في السنوات الأخيرة أصبحت الدراما أحد أعمدة الفن الترفيهي الأساسية، ولم تعد مقتصرة على فئة بعينها من المشاهدين، خاصة مع انفتاح العالم ووجود الإنترنت الذي مكن الجميع من مشاهدة الدراما التي ينتجها العالم كله على اختلاف اللغات وإمكانيات الإنتاج والأفكار.

ضمن التنوع الدرامي العالمي للمسلسلات مكانة متميزة في جدول الأيام لكل البشر تقريبًا، ولا زالت ربات البيوت المصريات يهتممن اهتمامًا شديدًا بالمسلسلات اليومية اللاتي يتابعنها، فهي في الغالب ساعات المتعة الوحيدة التي تحصل عليها المرأة ضمن جدولها اليومي المشحون بالمهام، وذوق ربات البيوت بالطبع يختلف عن أذواق باقي فئات المشاهدين.

في أمريكا في الثلاثينيات، كانت الانطلاقة الأولى للمسلسلات الدرامية، وكانت تسمى وقتها بمصطلح «أوبرا الصابون – Soap Opera»، إذ إن شركات الصابون والمنظفات كانت من أوائل الرعاة والمعلنين لهذه المسلسلات الدرامية، وكانت تسمى بالأوبرا نظرًا لطبيعتها الميلودرامية التي تنجح في استقطاب النساء لمشاهدتها، وقد بدأت المسلسلات بإذاعة حلقة واحدة في الأسبوع، ثم في نهاية الأربعينيات انطلق أول مسلسل يومي، وأصبحت المسلسلات الدرامية أو أوبرات الصابون أحد أهم إنتاجات التليفزيون الأمريكي في الخمسينيات.

ومع أننا نبعد كثيرًا جدًا عن الخمسينيات، وبالطبع عن الولايات المتحدة الأمريكية، ورغم أن المسلسلات لم تعد مقتصرة على الفترات الصباحية أو على جمهور ربات البيوت من النساء، إلا أن أحد أهم طقوس البيت المصري لا زال يتمثل في المسلسل الذي تشاهده الأم في موعده على شاشة التليفزيون. ورغم انتشار الإنترنت وإمكانية مشاهدة كل شيء عبره إلا أن مسلسلات التليفزيون لا زالت تحتل قدسية خاصة، والدليل على ذلك أن القنوات الفضائية المختصة بالمسلسلات والدراما تتزايد باضطراد.


تيمة المسلسلات الاجتماعية

ارتبط البيت المصري بمسلسلات ذات التيمة الاجتماعية التي تصور بيوتًا وحواري وبشرًا يشبهون من يطلون عليهم من الناحية الأخرى من الشاشة. وانتعشت في الثمانينيات المسلسلات الدرامية التي تحكي عن العائلات والقصص المتشابكة للعلاقات الإنسانية، فحققت هذه المسلسلات نجاحًا ساحقًا لا زال مستمرًا إلى الآن عندما يعاد عرضها على القنوات الفضائية. فمسلسلات مثل «ليالي الحلمية»، و«الشهد والدموع»، و«الراية البيضا»، و«ذئاب الجبل»، ثم «زيزينيا»، و«لن أعيش في جلباب أبي»، كلها مسلسلات اجتماعية تجذب ربات البيوت للتلصص على حيوات آخرين ربما يشبهونهن قليلاً، وربما تجعلهن يشاهدن ما كان من الممكن أن تكون عليه حيواتهن.

تطورت التيمات الاجتماعية في أواخر التسعينيات وبدايات الألفينات، ليكتسح مسلسل «عائلة الحاج متولي» الشاشة، وترتبط بمشاهدته النساء على وجه الخصوص، وقد فتح هذا المسلسل الباب لتغيير ملحوظ في نوعية الدراما الاجتماعية التي تقدم على الشاشة، فأصبحت مناقشة الأمور التي يخجل المجتمع من مناقشتها أمرًا واقعًا، ولم يعد خط السرد الدرامي مقتصرًا على حيوات عادية تشبه حياتنا جميعًا، ولكنه أصبح أكثر جرأة وانفتاحًا ولكن مع الحفاظ على روح المسلسل الاجتماعي الذي يجذب المرأة، التي لا تهتم كثيرًا بمسلسلات الغموض والإثارة والتشويق، ولا الدراما الشبابية التي تحكي أحداثًا بعيدة عن حياة ربة المنزل. فحققت مسلسلات مثل «امرأة من زمن الحب»، و«وجه القمر» نجاحًا باهرًا وقت عرضهما بالطبع لأن سميرة أحمد وفاتن حمامة ممثلتان قديرتان محبوبتان، وأيضًا لأن تلك المسلسلات كانت نوعية التسلية المفضلة للمرأة المصرية في الأغلب.


من يقدم هذه الدراما؟

في موسم الدراما الرمضانية على مدار السنوات الأخيرة، تضمن ربات البيوت عددًا من المسلسلات التي سوف تهتم بها، فمثلاً مسلسلات نيللي كريم بدءًا من «حكاية بنت اسمها ذات»، وحتى مسلسلها قبل الأخير «لأعلى سعر» والذي تستخدم فيه تيمة المرأة المقهورة التي تنسحق تحت وطأة الحياة وتقدم نموذجًا مصريًا خالصًا من المآسي والمشكلات التي تواجهها النساء يوميًا، هي من مفضلات المرأة المصرية. وعندما حادت نيللى كريم عن هذا الخط وقدمت مسلسل «اختفاء» الذي كان يدور في إطار تشويق وجريمة، لم تهتم به النساء كسابقيه.

اقرأ أيضًا:«أبو العروسة»: كليشيهات الطبقة الوسطى تعود من جديد

أيضًا «غادة عبد الرازق» من الأسماء المهمة التي تقدم لربات البيوت ساعات من المتعة، بدءًا من مسلسلها الذي حقق نجاحًا ساحقًا «زهرة وأزواجها الخمسة»، وحتى «حكاية مرة» هذا العام. تيمة المرأة البطلة التي تقود الأحداث ويلتف حولها الجميع والتي تتخطى جميع الصعاب وتذلل كل العقبات في إطار درامي تراجيدي محبب للنساء جدًا، فهي تمنحهن الحياة التي يتمنين لو عشنها.

سوسن بدر أيضًا من الأسماء المهمة في تقديم هذا النوع من الدراما، خاصة بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل «أبو العروسة» بجزأيه، وأصبح أيقونة الأسرة المصرية، وفتح الباب لتيمة الطبقة المتوسطة التي تعيش في استقرار ورخاء، تيمة تداعب خيال ورغبات هذه الطبقة التي طحنها الغلاء ويبحثون عن وسيلة واحدة للشعور أنهم لا زالوا في أمان، فكان هذا المسلسل مع مسلسل «سابع جار» نافذة على عالم تتمنى ربة البيت المصرية لو أنها ظلت جزءًا منه ولم تتدنّ في السلم الاجتماعي.