حيث نشارك نصبح محصنين بالقانون عِوض أن نبقى خارجه، ونكون حاضرين في مراكز القرار عِوض أن نبقى خارجه، ونكون حاضرين عِوض أن تصرح برأيك ولا يكاد يسمعك إلا القليل من الناس، فإن وسائل الإعلام تضطر إلى حمل رأيك إلى كل المجتمع.
عبدالإله بن كيران، رئيس الحكومة المغربية

تحدد موقف التيار الإسلامي الوسطي في المغرب من الديمقراطية باكرا، فآمن العدالة والتنمية بضرورة التحول من الدعوي إلى السياسي، وتبني التغيير الحضاري بدلا من التغيير الانقلابي، فانتهج بذلك خط الاعتدال والمرونة وفلسفة الاعتدال والتدرج، وابتعد عن النقد والصدام المباشر للنظام ومكوناته، وسعى جاهدا نحو بلورة علاقة وطيدة مع الملكية الدستورية تخلو من الصدام، وهو ما جعل الحزب يقود حكومة المغرب لخمس سنوات في اعقاب ظهور حركة 20 فبراير/شباط، فصمدت حكومته في ظل تداعي الأحزاب الإسلامية التي وصلت للسلطة إلى الهاوية في أعقاب الربيع العربي وتحديدا عام 2013 وهو ما جعله يمثل نموذجا ناجحا للتيار الإسلامي على غرار العدالة والتنمية التركي.

ومع اقتراب تصويت الناخبين المغاربة في الانتخابات التشريعية القادمة في اكتوبر/تشرين الأول 2016 تشهد الساحة المغربية حربا مستعرة بين الأحزاب السياسية المشاركة في الانتخابات وتتسارع الأحزاب الكبرى نحو تشكيل تحالفات حتى أصبح المشهد المغربي يعيش حالة من القطبية الحزبية، في هذا الزخم الديمقراطي اتجه حزب العدالة والتنمية نحو التقارب مع أحزاب يسارية مثل حزب التقدم والاشتراكية وفيدرالية اليسار. وبالرغم من ذلك فإن الطريق الممهد إلى السلطة لم يصبح ممهدا بعد للعداليون، فأجواء الاحتفالات قد اختفت وحل بدلا منها أجواء الحذر والحيطة، فالحزب يواجه أربع أزمات تكاد تعصف بحلمه وحلم الإسلاميين في البقاء في السلطة، فهل ينجح اليسار في إنقاذه؟

تعددت الأزمات التي واجهها العدالة والتنمية أثناء توليه خلال الخمس أعوام الماضية، وكادت تعصف بوجوده ومنها صراعه مع النقابات العمالية وتعامله مع ملف الفساد والوضع الاقتصادي، ونتطرق إلى أربع أزمات تتزامن مع الانتخابات وقد تؤثر على مستقبل الحزب كما تناقش تلك المقالة.


انقلاب ملكي على الحراس الأوفياء

ما دامت الملكية فسوف تجدون المغرب، إذا لم تعد الملكية فستجدون أشياء أخرى لا نعرف ما هي، قد تكون حربا أهلية أو حربا مجتمعية أو دولا متناحرة أو حكما ديكتاتوريا أو غيره.
عبدالإله بن كيران

تأسست علاقة إخوان بن كيران بالقصر الملكي في إطار مقولة الملك الحسن الثاني حينما قال عنهم: «إنهم رعايا مغاربة… مسلمون كغيرهم يحترمون الشريعة الإسلامية والقانون، وما دام الأمر كذلك فأنا لا أسمح لنفسي بإصدار حكم عليهم، لكن اسمحوا لي أن أقول لكم، إنهم ليسوا متطرفين دينيين بالمعنى الذي يوجد في القواميس السياسية الحالية». وقد مثلت هذه المقولة ركيزة أساسية للحكم في المملكة الغربية التي تبنت استراتيجيات الاحتواء بدلا من الصدام مع التيار الإسلامي خلال الثلاثة عقود الماضية وعملت على توظيفها خشية تكرار النموذج الجزائري والتونسي في التسعينيات.

يُتهم العداليون بأنهم يقدمون الولاء للملك ثم يقود بن كيران المعارضة ضد الملك في تجمعات الحزب.

