وُلد لأبوين بريطانيين في الولايات المُتحدة، فحصل على الجنسية الأمريكية والبريطانية معًا. يصف بوريس جونسون نفسه بأنه «بَوتقة يُصب فيها الجنس البشري بتنوعاته». جده لأبيه «علي كمال» صحفي شركسي تركي، وهو مسلم الديانة علمانيّ التفكير. وينسب جونسون نفسه إلى الملك جورج الثاني ملك بريطانيا العظمى عبر تتبعٍ طويل لشجرة العائلة من طرف والده. أما والدته فيهودية روسية هاجرت إلى الولايات المتحده، وجدّه لأمه حاخام يهودي.

حصل جونسون على منحة ملكيّة للدراسة في جامعة «إيتون»، جامعة الطبقة العليا في بريطانيا. لكن التقارير الدراسية التي ذكرته في تلك الفترة أجمعت على كسله وتأخره الدائم وشعوره القوي بعدم الرضا عن نفسه، فتخلى عن طائفة والديّه المسيحية وانضم لطائفة أخرى. صداقاته القويةً ساعدته على تجاوز إيتون للوصول إلى أوكسفورد لدراسة الأدب الإنجليزي. في أوكسفورد أصبح رئيسًا للنشاط الطلابي ومحررًا لجريدة الجامعة. سافر إلى أستراليا لعامٍ من أجل تدريس الأدب الإنجليزي في مدرسة داخلية لنخبة المجتمع. لكنه عاد إلى أوكسفورد عبر منحة مدتها 4 سنوات لدراسة الكلاسيكيات الإنجليزية.

تواجده في أوكسفورد في أواخر عام 1983 جعله واحدًا من الجيل الذي تخرج في أوكسفورد وهيمن على السياسة والإعلام البريطاني في القرن الحادي والعشرين. من ذلك الجيل ديفيد كاميرون،رئيس الوزراء الأسبق، وجيرمي هانت، غريم بوريس ومنافسه الحالي. ترشح جونسون لرئاسة اتحاد أوكسفورد فخسره في المرة الأولى. لكنه فاز به في المحاولة الثانية بعد أن ادعى أنه ليس محافظًا كما يظن زملاؤه وأنّه يدعم الحزب الديموقراطي الاشتراكي، رغم أنّه حاليًا ينكر تمامًا استخدامه تلك الحيلة. انتهت سنواته الدراسية بالتخرج في جامعة «باليول» بدرجة عليا في الفلسفة الكلاسيكية لكن من الدرجة الثانية.


رائد الصحافة الكاذبة

انتهت سنوات الجامعة لتبدأ سنوات الواقع. بدأها جونسون بالزواج وقضاء شهر العسل في مصر. ثم عُين مُحررًا في جريدة «التايمز» لكنه فُصل إثر اقتباسه مقالًا دون الإشارة لذلك. دخل بعدها أروقة «ديل تليجراف» ليكتب مقالاتٍ تُحبها الطبقة الوسطى والشباب الغاضب. احتوت مقالاته على كثير من الكذب المُتعمد لتشويه لجنة «المفوضية الأوروبية». انتقد جميع زملائه مقالاته لكن نقدهم لم يمنعها من الانتشار، ليحصل جونسون على لقب «واحد من أعظم أعمدة الصحافة الكاذبة». حياته المتوترة لم تسمح لزواجه أن يستمر، فانفصل ثم تزوج مرةً أخرى بـ«مارينا ويلر» صديقة الطفولة. مارينا ساهمت بشكل واضح في تغيير مواقفه المتطرفة إلى مواقف أكثر انفتاحًا، خاصةً فيما يتعلق بالعنصرية العرقية وحقوق المثليين وقضايا التغيّر المناخي.

ترقى جونسون وصار عموده الصحفي موضع اهتمام شعبي. خاصةً أن كتاباته دائمًا عنصرية، فيصف الأفارقة بالبطيخ، ويدافع عن الاستعمار الأوروبي لأي دولة إفريقية خاصةً أوغندا. أراد جونسون أن يدخل السياسة أخيرًا، فعرض أن يكون مرشحًا محافظًا للبرلمان الأوروبي عام 1994. لكن أيقن أن فوزه مستحيل، ولن يجد فردًا واحدًا يدعمه. فوجه بوصلته لمجلس العموم البريطاني، فشل في الوصول إليه في انتخاباته كمرشح عن «هولبورن» ثم عن «سانت بنكراس». لكن للتخلص من إلحاحه رضخ المحافظون لتسميته مرشحًا لمقاطعة صغيرة مضمونة لحزب العمال في شمال «ويلز»، وبالفعل بعد 6 أسابيع من الجولات الانتخابية خسر جونسون.

