بعد أن أوشك على إتمام عامه الثاني، ما يزال وباء كوفيد-19، أو كورونا كما يشتهر بين عامة الناس، يواصل استعراضاته القاتلة على مسرح المأساة، مقتربًا من حصد أرواح 5 ملايين إنسان حتى الآن، من بين أكثر من 230 مليون إصابة مسجلة حول العالم. ولا تكاد تنتهي موجة من تمدده حتى تبدأ أخرى، رغم التوسع في إعطاء لقاحات كورونا، لا سيَّما في البلدان المتقدمة، حتى تجاوز عدد من حصلوا على تطعيمٍ كامل أكثر من 2.5 مليار إنسان.

في الأسابيع الأخيرة، شهدنا تصاعدًا جديدًا في أعداد الإصابات بكوفيد-19 حول العالم وفي مصر، فيما بات يُعرف هنا بين الناس بالموجة الرابعة من الوباء، وإن أسهم التوسع في اللقاحات في تقليل نسبة الوفيات إلى الإصابات، بالأخص في الدول الأكثر توزيعًا للقاحات مثل إنجلترا.

رغم هذا الانتشار المتجدد لكوفيد-19، فإن الكثيرين ممّن أُصيبوا بأعراض شبيهة بأعراض كوفيد-19 لا سيَّما في مصر، ينفون بإصرار أي علاقة بين كورونا والأعراض التي أصيبوا بها، وأي تشابه هو غير مقصود، ولا يمت للواقع بصلة، وأنهم يعانون من برد أو إنفلوانزا أو حساسية في الأنف أو التهاب في الجيوب الأنفية أو حتى التعرض لنيران صديقة من المروحة أو جهاز التكييف… إلخ، رغم أن كل تلك القائمة من الأمراض الشائعة لم يحِن موسمها الشتوي بعد (باستثناء المروحة والتكييف كرموز للصيف، مما سهَّل إلحاق التهمة بهما).

اقرأ: بروتوكولات حكام كوفيد: عن الطب العشوائي القاتل

الدور اللي ماشي في البلد!

«الدور اللي ماشي في البلد»… أصبح هذا هو الوصف الأكثر شيوعًا للأعراض التنفسية بمختلف درجاتها، والتي أصيب بها الكثير من المصريين في خلال أيامٍ وأسابيع مضت، والتي من المنطقي ونحنُ في ظروف انتشارٍ وبائي محلي وعالمي، اعتبارَها إصابة بفيروس كوفيد-19 إلى أن يثبت العكس، وإن فرَّ أغلبنا من استخدام اسم كوفيد-19 ذي الوطأة النفسية الكبيرة.

ستتفجر المشكلة الحقيقية مع دخول الشتاء أكثر فأكثر، حيث تنشط فيروسات البرد والإنفلوانزا هي الأخرى، إلى جانب المزيد من الانتشار المتوقع لكوفيد-19 في مصر، نتيجة عدم التزام الغالبية العظمى بالإجراءات الوقائية مثل ارتداء الكمامات، وكذلك لأنه رغم الزيادة الملحوظة في أعداد الحاصلين على لقاحات كوفيد-19 في مصر، فإن الأرقام الكلية بالنسبة لعدد السكان ما تزال للغاية، فعدد منْ حصلوا على جرعتيْ تطعيم تجاوز 5 ملايين بقليل، ومنْ حصلوا على جرعة واحدةً يقترب من الـ9 ملايين، وتلك الأرقام محدودة للغاية بالنسبة إلى عدد المصريين الذي تجاوز 100 مليون نسمة.

 ومع الفارق الكبير بين تلك الأمراض الشائعة المعتادة وكوفيد-19 في الخطورة وشدة المضاعفات وسرعة الانتشار لصالح الأخير، وكذلك الاختلاف في بعض طرق العلاج، فلا بد من وسائل حقيقية للتمييز بينهم، وهذا ما سنحاوله في السطور التالية، لكن سنبدأ أولًا بالإشارة إلى أوجه التشابه بين كل تلك الأمراض، ثم ننتقل إلى نقاط الاختلاف.

