لا يزال الجدل ثائرًا هذه المرة منذ أعلنت القائمة الطويلة لبوكر العربية 2018 في يناير/كانون الثاني الماضي، حيث صعدت للمرة الأولى أربع روايات فلسطينية للروائيين «عاطف أبو سيف»، و«وليد الشرفا»، و«حسين ياسين»، و«إبراهيم نصر الله»، لم يكن مثار الجدل وجود ذلك العدد من الفلسطينيين لأول مرة، ولكن لأن رئيس لجنة التحكيم هو الروائي والناقد الفلسطيني «إبراهيم السعافين»، بالإضافة إلى وجود الروائي الفلسطيني «محمود شقير» كعضو في لجنة التحكيم.

تجدر الإشارة أيضًا إلى أنه للمرة الأولى في القائمة القصيرة يكون اتجاه لجنة التحكيم شرقًا فقط. ففي كل السنوات السابقة كان واضحًا حرص لجان التحكيم -على اختلاف أفرادها- على تمثيل الدول العربية شرقًا وغربًا قدر المستطاع من الخليج إلى المحيط، أما في هذا العام، وبعد غياب «مصر» عن القائمة القصيرة للمرة الثانية في تاريخ الجائزة (غابت من قبل في عام 2015)، فقد كان لافتًا للنظر أن روايات القائمة القصيرة هذا العام اقتصرت على روايات من العراق والسعودية ثم سوريا وفلسطين والسودان، وهي:

1. «ساعة بغداد» للروائية العراقية «شهد الراوي» الصادرة عن دار الحكمة ـ لندن.

2. «زهور تأكلها النار» للروائي السوداني «أمير تاج السر» عن دار الساقي اللبنانية.

3. «وارث الشواهد» للروائي الفلسطيني «وليد الشرفا» عن دار الأهلية الأردنية.

4. «الحالة الحرجة للمدعو ك» للروائي السعودي «عزيز محمد» عن دار التنوير – لبنان.

5. «حرب الكلب الثانية» للروائي الفلسطيني «إبراهيم نصر الله» عن الدار العربية للعلوم – لبنان.

6. «الخائفون» للروائية السورية «ديمة ونوس» عن دار الآداب.


الجائزة الأكثر إثارة للجدل

جاء في كلمة رئيس لجنة التحكيم عن روايات القائمة القصيرة كما نشرها موقع الجائزة:

لا شك أن هذه الكلمات والأحكام العامة يمكن أن تنسحب ببساطة إلى أكثر من رواية في القائمة الطويلة كلها، وليس روايات القائمة القصيرة لهذا العام فحسب، وإن كان فيها إشارة للبعد الغرائبي الذي قد نجده متمثلًا في رواية «حرب الكلب الثانية» لإبراهيم نصر الله على سبيل المثال، أمّا إسقاطات الواقع فربما لا تخلو رواية عربية مكتوبة من ذلك بحالٍ من الأحوال.

ولكن قارئ الروايات الست الموجودة على هذه القائمة لهذا العام، سيفاجأ -ولا شك- بتباين المستوى الفني بينها، ولعل ذلك ما أثار انتقاد عدد من الكتّاب الروائيين منذ وقت مبكّر، بل كان منهم أحد المشاركين في الجائزة لهذا العام.

يذكر الروائي الكويتي ناصر الظفيري في مقالٍ له في جريدة «الجريدة» الكويتية:

هذه الجائزة تستحق الهجوم عليها، لأنها لم تكن مقنعة؛ لا للروائي ولا للناقد، وحوَّلت القراء إلى جمهور بقية الأجناس من أغنية وسينما ومسرح. لا يمكن أن يقنعنا القائمون عليها بأنهم يمتلكون قدرات نقدية تفوق قدرات بقية النقاد والروائيين وهم يقدمون للقائمة أسماء لم يعترف بها أبناء بلدها. ولا يمكن أن نقتنع أننا لسنا أمام هيمنة فلسطينية غامضة، وبحاجة لإعادة نظر. هذا التكريس الفلسطيني يجعلنا نشك في نزاهة العمل النقدي الذي اعتمدته لجنة الجائزة. فلم تجد في المغرب عملًا يستحق، ولا في عُمان، وليس في مصر سوى عملين، وهكذا. خضعت اللجنة، للأسف، لدور النشر من جهة، فاحتلت دور النشر اللبنانية نصف القائمة، وخضعت لمواطنيها، والذين ربما سنراهم جميعًا في القائمة القصيرة. الأكثر مرارة أن اللجنة الموقرة أدخلت من العراق كاتبة لا تمتلك أدبيات التعبير المدرسي لتكون ممثلة لبلد كالعراق، ولتقنعنا بأنه خالٍ من روائي يستحق أن يقرأ.

من جهةٍ أخرى جاء النقد من داخل المرشحين للجائزة نفسها، إذ نشر الروائي «أمجد ناصر» مقالًا يهاجم فيه الجائزة بمجرد خروج روايته «هنا الوردة» التي كانت على القائمة الطويلة لهذا العام، جاء فيه:

في القائمة القصيرة الأخيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (بوكر) مزيج عبثي بين الاسم الطافي على السطح والاسم المجهول. لكن النتيجة واحدة: البحث عن الواقع في الرواية. البحث عن الحدّوتة (ليس الحكاية حتى). هل أثارت هذه النتيجة جدلًا؟ كلا. ربما تساءل بعض المغاربة عن غياب الرواية المغربية، وربما وجد مصريون أن حضور الرواية المصرية في القائمة الطويلة لا يتناسب مع حجم الإنتاج الروائي المصري ونوعيته. هناك من تساءل، في وسائل التواصل الاجتماعي، عما يعنيه وجود أربع روايات فلسطينية دفعة واحدة في القائمة. كم رواية فلسطينية صدرت في العامين الماضيين، حتى تتأهل أربع منها إلى أرفع جائزة روائية عربية؟ طبعًا لا يعرف المتسائلون أن قوانين الجائزة لا تحدد عددًا معينًا من الروايات لبلد عربي بعينه. ليست هناك مثل هذه المحاصصة بين البلدان العربية. لا وجود لشيءٍ كهذا!

قائمة تضم كل الأطياف

تناولت روايات القائمة القصيرة الست موضوعات اجتماعية وسياسية ووجودية. وقد وظفت تقنيات سردية مختلفة مستلهمة من التحولات الحديثة للرواية العالمية في معالجتها للبعدين الغرائبي والعجائبي. ولا تخلو الروايات الست من تقاطعات وإسقاطات على الواقع الجديد، مع تجاوزها للوثوقي واليقيني.

«ساعة بغداد» رواية العراقية «شهد الراوي» الأولى، كانت مثارًا لعدد من الانتقادات سواء على صفحات التواصل الاجتماعي أو على موقع القراءة جودريدز، ذلك أن الرواية حفلت بالمعالجة السطحية الشديدة لقضية مهمة وكبيرة، هي المأساة العراقية الكُبرى، وما جرى على أرض العراق من دمار، وكيف أثّر ذلك على نفسيات الأطفال والشباب هناك، وذلك من خلال صوت الراوية الذي حرصت الكاتبة على تقديمه بصوت الطفلة.

ولكن بناء الرواية جاء مهلهلًا غير متماسك، بل إن صوت الطفلة الذي افترضت الكاتبة أنها تتحدث عنه جاء بطريقة مفتعلة أفقدت الرواية الكثير من متعتها، كما كانت المشكلة الكبرى أن الرواية بها الكثير من الأخطاء اللغوية، كل تلك المآخذ والسلبيات لم تمنع هذه الرواية وكاتبتها أن تكون على قائمة الكتب الأكثر مبيعًا في دبي منذ صدور الرواية في 2016، ولعل هذا السبب أساسًا كان هو الدافع الذي جعلها تذهب إلى جائزة بوكر العربية، ولا نعلم إذا كان من الممكن أن تقتنص الجائزة لهذا العام أم لا!

