بعد سيطرة حماس على غزة عام 2007، لم تعد الساحة السياسية الفلسطينية مادة ثرية للتحليل السياسي على مستوى المتغيرات الجديدة، فلم يعد هناك تحولات جذرية، أو توقعات هائلة في أيٍ من ملفات السلطة.

وكذلك كان الحال مع بداية عام 2016، فلم يكن هناك توقعات بحدوث أي تحولات على هذه الساحة الراكدة، وإن ظل هناك متفائلين يتحدثون عن تغير محتمل في بنية السلطة، لربما كان يشهده عام 2016. فهل لبّت 2016 هذه التوقعات؟


1. عام التقشف

واجهت السلطة الفلسطينية العديد من الأزمات، خاصة في ظل حكم أبو مازن، وكان إحدى أصعب تلك الأزمات التي مرت على الشعب الفلسطيني، ذلك العام، هي الأزمة المالية الخانقة، التي تفاقمت هذا العام؛ بسبب السياسات الخاطئة التي يتبعها رئيس السلطة الحالي، مما أدى إلى زيادة الأعباء على كاهل الفلسطيني، الذي يعيش أوضاعًا متأزمة عانى منها على مدار السنوات الخالية وحتى الآن.

حسب مراقبين فإن الوضع السياسي الضعيف للسلطة الفلسطينية على المستويين الداخلي والخارجي، وعلاقات الرئيس عباس المتوترة ببعض الدول العربية، أثرا سلبًا على الدعم السياسي والمالي للسلطة.

حيث بلغ إجمالي ما تلقته السلطة من مساعدات دولية منذ بداية العام الجاري لم يتجاوز 300 مليون دولار، واعتمدت بشكل رئيسي على الضرائب والرسوم والمقاصة لتدفع بالكاد رواتب موظفيها.

وتشير البيانات إلى أنه منذ توقف المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية عام 2014، شهدت المساعدات المالية الدولية للسلطة الفلسطينية انخفاضًا حادًا، حيث تقلصت من 1.087 مليار دولار عام 2013، إلى 705 ملايين دولار في العام الذي تلاه، ثم توالى انخفاض المساعدات ليصل إلى 450 مليون دولار في العام الماضي 2015، ثم وصلت في العام الجاري إلى 300 مليون دولار.

وما سبق، دفع عجز الموازنة الفلسطينية ليتجاوز حاجز الـ 50%، فما وصل من الدول المانحة من مساعدات المالية لا يتعدى 20% من الاستحقاقات المفروض سدادها للسلطة.

كما توقفت المملكة العربية السعودية بالفعل عن تقديم دعمها المالي للسلطة منذ مارس/آذار 2016، والمُقدَر بـ 20 مليون دولار شهريًا.

ومن المؤكد أن استمرار هذه الأزمة في عام 2017، ربما يُهدد مستقبل استمرار ووجود السلطة الفلسطينية.


2. الانتخابات المحلية

في خطوة لم تكن مُتوقعة، أعلنت السلطة الفلسطينية ودون اتفاقٍ مُسبق مع حركة حماس عن عزمها إجراء الانتخابات المحلية، وحددت الثامن من أكتوبر/تشرين الثاني 2016، موعدًا لتنفيذها. إلا أن قرار محكمة العدل العليا في رام الله بإيقاف مؤقت للانتخابات، جاء ليبعثر المشهد من جديد.

ويذكر أن آخر انتخابات محلية تم إجراؤها في الضفة الغربية كانت عام 2012، بمعزل عن قطاع غزة، الذي خاض آخر انتخابات عام 2005.

ورغم أن قرار الإلغاء جاء مغلفًا بالقانون، إلا أن معظم الفصائل الفلسطينية وبعض المراقبين رأوا أن هذا القرار مسيس لصالح عدة اتجاهات لا تنظر إلا لمصلحتها في هذا الصدد.