وقد ظل هذا المبدأ حاكما للسياسة المغربية تجاه الحركة الإسلامية بالرغم من الدعوات التي انهالت على النظام لحل حزب العدالة والتنمية في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء 2003؛ إلا أن الملك محمد السادس رفض ذلك، وعمل إخوان بن كيران على كسب رضا القصر، ومنذ تولي عبد الإله بن كيران رئاسة الحكومة المغربية عمل على كسب ثقة الملك مهما كانت النتائج، وهو ما جعله يؤكد على أن العداليين يعطون لموضوع العلاقة بالمؤسسة الملكية معنى منطلقًا من مرجعية الحزب القائمة على التعاون مع المؤسسة الملكية.لكن لا يبدو لمثل هذه العلاقة التي تأخذ منحنى أكثر دراماتيكية الاستمرار، فسقطات لسان رئيس الحكومة المغربية عبدالإله بن كيران والتي جعلته يتحدث عن أن المملكة المغربية بها دولتان؛ حكومة دستورية علنية يقودها هو وحزبه، وأخرى سرية تتخذ القرارات دون أن يعرف الناس، وهو ما أثار غضب القصر الملكي. كما يُتهم العداليون بأنهم يقدمون الولاء للملك ثم يقود بن كيران المعارضة ضد الملك في تجمعات الحزب. وخلال الفترة الماضية أصدر بن كيران عددًا من التصريحات النارية لاعتقاده بوجود دعم من المحيط الملكي لحزب الأصالة والمعاصرة.صراع العداليون مع القصر بدأ يخرج من خفيته إلى علنيته، وهو ما يبرز فقدان الثقة بعد أكثر من خمس سنوات لقيادة العداليون الحكومة في المغرب، وهو ما ينبأ بتكرار سيناريو انقلاب القصر على اليسار المعارض الذي احتواه القصر ثم همشه وأفقده الرأي العام. ويمثل العداليون بالنسبة للقصر الملكي منافسا لا بأس به في المرجعية الدينية، كما أن تنامي شعبية الإسلاميون في الشارع قد تهدد استقرار الملكية المغربية، وهو ما عبر عنه الملك محمد السادس في 2005 حينما قال لسيناتور أمريكي: «لا بد لي أن أقول لك شيئا مهما. عندما نتحدث عن الإسلاميين، سواء المعتدلين أو المتطرفين، فإنهم جميعا مناهضون للولايات المتحدة». وهو ما يعني أن احتمالية تحجيم القصر للعداليون في الانتخابات القادمة واقعة.


حرب مستعرة مع الأصالة

خمس سنوات أخرى من حكم العدالة والتنمية ستعني الانهيار التام والسقوط الكامل.
إلياس العماري، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة المغربي

بالرغم من حداثته، نجح حزب الأصالة والمعاصرة منذ تأسيسه في 2008 في أن يكون الحزب المعارض الأول للحكومة المغربية الإسلامية التي تشكلت في أعقاب الربيع العربي. وينتهج الأصالة والمعاصرة منهجا وفكرا مغايرا لفكر العدالة والتنمية، فهو امتداد لحركة «حركة لكل الديمقراطيين» والتي قامت على يد نخبة من الحداثيين والليبراليين واليساريين الذين شكَّلوا بنية الحزب الوليد، حيث اندمج في الحزب، خمسة أحزاب أخرى: حزب العهد، البيئة والتنمية، رابطة الحريات، حزب مبادرة المواطنة والتنمية، والحزب الوطني الديمقراطي.

ويؤسس الأصالة مرجعيته على القيم التقليدية للدولة المغربية، ومكوناتها: الدين الإسلامي، الملكية الدستورية، الديمقراطية الاجتماعية، والوحدة الترابية، مع الانفتاح على القيم المعاصرة والحداثية الضامنة لحقوق الإنسان والحريات. ومنذ نشأته يناهض الأصالة الأحزاب الإسلامية وهو ما جعله الأكثر معارضة لحكومة بن كيران. يُذكر أن الحزب قد حصد المركز الأول في الانتخابات البلدية 2009، ولكنه تراجع مع ظهور حركة 20 فبراير/شباط ووصول الإسلاميون للسلطة، حيث حصد في الانتخابات التشريعية على المركز الرابع، ثم بدأ يستعيد قوته من جديد في 2012 بتولي مصطفى الباكوري أمانته.