خساراته المتتابعة كانت أثرًا غير مباشر لفضيحة نُشرت عام 1990 عبارة عن تسجيل لمكالمة هاتفية بينه وبين صديقة «داريوس جوبي». جوبي يعترف له أنه شارك في أعمال إجرامية، يطلب منه عنوان « ستيوارت كولير» صحافي يحقق في تلك الجرائم ليقوم بضربه كي يتوقف عن تحقيقاته، وبالفعل يعطيه جونسون عنوانه الخاص. في وقت لاحق انتقل جونسون إلى جريدة «سبيكتور» ليكتب فيها آراءً مشابهةً لما يكتبه في «ديلي تليغراف». وبجانبهما حصل على عمود في مجلة سيارات ليكتب رأيه في السيارات التي تعرضها المجلة. لم يستمر فيها طويلًا بسبب مخالفات السير الهائلة التي تُرسل للمجلة في كل مرة يُجرب سيارةً جديدةً. كما كانت عادته التأخر في تسليم مقالاته مما اضطر باقي فريق المراجعة والنشر للسهر أيامًا متواصلة من أجل العمل عليها فور إرساله إياها. دون أن يقوموا أو يقوم رؤساؤه بحثه على الالتزام بمواعيده، إذ كانوا يخشون من ردوده البذيئة عليهم.


عمدة لندن الفقير

في عام 2007 أعلن جونسون نيته الترشح لمنصب عمدة لندن عن المحافظين. لم يأخذه أحد على محمل الجد خاصةً في وجود «نيك بوليس» المحافظ الشرس، لكن انسحب بوليس فوجد المحافظون أنفسهم مضطرين لدعم جونسون. وفاز بها جونسون بنسبة 79% من الأصوات. في كرسي عمدة لندن واجه جونسون انتقادات واسعة، فهو دائم التأخر عن الحضور، كما ذهب بعد شهر لقضاء عطلة مفاجئة في تركيا. وأعلن أنه لن يستطيع الحياة براتب عمدة لندن فقط، فاستمر في الكتابة في «التليجراف» كعمل جانبي. نصحه أعضاء حملته بالتبرع بجزء من المرتب لصالح أي نشاط خيري كي لا تثور عليه العامة لشغله وظيفتين، لكنه رفض. وحُجته أن المرتب من الوظيفتين لا يكفي لشراء طعام للدجاجة، فثارت العامة ضده لأنه مرتبه كان 10 أضعاف متوسط مرتب المواطن البريطاني.

اقرأ أيضًا: هل حان الوقت لعقاب بريطانيا: من يعقّد مفاوضات البريكست؟

في فترة ولايته من 2008 إلى 2012 واجه تهمًا متعلقة باستغلال النفوذ كبناء سقيفة إضافية لبيته دون إذن رسمي، وتعيين صديقة له كرئيس لمجلس الفنون في لندن. كما حذر صديقًا له من أن الشرطة تسعى خلفه وتحاول القبض عليه، تهم كثيرة لم ينكرها جونسون. مع كل هذه الفضائح ظفر جونسون بولاية ثانية حتى عام 2016. وحتى مع خروجه من منصبه لا يزال 52% من سكان لندن يعتقدون أن جونسون أبلى بلاءً حسنًا. لذا نجد دعواته للخروج من الاتحاد الأوروبي كانت عاملًا مؤثرًا في توجيه الناخب الأوروبي في استفتاء الـ«بريكسيت». جونسون يرى الاتحاد الأوروبي وسيلةً للسيطرة على بريطانيا لإنشاء أوروبا موحدة كما حاول هتلر أو نابليون، لكن بطريقة أكثر عصرية. وسمى اليوم الذي ستخرج فيه بريطانيا بأنه يوم الاستقلال الحقيقي لبريطانيا.