فحسب مراقبين، فأنه مع تأكُّد مشاركة حماس، في الانتخابات وبشكل خاص وعلى نطاق واسع وغير مباشر في الضفة الغربية، من خلال دعم قوائم مستقلة، ومع بدء تشكّل الخريطة الانتخابية، ورفض قوى اليسار الفلسطيني الدخول مع فتح في قوائم موحدة، وظهور نزاعات وحالات تنافس داخلي بين أعضاء حركة فتح، ودخول دحلان ومؤيديه في تشكيل القوائم الفتحاوية وبناء التحالفات، أصبح هناك أصوات من داخل قيادة فتح، ومن دول عربية فاعلة في الشأن الفلسطيني الداخلي، تدعو لتأجيل الانتخابات.

خاصةً وأن استطلاعات الرأي أخذت ترجح فوز القوائم التي تؤيدها حماس في المدن الرئيسية، وبأعداد كبيرة من الأصوات، فقد خشي عباس والسلطة الفلسطينية من الهزيمة، وهذا ما أكده أحد المسئولين في السلطة الفلسطينية في رام الله، أن حركة فتح لن تذهب للانتخابات في حال أن المؤشرات تؤكد أنها ستخسر، وقال “نحن لا نريد أن ننتحر».


3. فتح: فريسة الرَجلين

تعمقت الهُوة بين رئيس السلطة الفلسطينية وقائد حركة فتح محمود عباس أبو مازن، والقيادي المفصول من الحركة محمد دحلان، بشكل لم يسبق له مثيل، في هذا العام، وقد دخلت عدة عوامل، داخلية وخارجية، على الصراع الذي لم يدخر فيه الطرفان أي جهد بهدف السيطرة على حركة فتح التي هي البوابة الرئيسية للسلطة الفلسطينية.

فدحلان دخل حلبة الصراع، وهو يملك بيئة إقليمية داعمة له، وتيارًا داخل الحركة موالٍ له ويدعمه بقوة. ومن جانبه اتبع عباس سياسة إقصاء متعمدة للتيار المحسوب على عدوه اللدود.

ومن نافلة القول أن الصراع بين عباس ودحلان صراع على مواقع النفوذ وليس على حقوق الفلسطينيين، أو لتعزيز مشروع الصمود الفلسطيني أمام الاحتلال، وبلا شك فإن هذا الصراع سيلحق أضرارًا بالغة بحركة فتح وبيئتها التنظيمية، مما سيعمق الأزمة داخل فتح بجوانبها التنظيمية والسياسية.

ففي حين يُحمِّل أنصار عباس مسئولية ما جرى لدحلان، فإن أنصار دحلان يرون أن انحدار شعبية فتح وتراجع قوتها إلى هذا المستوى جاء في عهد عباس. وبالتالي فإن الصراع بين عباس ودحلان يُبرز أزمة ترهل البنية المؤسسية والتنظيمية، وأزمة تحديد المسارات الإستراتيجية، بسبب فشل التسوية وعدم قدرة فتح على الرجوع لخيار المقاومة، وضعف أداء السلطة واستمرار المشاكل الاقتصادية، وضعف أداء الجهاز الحكومي.


4. مشعل خارج الرئاسة

شهدت الساحة الفلسطينية حدثًا آخر بارزًا، وبالطبع سيؤثر على مجريات الأمور داخل الأراضي الفلسطينية، وهو الانتخابات الداخلية لحركة حماس، فقد أعلن رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل في سبتمبر/أيلول أنه من العام القادم 2017 ستُجرى انتخابات داخلية في حركة حماس، وسيُنتخَب رئيس جديد للمكتب السياسي للحركة.

وسيغيب وجه مشعل هذه المرة كأحد المنافسين في سباق رئاسة الحركة، فقد صارت اللوائح الداخلية لحركة حماس تُحتّم على من يقود الحركة أن يتولى المنصب لفترتين متتاليتين، وتكون مدة الفترة الواحدة 4 سنوات، ومشعل يتولى هذا المنصب منذ عام 1996 وحتى الآن. فبعد أن قضى عشرين عامًا بخمس ولايات متتالية، لا يمكنه الترشح لهذا المنصب مرة أخرى حسب اللوائح الجديدة.