تبقى علاقة حزب الأصالة بالقصر الملكي علاقة وطيدة؛ حيث أن مؤسس الأصالة فؤاد عالي الهمة، والذي يُعرف بعلاقته الشخصية بالملك محمد السادس، وهو مستشار له، الأمر الذي جعل المحللين يرجحون محاولة القصر الملكي تحجيم الإسلاميون عن طريق الأصالة والمعاصرة. كما تشير المؤشرات الأولية إلى صعود حزب الأصالة شعبيا في ظل تراجع شعبية العدالة والتنمية، وهو ما يقلل فرص العداليون في الحصول على الأغلبية البرلمانية.


صراع سلفي إخواني في الأفق

الاعتقالات تبقى دورية تنفذها السلطات الأمنية في حق التيار السلفي مرة كل ستة أشهر، والغرض من وراء ذلك هو تحيين المعطيات حول التيار السلفي.

عبدالرحيم الغزالي، المتحدث باسم اللجنة المشتركة للدفاع عن المعتقلين الإسلاميين

السلفية المغربية تنقسم إلى ثلاثة تيارات، هي: السلفية التقليدية، والتي تتخذ من الشكل المؤسسي إطارا لها من خلال جمعية «الدعوة إلى القرآن والسنة بمراكش». والسلفية الإصلاحية، وهي تضم عددا من الرموز المستقلة، ويقبل هذا التيار المشاركة السياسية والانفتاح على الديمقراطية، فيقول محمد الفيرازي أحد قادة التيار السلفي المغربي، أن هناك «حاجة ملحّة لتأسيس حزب سياسي ذي مرجعية إسلامية»، وقال إنه «يجب أن يعلم من لا يعلم، أننا نحن المصنّفين في زمرة السلفيين، على رغم أنوفنا، من أحرص الناس على الاشتغال بالسياسة، لا، بل نحن سياسيون حتى النخاع». وقد انضم عدد من القيادات السلفية إلى حزب النهضة والفضيلة المغربي.

أما التيار الثالث فتمثل في السلفية الجهادية التي قبع قياداتها داخل السجون المغربية في أعقاب تفجيرات الدار البيضاء في 2003 بعد صدور قانون الإرهاب. ولكن مع اندلاع ثورات الربيع العربي وحركة 20 فبراير/شباط المغربية، وتوجه القصر الملكي إلى تبني استراتيجية احتواء التيار الإسلامي بدلا من الصدام معه، تعهدت الحكومة المغربية بفتح حوار لإدماج السلفيين في المجتمع المغربي، بالإضافة إلى الإفراج عن المعتقلين السلفيين على دُفُعات، وهو ما حدث جزئيا وتدريجيا.

ومع صعود العداليون للحكم تعهد مصطفى الرميد، وزير العدل المغربي، بفتح حوار مجتمعي لحل ملف المعتقلين، فيما تأسست هيئة من الحقوقيين لإدماج السلفيين وإجراء مراجعات فكرية. ولكن مع تصاعد حركة الجهاد العالمي وسفر كثير من أبناء التيار السلفي إلى سوريا للقتال في صفوف داعش، وفي إطار سياسة الدولة الاستباقية لمواجهة الإرهاب عمدت الحكومة إلى مزيد من الاعتقالات في صفوف التيار السلفي، وهو ما يعتبره التيار السلفي نكثًا من الإخوان بعهدهم.

تجدد صراع السلفية مع الحكومة، واتهامها لحكومة بن كيران بأنها أكثر اضطهادا للإسلاميين. ومع وجود تيار يقبل بقواعد العمل السياسي داخل أروقة العمل الحزبي، ومع بدء تراجع شعبية حزب بن كيران، بالإضافة إلى معاناته من أزمات أخرى، يدفع هذا إلى فقدان العداليون كتلًا تصويتية لا بأس بها في الانتخابات المقبلة.


هجرة جماعية وأجنحة متناحرة

آفة الأحزاب هي الانشقاقات الكبرى التي تضرب صفوفها، إما لاختلاف أيديولوجي أو فكري بين رموزها، وعدم التوافق على منهجية العمل السياسي، أو نتيجة لصراعات على المناصب الداخلية للحزب، خاصة في ظل صراعات حزبية تغذيها الساحة السياسية والأيديولوجية، وغالبا ما تثار تلك الانشقاقات مع الموسم الانتخابي.

