صيف 2009، حيث كل شيء مستقر، خروجات السينما التي كانت لا تعرض سوى الأفلام المصرية، وبالكاد عدد قليل من الأفلام الأمريكية، والمصايف حيث كانت الإسكندرية محتفظة بنفسها كقبلة للطبقة المتوسطة. لم يكن الساحل الشمالي والغردقة قد احتلا بعد المشهد، أما شرم الشيخ فهي للأجانب وبعض أهل الحظوة من المصريين أصحاب التأشيرات الأمنية.

أربعة أفلام تجاوزت إيراداتها 25 مليونًا، وهي «عمر وسلمى»، و«ألف مبروك»، و«إبراهيم الأبيض»، و«دكان شحاتة». كان متوسط إيرادات لأفلام الموسم 14 مليونًا. كانت السينما محتفظة بزعيمها «عادل أمام»، ففي ذلك العام بدأ مؤشره في الهبوط قبل اتجاهه بعد بضعة أعوام للشاشة الصغيرة، حيث حقق إيرادات 14 مليونًا فقط عن فيلم «بوبس» وهو الرقم المتوسط للموسم.

يجب عدم نسيان نسبة التضخم في السوق السينمائي. فسعر التذكرة الأغلى في ذلك الوقت كان 30 جنيهًا. وبعض السينمات كانت تذكرتها لا تتجاوز الجنيهات العشرة؛ وهناك ربح آخر ينتظر هذه الأفلام خلال العرض الحصري على قناة Art أفلام أو روتانا سينما. كانت هذه الأفلام تحقق نسب مشاهدة عالية حتى ما لم يحظَ منها بنصيب جيد في قاعات السينما.

بعد عامين فقط، قامت الثورة وانهار الإنتاج السينمائي مثل كثير من الصناعات الأخرى. وزاد الطين بلة وأكثر دخول شهر رمضان في وسط الصيف ليضيع نهاية الموسم الصيفي، وهو الموسم الأكبر والأكثر استقرارًا، ليندمج مع موسم عيد الفطر. أما موسم إجازة نصف العام فتلاشى تمامًا مثل الصيف، بل أصبح لعنة على الأفلام المعروضه فيه، بسبب الأحداث السياسية التي ترتبط بذكرى ثورة يناير وما يتبعها من عدم الاستقرار الأمني، وبالتالي ضعف الإقبال على السينما. وازداد إقبال الفنانين والمخرجين والمنتجين على المسلسلات لتسيطر على كل شيء.

ما الذي تغير في السنوات القليلة الماضية؟ وكيف بدأت السينما تدريجيًا في استعادة عافيتها؟


عودة السينما

عاد مؤشر الإنتاج السينمائي إلى الارتفاع تدريجيًا. الجمهور عاد لإقباله على وسائل الترفيه مرة أخرى مع الانصراف عن السياسة كما كان الحال قبل ثورة 25 يناير. انخفضت تكاليف الأفلام عن المسلسلات، خصوصًا بعد تعاظم أجور الممثلين في المسلسلات الرمضانية (متوسط أجور فناني الصف الأول في المسلسلات يتجاوز الـ 20 مليونًا، ومتوسط تكلفة مسلسلات الموسم ككل قد يتجاوز العشرين مليون جنيه، وفترة تصوير المسلسل الواحد تتجاوز ثلاثة شهور). وأخيرًا، برز العديد من النجوم الشباب والمخرجين والمؤلفين الجدد فزادت إمكانية صناعة أفلام بتكلفة منخفضة جدًا.

لا ينبغي أن ننسى أيضًا أن الأفلام الأمريكية أصبحت تحقق أرباحًا عالية داخل مصر، خصوصًا عروض المساء، وتمتلئ القاعات تمامًا في أيام العطلات. هذا مؤشر للمنتجين أن دور العرض أصبحت جاذبة للشباب مرة أخرى. وبالتالي من الضروري زيادة المعروض السينمائي المصري لعدم ترك الساحة تمامًا للأفلام الأجنبية.

اقرأ أيضًا:السينما المصرية: بأي أفلام بدأت يا 2018؟

قد يبدو هذا التعليل الأخير غريبًا؛ ولكن الأقبال على دور العرض يعني أن جميع الأفلام ستحقق أرباحًا أفضل بطريقة أو أخرى. أصحاب دور العرض والموزعون هم أصحاب/شركاء في شركات الإنتاج والتوزيع، وبالتالي الإقبال على الأفلام الأجنبية يعطيهم زيادة في فائض الربح وقدرة أكثر على التجريب والمخاطرة. فصناعة فيلم مصري من شباب الفنانين ربما يكون أقل تكلفة من حقوق عرض بعض الأفلام الأمريكية؛ مع قدرة أكبر على إعادة الربح منه حتى إن خسر أثناء عرضه، وذلك من خلال إعادة بيعه للقنوات التلفزيونية.