أوجه الشبه بين كوفيد-19 وأدوار البرد والإنفلوانزا

  • كل تلك المجموعة من الفيروسات التي تصيب بالأساس الجهاز التنفسي العلوي، تنتقل فيها العدوى من شخصٍ لآخر بنفس الطريقة، وهي الرذاذ المُحتوي على الفيروس، والذي يصل عبر العطس أو السعال… إلخ، من المريض إلى أنف أو فم غير المصابين حيث يُستَنشقْ، وخلال أيامٍ قليلة تُسبِّب الفيروسات الموجودة في الرذاذ الإصابة بالمرض.
  • أشهر الأعراض المتشابهة بين كل تلك الأدوار، هي ارتفاع درجة الحرارة، والشعور بالإرهاق، وتكسير الجسم، والسعال.
  • الإجراءات الوقائية لتجنب الإصابة بكل تلك المجموعة من الأمراض متشابهة للغاية، وننصح بالرجوع إلى هذا المقال: (كيف نقي أجسامنا من أمراض الشتاء؟).
  • سلالة «دلتا» المتحورة وسريعة الانتشار من فيروس كوفيد-19، تسبب إصابة تنفسية شبه متماثلة مع أدوار البرد، حيث تقتصر في حالاتٍ عديدة على التهاب الحلق وارتفاع درجة الحرارة وسيلان الأنف.

أبرز الاختلافات

  • الفيروس المُسبِّب لكوفيد-19 يُسمى «سارس-كوف 2» (SARS-COV2) بسلالاته المختلفة، بينما أدوار البرد الشائعة تسببها مجموعات أخرى من الفيروسات أشهرها راينوفيروس (rhino باللاتيني تعني أنف) وأنواع أخرى من فيروسات كورونا غير الفيروس المُسبب لكوفيد-19، أمّا الإنفلوانزا، فهي أنواع عديدة تُسبِّبها فيروسات الإنفلوانزا المختلفة. لكن فيما يخص التهابات الجيوب الأنفية، فمنها الفيروسي ومنها البكتيري، ومنها الحاد، ومنها المزمن، ويشيع فيها الإصابة بالصداع وآلام الوجه في موضع الجيب الأنفي المصاب، وهي ليست موضوع حديثنا الآن.
  • يتأخر ظهور أعراض كوفيد-19 من بضعة أيام إلى أسبوعيْن بعد التعرض للعدوى، في حين تظهر الأعراض أسرع في حالتيْ البرد والإنفلوانزا (خلال يوم إلى 4 على الأكثر).
  • انتقال العدوى من مرضى الإنفلوانزا يكون أشد ما يكون قبل يومٍ من ظهور الأعراض، أمّا كوفيد-19 فتبدأ فرصة العدوى قبل يومين من ظهور الأعراض، وقد تستمر إلى 10 أيامٍ كاملة بعد العدوي، بينما قد تصل إلى 20 يومٍ أو أكثر لدى مرضى الإصابات الشديدة المحجوزين بالمشافي.
  • الأعراض الجسمانية المصاحبة لارتفاع الحرارة مثل الإرهاق الشديد، وتكسير الجسم… إلخ، تكون في كلٍّ من كوفيد-19 والإنفلوانزا، أشد من أدوار البرد الشائعة، والتي قد لا يحدث خلالها إصابة بالحمى من الأساس.
  • فقدان الشم أو التذوق، بشكلٍ كليٍّ أو جزئي، من أبرز الأعراض المميزة لإصابات كوفيد-19، والأفضل لمن يُصاب بها أن يُسارع بعمل المسحة التشخيصية PCR.
  • يقتصر تأثير البرد الشائع على الأنف والجهاز التنفسي العلوي، ولا يصل إلى الرئة، ولذا، فالالتهاب الرئوي يعني حاليًا الإصابة بكوفيد-19، أو في احتمالٍ أقل، الإنفلوانزا.
  • تطاول الإصابة بالسعال، وشدته، مع ارتفاع الحرارة بشدة لأيامٍ متتالية، يرفع احتمالية وصول الإصابة إلى الرئة، وبالتالي يكون من المُرجّح أن يكون كوفيد-19.
  • يظهر التباين الشيديد بين كوفيد-19 ونظرائه، في الإصابات الشديدة بالفيروس ومضاعفاتها، التي يحدث فيها الالتهاب الرئوي العنيف، وما يصاحبه من نقصٍ في الأكسجين، وارتفاع شديد في الحرارة، وضيق ظاهر بالتنفس حتى أثناء الاستلقاء، والمضاعفات المُميِّزة لكوفيد-19 مثل الجلطات الرئوية، أو جلطات الشرايين التاجية المغذية للقلب… إلخ، أو حدوث ما يُعرف بعاصفة السيتوكينات، وهي رد فعلٍ مناعي شديد على الإصابة بكوفيد-19، يُسبِّب التهاب وتلف العديد من الأجهزة الحيوية كالرئتيْن والكلى والقلب… إلخ ومن ثمَّ الوفاة. وبالرغم من أن الإنفلوانزا قد تتطور في بعض الحالات ككبار السن وأصحاب الأمراض المزمنة إلى إصابة تنفسية مميتة، فانتشار كوفيد-19 حاليًا أكثر منها بكثير، كما أن تجلط الدم ليس شائعًا مع الإنفلوانزا كما هو الحال مع كوفيد-19.
  • من الأشكال المميزة من إصابة كوفيد-19، ما يُعرَف بالإصابة المتطاولة long covid، حيث تستمر الأعراض لأسابيع بعد الإصابة، وتُسمى أحيانًا بمتلازمة ما بعد كوفيد، Post-covid syndrome.