يعاني حزب العداليون مع اقتراب الانتخابات المقبلة من أزمات داخلية محدودة، منها ما أعلن عنه غريم العدالة والتنمية، حزب الأصالة والمعاصرة، من خروج بعض قيادات العدالة والتنمية لينضموا إلى صفوفه. حسب المنشقين، فإن دوافع الهجرة الجماعية من حزبهم القديم إنما راجع إلى النزيف الداخلي والإقصاءات الداخلية وسيطرة المصالح وتغير الخط السياسي للحزب والمؤامرات الداخلية، وكذلك لتفرد بن كيران في تسيير أموره واتخاذ القرار الداخلي.

يتوازى مع الهجرة الجماعية من الحزب إلى غريمه، ظهور بوادر انشقاقات داخلية وتكوين أجنحة داخلية. فهناك الصراع الدائر حول زعامة الحزب مع اقتراب انتهاء ولاية بن كيران، فأصبح هناك تياران، أحدهما يقوده بن كيران، والآخر يقوده عبدالعزيز الرباح وزير النقل في حكومة بن كيران. الانشقاقات والانقسامات ربما لا تمثل ضررا كبيرا على الأحزاب الإسلامية، فبالرغم من الانشقاقات في جماعة الإخوان في مصر وفي إخوان السودان إلا أنها كانت ذا تأثير محدود على مستقبل تلك الأحزاب والجماعات.


اليسار حليفًا لدودًا

آفة الأحزاب هي الانشقاقات الكبرى، وغالبا ما تثار تلك الانشقاقات مع الموسم الانتخابي.

وعليه، يُطرح التساؤل عن دور للأحزاب اليسارية في إنجاح التجربة الإسلامية في المغرب، يقاس بالدور الذي لعبته تلك الأحزاب في صمود حكومة بن كيران، وفي تصدر العدالة والتنمية للانتخابات البلدية في 2015. وهو دور يتحدد أيضًا وفقًا لموقف تلك القوى اليسارية من حزب الأصالة والمعاصرة.

فعلى الرغم من الإرث التاريخي للصراع اليساري الإسلامي، مثلت التجربة المغربية في حركة 20 فبراير/شباط 2011 نموذجًا مغايرًا لهذا الإرث، فقد شكل اليساريون من «فيدرالية اليسار والنهج الديمقراطي» والإسلاميون من العدالة والتنمية وجماعة العدل والإحسان، بنية الحركة، وهو ما دفع إلى توحيد الجهد وإنجاح أهداف الحركة. ولم يقتصر تحالف التيارين ذوي التوجهات الأيديولوجية المتباينة على ذلك فقط، ولكن شارك حزب التقدم والاشتراكية وحزبان شيوعيان آخران في حكومة بن كيران، واستكمالا لهذا التحالف، نسق العداليون مع التقدم والاشتراكية في الانتخابات البلدية في 2015.

وبالرغم من التحالف الرجولي، كما يسميه بن كيران، بين حزبه وحزب التقدم والاشتراكية، إلا أن مسار تحالفات الإسلاميين مع اليسار ليس على قدر المستوى. فأحزاب فيدرالية اليسار الثلاث ترفض التحالف مع ما أسمته بالأحزاب الإدارية والدينية، ومنها العدالة والتنمية. وبالرغم من محاولات بن كيران التغزل بفيدرالية اليسار وإبداء إعجابه به؛ إلا أن الحديث عن تحالف مستقبلي بينهما سيكون صعبا.

ثالث القوى الإشتراكية هو حزب الاتحاد الاشتراكي، وهو أكبر الأحزاب اليسارية المغربية، يتكون من جناحين: الأول بقيادة إدريس لشكر، الأمين العام للحزب، والآخر يقوده أنصار الراحل أحمد الزايدي؛ وكلا الجناحين اختلفا حول موقفهم من دعم العدالة والتنمية أم الأصالة والمعاصرة. فجناح الأمين العام يميل إلى التحالف مع الأصالة والمعاصرة، وهو الجناح الأقوى، والآخر يميل إلى التحالف مع العدالة والتنمية.

المراجع
  1. أربع محطات تحكي لك كيف حكم الإسلاميون المغرب
  2. قبيل الانتخابات.. احتدام الصراع بين الإخوان والسلفيين في المغرب
  3. ملف المعتقلين السلفيين في المغرب عالق أمام موجة الإيقافات
  4. إخوان المغرب من اليمين الديني إلى اليسار الاجتماعي
  5. "العدالة والتنمية" المغربي.. رضى القصر قبل ثقة الشعب
  6. حزب الأصالة والمعاصرة: نخب مقربة من البلاط تتصدى للإسلاميين
  7. انتخابات المغرب التشريعية: إحتمالان لا ثالث لهما