هكذا تحسن وضع السينما المصرية من حيث الصناعة هذا العام، وسيبقى الموسم الصيفي وعيد الأضحى لأفلام نجوم الصف الأول، بينما يمكن التجريب والمخاطرة في موسم شم النسيم ونصف العام بأفلام النجوم الصاعدين والأفلام منخفضة ومتوسطة التكلفة.


الصيف للكبار

جميع السيناريوهات تصب لصالح المنتجين. فقد عاد الموسم الصيفي مرة أخرى ومعه موسم عيد الفطر. وفترة شهر رمضان الفاترة بالنسبة لمنتجي الأفلام، والتي تغلق فيها دور العرض أبوابها، ستكون في توقيت امتحانات الثانوية العامة. سيعود موسم الصيف لنجوم الصف الأول، وسيشهد أفلامًا مثل «كارما» لـ«خالد يوسف» بعد عودته للإخراج مرة أخرى، ومن بطولة «عمرو سعد»، و«غادة عبد الرازق»، وفيلم «حرب كرموز» للنجم «أمير كرارة» الذي يراهن عليه «السبكي» بقوة، حيث أقر له ميزانية مفتوحة، وكذلك فيلم «الديزل» لـ«محمد رمضان» و«فتحي عبد الوهاب» وإخراج «كريم السبكي»، والذي يتمسك فيه رمضان بصيغة الشاب الفقير الذي يواجه الحيتان مع الكثير من مشاهد الأكشن.

هذه الأفلام التي ينتمي أغلبها لفئة الأكشن من المتوقع أن تشهد إيرادات عالية؛ فقد أثبتت أفلام الأكشن قدرتها على جذب الجمهور كما حدث مع «هروب اضطراري» الذي حقق إيرادات بلغت 55 مليون جنيه، وفيلم «الخلية» الذي حقق 56 مليونًا، وهو إيراد قد يكون الأعلى رقميًا لفيلم مصري بعيدًا عن حساب نسبة التضخم. ولذلك من المتوقع أن يحقق فيلما «حرب كرموز» و«الديزل» إيرادات عالية، ربما تتجاوز أرقام العام الماضي؛ بل ربما يحقق أحدهما المفاجأة ويتجاوز مائة مليون جنيه.


مواسم الشباب

مع عودة الموسم الصيفي للصدارة يبقى موسما شم النسيم وإجازة نصف العام للشباب ونجوم الصف الثاني. ففي موسم إجازة نصف العام الحالي، حققت أفلام المراكز الثلاثة الأولى (طلق صناعي – رغدة متوحشة – عقدة الخواجة)إجمالي إيرادات 42 مليونًا؛ وهو رقم ضخم مقارنة بأرقام العام الماضي الذي حققت فيه الأفلام الثلاثة الأولى (مولانا – القرد بيتكلم – آخر ديك في العش) إجمالي إيرادات يقارب 34 مليون جنيه مصري.

أما موسم شم النسيم فيغلب عليه طابع الأفلام الكوميدية محدودة التكاليف. ومع عودة الموسم الصيفي لأفضل أحواله والأرقام الجيدة لموسم إجازة نصف العام، فلن يخاطر المنتجون بأفلام لنجوم الصف الأول أو أفلام ذات ميزانية متوسطة أو مرتفعة في هذا الموسم الذي لا يستمر طويلًا بسبب دخول الامتحانات وشهر رمضان.

فيلم «علي بابا» للنجم «كريم فهمي» هو أهم أفلام هذا الموسم،وتشير التقارير إلى تربعه على عرش شباك التذاكر ولكن بإيرادات لن تتجاوز الملايين الخمسة. ويعود «هاني رمزي» مرة أخرى بفيلم «قسطي بيوجعني». بينما يظهر «بيومي فؤاد» في بطولة فيلم «نورت مصر». أما شباب مسرح مصر فيشاركون في فيلم «نصف جوازة».

إذن موسم شم النسيم أصبح الخاسر الأكبر؛ ومع ذلك فهو جزء من الصورة الكاملة، وهي عودة السينما المصرية مرة أخرى بمواسم منتظمة، وبوجود كبار النجوم والفنانين وجميع أنواع الفئات من كوميدي وأكشن ودراما، وعودة الثقة للمنتجين بضخ ميزانيات مرتفعة ومتوسطة ومنخفضة في مواسم مختلفة، وهذا جزء لا يتجزأ من مشهد زيادة الثقافة السينمائية لدى الشباب المصري، فأغلب الأحداث السينمائية الكبرى (التي لا تنظمها الدولة) شهدت نجاحًا وإقبالًا كثيفًا.

اقرأ أيضًا:ثوار السينما: 17 ألف مشاهدة للبانوراما الأوروبية

عادت الثقة للمنتجين في إنتاج أفلام مصرية. وشاركهم الموزعون في شراء حقوق عرض الأفلام الأمريكية. أما السينمات وشركات التوزيع المستقلة مثل شركة «أفلام مصر العالمية»، و«سينما زاوية»، و«سينما الزمالك» فقد حققت إنجازًا غير مسبوق في بانوراما السينما الأوروبية العام الماضي.