل عام 1964 أم لا؟

ينتزع من يطرحون هذا السيناريو انقلاب الأمير فيصل من سياقه، ويتجاهلون العديد من الحقائق، على رأسها موقع الأميرين من السلطة. كان فيصل حين أطاح بسعود، وزيرًا لخارجية المملكة منذ ما يربو على 3 عقود، ورئيسًا لوزرائها، ووليًا لعهدها، وتأتمر بأمره قوات الجيش والداخلية، ويحظى بدعم أغلب أمراء العائلة وعلماء الدين.

أما الأمير أحمد فماذا يمتلك من أدوات القوة؟ منصبه المهم الوحيد الذي تولاه (وزارة الداخلية) أطيح به منه بعدها بأقل من 5 أشهر دون مجهود يُذكر، وحين كان يتم اختيار ولي ولي العهد خلال حكم الملك عبد الله تم تجاوزه لصالح أخيه الأصغر مقرن، أما الجيش والداخلية والحرس الوطني فهم بيد ابن سلمان بعدما أطاح بخصميه اللدودين محمد بن نايف ومتعب بن عبد الله.

اقرأ أيضًا: من «مرعب إيران» إلى «كبش فداء»: من هو أحمد عسيري؟

كل أوراق القوة التي يمتلكها الأمير أحمد حاليًا هي دعم غير علني من العائلة الحاكمة وربما علماء الدين، وربما تشجيع خارجي من دول أوروبية من أجل التقدم لمحاولة خلخلة الأوضاع، وهي كلها أوراق لن تمكنه من القيام بالانقلاب الذي ينتظره البعض، إلا إذا تنازل له الأمير محمد عن بعض مناصبه وصلاحياته وهو أمر مستبعد.

رغم هذا، تظل عودة الأمير إلى المملكة والتحركات التي يقوم بها أمرًا مثيرًا لعدة تساؤلات، أبرزها: لماذا يفعل هذا؟ ولماذا يتركه ولي العهد؟

أولًا: لا يستطيع محمد بن سلمان اتخاذ أي إجراءات عنيفة حاليًا تجاه أحد بسبب وضع المملكة المتأزم على خلفية مقتل خاشقجي. ثانيًا: يجب تذكر أن الشخص الذي يتحرك ضد ابن سلمان هو أحد الأمراء الكبار أبناء الملك المؤسس، ورغم كل الأفعال التي أتى بها ولي العهد، فإنه لم يجرؤ على الاقتراب من الأمراء الكبار الباقين على قيد الحياة. ثالثًا: يجب تذكر أيضًا أن هذه التحركات تأتي من أمير ضعيف لم يمتلك نفوذًا كبيرًا أغلب حياته، وليس من أمراء كانوا نافذين حتى وقت قريب، كمحمد بن نايف ومتعب بن عبد الله.

ربما تكون تحركات الأمير أحمد محاولة للتنفيس عن الغضب المكتوم داخل العائلة الملكية، وربما تكون محاولة محسوبة لموازنة السلطة داخل العائلة وكبح جماح ابن سلمان قليلًا، وربما تركه حرًّا محاولة لإلهاء الجميع وإعطائهم أملًا زائفًا بأن تغييرًا ضخمًا قد يحدث، وإن غدًا لناظره قريب.