من جهة أخرى قوبل وصول رواية «الحالة الحرجة للمدعو ك» للروائي السعودي الشاب «عزيز محمد» إلى القائمة القصيرة بكثير من الاحتفاء، لا سيما أنها الرواية الأولى لكاتبها. جاء ذلك الاحتفاء سواء ممن قرءوا الرواية قبل ترشحها للجائزة، أو من تعرفوا على الرواية وقرءوها بعد الترشح، إذ بدا في الرواية موهبة أدبية واعدة، استطاع أن يعبّر فيها الكاتب عن مأساة بطله ومروره بأزمةٍ خاصة هي مرض السرطان إلى تشكيل أزمة وجوده الكبرى في العالم، وكيف يمكن التخلص من هذا الألم من خلال الكتابة.

اقرأ أيضًا: القائمة القصيرة لبوكر 2017.. الانحياز للمسكوت عنه

وإذا كانت شهد الراوي وعزيز محمد يجتمعان في كونهما أصغر الكتّاب الذين يصلون إلى بوكر هذا العام، كما أن عملهما هو العمل الأول لكليهما -مع فارق المستوى الفني- فإن لجنة البوكر حرصت فيما يبدو على أن تشتمل القائمة القصيرة أيضًا على كتّاب من جيل الوسط، فجاء «وليد الشرفا» براوياته المتميزة «وارث الشواهد» التي أعادت تفكيك المأساة الفلسطينية بشكلٍ مختلف، وأعاد طرح قضايا إشكالية تتعلق بالهويّة والاحتلال والدور الذي يستطيع الفلسطيني أن يقوم به اليوم، في سرديةٍ امتازت بالتكثيف الشديد والبناء المحكم في آن معًا.

كذلك جاءت تجربة الروائية السوريّة «ديمة ونوس» في روايتها «الخائفون» لتقديم صورة مختلفة للمأساة السورية، ارتكزت فيها على «الحالة النفسية» لأبطال روايتها، واستطاعت أن تعبّر عن واقع الشعب السوري الأليم، عبر حكاية غير تقليدية تسير على خطين متوازيين لبطلةٍ تبحث عن نفسها في أخرى، وتضيع هويتها بالتزامن مع ضياع حبيبها وبلادها.

بعد ذلك يكون من الطبيعي والمتوقع أن تحتفظ اللجنة هذا العام بالروائيين الكبار، الذين لا شك أنهم يمنحون الجائزة ثقلًا من نوعٍ خاص، لذا وجدنا «أمير تاج السر» بروايته الجميلة المتميزة «زهور تأكلها النار» والتي عالج فيها بطريقة سردية قضية شائكة، وهي الإرهاب باسم الدين، من خلال شخصية «المتقي» التي تشير بشكل واضح إلى «المهدي» في السودان، وما كان يفعله أتباعه من تجاوزات في حق النساء وفي الشعب كله بشكلٍ عام.

اقرأ أيضًا:جائزة البوكر العربية للأدباء أم الناشرين؟

كما وجدنا الروائي الفلسطيني الكبير «إبراهيم نصر الله» بروايته المتميّزة «حرب الكلب الثانية» أكثر روايات القائمة القصيرة اقترابًا من الفوز بالجائزة، والتي تعد استكمالًا لمشروعه السردي في سلسلة «الشرفات»، والتي سار فيها على نهج استشراف المستقبل السوداوي وقراءة الواقع العربي وما سيئول إليه استمرار أوضاع القمع والقهر فيه من استغلال لكل طاقات العلم والتكنولوجيا للمزيد من فرض السيطرة واستعباد الشعوب وإذلالها.

في النهاية يُنتظر أن يتم الإعلان عن الفائز بجائزة البوكر العربية هذا العام في الثلاثاء 24 أبريل/ نيسان القادم بالتزامن مع افتتاح معرض أبو ظبي الدولي للكتاب.