استقال كاميرون بعد استفتاء البريكسيت، ورفض جونسون أن يحل محله. لكنه دعم ترشيح أندريا ليسوم التي خرجت من المنافسة بعد أسبوع. فازت تيرزا ماي برئاسة وزراء بريطانيا فاختارت جونسون وزيرًا للخارجية. ماي أرادت أن يكون جونسون خارج البلاد لفترة أطول مما يعيقه عن التصرف ضدها، كما رأت أن إظهار تهوره للعالم أجمع هو أفضل وسيلة لإضعاف الرجل سياسيًا. لكن جونسون استطاع أن يقلب الطاولة، وأن يتنصل من مواقفه السابقة باحترافية. فمثلًا قابل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعد 4 أشهر من إلقاء قصيدة مهينة في حق أردوغان، لكن جونسون لم يعتذر عنها ولم تسبب له إحراجًا أثناء اللقاء، بل جعل حديثه كاملًا عن دعمه لدخول تركيا للاتحاد الأوروبي. استمر جونسون في مناوراته حتى استقال في يوليو/ تموز 2018


زعيم التفكير المزودج

جونسون يحب السعودية، يدعم تدخلها في اليمن تمامًا. كما واجه اتهاماتٍ بأنه يعيق تحقيقات الأمم المتحدة في الانتهاكات الإنسانية التي تقوم بها السعودية. لكنّه يرى السعودية خطرًا على العالم كإيران تمامًا، ولا ينبغي التساهل مع أيهما. كما يرى أن مدينة سرت الليبية يمكن أن تصبح «دبي» جديدة، فقط إذا تخلصنا من الجثث الكثيرة التي تملؤها. كما يرى أن النقاب يجعل المسلمات أشبه بسارقي البنوك وصناديق البريد المُتحركة، في الوقت ذاته يُذكرهم بجدّه المسلم التركي. 60% من البريطانيين لا يرون تعليقات جونسون عنصريةً أو مهينةً بأي شكل، ورأى 48% من المواطنين أنه لا يجب عليه الاعتذار عنها. وحين تشكلت لجنة رسمية للتحقيق في تصريحاته المتتابعة، خلصت إلى أنه ليس مخطئًا وأن تصريحاته قد تبدو استفزازية لكن لديه الحق في استخدام تشبيهات صادمة من أجل توضيح وجهة نظره.

رغم كل هذه التصريحات فإن شعبية جونسون في تزايد مستمر، حتى جعلته الاستطلاعات المتكررة «الأوفر حظًا» لخلافة تيرزا ماي في رئاسة المحافظين ثم رئاسة وزراء بريطانيا. جونسون حصل على 160 صوتًا من أصل 313، بينما حصل هنت على 77 صوتًا، وحلّ وزير البيئة مايكل غوف ثالثُا بـ75 صوتًا. بعد هذه الجولة سيخوض المرشحون معركةً للفوز بتصويت 160 ألف عضو في أرجاء البلاد أواخر يوليو/ تموز الجاري. لكن بالنسبة للعديد من المحافظين، فالجولة الانتخابية لم تعد ذات قيمة، فجونسون، صاحب الـ55 عامًا، هو رئيس المحافظين القادم، ثم رئيس الوزراء القادم بعد الفوز على اليساري جيرمي كوربين.

اقرأ أيضًا: جيرمي كوربين: الرجل ذو الظل الأحمر

فوز جونسون يمثل أمنيةً للرئيس الأمريكي دونالد ترامب التي عبّر عنها صراحةً في أكثر من مناسبة، فالرئيس الأمريكي يرى جونسون شخصًا رائعًا يمكن العمل معه، وسيرة جونسون تخبرنا لما ليس مستغربًا هذا الإعجاب المتبادل بين الشخصين. إلا أن مصير بريطانيا تحت قيادة جونسون قد يكون كارثيًا على عكس الولايات المتحدة الصامدة حتى الآن. فجونسون وعد أن يكون 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 هو موعد خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي سواء توصلوا لاتفاقٍ أم لم يتوصلوا.

وصول جونسون إلى رئاسة الوزراء أو حدوث بريكسيت دون اتفاق كلاهما يُتوج عقدًا مليئًا بالتشرذم والاضطراب لم تشهده بريطانيا من قبل. لتصبح الإمبراطورية العظمى رهينةً تمامًا في يد الحظ، وليتحول بوريس جونسون من سياسيّ يُسلي الجماهير إلى انتحاري يقود بريطانيا إلى حتفها.