وقد كشف القيادي في حركة حماس أحمد يوسف عن أن الانتخابات الداخلية للحركة ستجري في الربع الأول من العام المقبل. وأضاف أن انتخابات الفروع والمناطق الحركية ستجري مطلع العام القادم، في حين تقام انتخابات المكتب السياسي في مارس/آذار أو إبريل/نيسان المقبلين.

وبتنحي مشعل عن رئاسة المكتب السياسي، لن تحدث تغيرات جوهرية في إستراتيجيات الحركي أو بنيتها الفكرية، إلا أنه ربما تطرأ تغيرات على بعض الملفات في سياستها الداخلية، وتوجهاتها الخارجية، وسيتحدد ذلك وفقًا لرؤية رئيس المكتب السياسي الجديد للحركة.


5. مؤتمر فتح السابع

انطلق المؤتمر السابع لحركة فتح في 29 نوفمبر/تشرين الثاني، واستمر خمسة أيام، لانتخاب لجنة مركزية ومجلس ثوري جديدين للحركة بحضور كافة الفصائل الفلسطينية والوفود العربية والدولية.

وقد استهل المؤتمر أعماله بإعادة انتخاب محمود عباس أبو مازن، البالغ من العمر 81 عامًا، قائدًا عامًا لحركة فتح بالتزكية، ثم أعلن تعيين ثلاثة من قادة الحركة التاريخيين، وهم فاروق القدومي وأبو ماهر غنيم وسليم الزعنون، أعضاء شرف دائمين باللجنة المركزية، كما تم خلال المؤتمر انتخاب أعضاء اللجنة المركزية لفتح ومجلسها الثوري.

وأظهرت نتائج انتخابات اللجنة المركزية خلال المؤتمر، احتفاظ 12 عضوًا سابقًا بمناصبهم ودخول ستة أعضاء جدد فقط، وثلاثة من الذين غادروا اللجنة المركزية السابقة من إجمالي سبعة أعضاء خسروا في المنافسة في الانتخابات، فيما توفي واحد، وفُصل آخر، ولم يتقدم اثنان آخران للمنافسة، وامرأة واحدة هي «دلال سلامة» فازت بعضوية اللجنة المركزية بالانتخاب.

وأشار المراقبون إلى أن عباس عقد هذا المؤتمر لـتقويض دور الشخصيات المناوئة لسياسته أو تلك المحسوبة على عدوه اللدود دحلان، أو للتخلص منها نهائيًا داخل الحركة، إضافة إلى ضمان عدم تقلدها مواقع في المجلس الثوري واللجنة المركزية، على الأقل، لفترة تمتد لأربع سنوات، وهي المدة الزمنية لانعقاد المؤتمر الثامن.

ولم يأت المؤتمر بجديد على المستوى التنظيمي. فالتغيير كان شكليًا ومحدودًا جدًا، في غياب للشباب والمرأة عن اللجنة المركزية والمجلس الثوري. ومن بقى في المركزية هم من رجال الرئيس، ومن خرج هم كذلك أيضًا.

وإجمالًا،فالحصاد السياسي لهذا المؤتمر كان متواضعًا، ليس فقط لأن البرنامج السياسي الذي قُدِم للمؤتمر لم يضف جديدًا لصالح القضية، وجرى التصديق عليه بلا مبالاة وفي سرعة قياسية. بل أيضًا لإصرار السلطة على البقاء في دائرة المفاوضات والتنسيق الأمني التي لم تجدِ نفعًا للقضية. والاكتفاء بإصدار بيانات الإدانة والشجب ضد عمليات الاستيطان والتهويد ومصادرة الأراضي وفصل القدس عن الضفة الغربية.