في العموم، كوفيد-19 أخطر كثيرًا، وأكبر في احتمالات المضاعفات من كلٍ من البرد والإنفلوانزا.

اقرأ: دليلك الشامل للتعامل مع حالات الطواريء الطبية الحرجة

اقرأ: متلازمة ما بعد كورونا: الأسباب والعلاج

الخلاصة 

التمييز بين الحالات البسيطة والبسيطة إلى المتوسطة من كوفيد-19، وأدوار البرد والإنفلوانزا الشائعة، ليس من السهولة بمكان، ولا يُمكن حسمه إلا بإجراء المسحة التشخيصية PCR لكشف الإصابة بفيروس كوفيد-19، مع الوضع في الاعتبار أن مسحة سلبية واحدة لا تستبعد الإصابة بكوفيد-19 بشكلٍ تام.

لكن في حالات الإصابة الشديدة والتي تتضمن الالتهاب الرئوي، فهذا يستبعد أدوار البرد، ويجعل الاحتمال الأرجح إمّا كوفيد-19، أو الإنفلوانزا، مثل الإنفلوانزا الموسمية أو إنفلوانزا الخنازير… إلخ، مع الوضع في الاعتبار أن موسم الإنفلوانزا الرئيس هو الشتاء، والذي لم يحِنْ أوانه بعد في مصر ونصف الكرة الشمالي.

ولذا، ففي ظل أجواء الانتشار الوبائي الحالي لكوفيد-19، فهو الاحتمال الأرجح لتفسير الإصابة بأي أعراض تنفسية، لا سيَّما إن أصابت مجموعة من المتخالطين في نفس الوقت أو خلال فترة قصيرة، مثل أسرة أو عائلة، أو جمهور حفلٍ ما… إلخ. وعلى المريض عزل نفسه ما استطاع، وارتداء الكمامة الطبية عند اضطراره للاختلاط بالآخرين، وشرب السوائل بوفرة، والالتزام بالطعام الصحي الذي يُحسِّن المناعة، وعدم التأخر في طلب المشورة الطبية في حالة استمرار الأعراض دون تحسن لأيامٍ متتالية، وظهور أخطرها مثل ضيق التنفس والسعال الشديد وآلام الصدر… إلخ.

ونُعيِد التأكيد مرارًا وتكرارًا على تعاطي تطعيم كوفيد-19 لمن استطاع إليه سبيلًا، والالتزام قدر الإمكان بالتباعد الاجتماعي، وتجنب التجمعات في الأماكن المغلقة سيئة التهوية.

اقرأ: أهم 8 خرافات حول تطعيمات كورونا في مصر

اقرأ: مجموعة البرد .. هيا ندمر المناعة ونغذي البكتيريا