لم يعرف العالم العربي في سنواته الأخيرة تنظيمًا مسلحًا نجح في تطوير إمكاناته وبسط نفوذه السياسي كما في حالة «حزب الله» اللبناني. الحزب الذي نشأ بداية كميليشيا بين عشرات الميليشيات اللبنانية، نجح في تحقيق شعبية عربية شاملة عبر تاريخه في مقاومة إسرائيل والإسهام في طردها من جنوب لبنان، ثم لم يلبث أن تحول إلى الحاكم الفعلي في لبنان، ثم المندوب العربي الأقوى للنظام الإيراني.

وبين تاريخه في المقاومة وحاضره الملوث بدماء آلاف السوريين وباتهامات فساد لا تنتهي في لبنان، ربما تكون قصة الحزب هي التراجيديا الأكثر عمقًا في السياسة العربية خلال السنوات الأخيرة. لذلك، يظل استرجاع تاريخ ذلك الحزب وتناقضاته عملًا لا ينتهي وبحثًا لا يقتل في الثقافة السياسية العربية المعاصرة.

من طهران إلى بيروت

البداية كانت من طهران التي ارتأت إنشاء ميليشيا شيعية في لبنان على خلفية الغزو الإسرائيلي في عام 1982. حينها قرر الخميني إرسال قوات لمواجهة الغزو، وتباحث المسئولون الإيرانيون مع صبحي الطفيلي بصفته قياديًا بحزب الدعوة الشيعي الموالي لإيران آنذاك، وقد كان الحزب والطفيلي يتمتعان بشبكة علاقات واسعة، حول التنسيق مع هذه القوات.

كان الطفيلي في زيارة إلى طهران أثناء بدء الغزو، لكن الحرب توقفت قبل أن تصل طلائع قوات الحرس الثوري الإيراني، فتغيرت الخطة إلى التدريب العسكري للبنانيين الشيعة، وبدأت أول مجموعة في هذا البرنامج في رمضان في حزيران/يونيو 1982، واستضاف القيادي الشيعي، عباس موسوي، أكثر الجلسات الداخلية لتأسيس حزب الله، في مبنى حوزة الإمام المنتظر في البقاع شرق لبنان، وتوافد الشباب الشيعي من مناطق الجنوب وبيروت لتلقي التدريب العسكري، في وقت كانت الأوضاع منهارة في لبنان وكانت الدولة غائبة، والمقاومة الفلسطينية في وضع لا تُحسد عليه.

وكانت البداية سرية والعمل يجري في كتمان، وأوكلت المهام القيادية في البداية إلى مجلس شورى يضم أهم الشخصيات، واستمرت عمليات التدريب، وبدأت الهجمات على قوات الاحتلال من دون أن يكون لهذه المجموعات اسم معروف أو هيكل تنظيمي، وتباعًا بدأت تنمو الهياكل، وتظهر التشكيلات.

وكان يُطلق على المجموعة أسماء متعددة، فمثلاً كان أحدهم يستعمل مسمى «حركة إسلامية» أو «أمل الإسلامي»، والبعض يسميها «أمة حزب الله» تيمنًا بالآية الكريمة بعدما شاع استعمال هذا المصطلح في إيران، وأخيرًا بعد سنتين تقريبًا تم اعتماد الاسم الحالي، من دون أن يكون معروفًا من الذي اختار هذا المسمى بالتحديد.

وفي عام 1985 أعلن حزب الله عن تأسيسه الرسمي في بيان شهير عُرف باسم «الرسالة المفتوحة للمستضعفين»، وكان بمثابة الوثيقة الرسمية التي تعبر عن نهج الجماعة ومشروعها السياسي بوصفها حركة جهادية هدفها الأساس دحر الاحتلال الاسرائيلي، تتبع مشروع ولاية الفقيه في إيران.

وفي بداية المسيرة صدرت تصريحات من بعض الإيرانيين واللبنانيين في ظل التنافس والمزايدات بين الأحزاب السياسية والجماعات، تطالب بالعمل لإنشاء جمهورية إسلامية في لبنان على غرار إيران. وحينها أعلن الطفيلي في أكثر من مناسبة التبرؤ من هذه التصريحات قائلاً، إن قيام جمهورية إسلامية في فلسطين أقرب للعقل من قيامها في لبنان.

وتلقت الجماعة دعمًا كبيرًا من السفير الإيراني في دمشق، علي أكبر محتشمي بور، الذي يعد «الأب الروحي لحزب الله»، واستطاع ترسيخ أقدام الجماعة الوليدة ودعمها ماليًا بسخاء. لكن رغم التنسيق الإيراني مع دمشق من أجل دعم الحزب في لبنان، كان عناصر الحزب يمكثون شهورًا طويلة لا يستطيعون أن يسلكوا الطرق المعبدة حتى لا يتعرضوا لأذى حواجز الجيش السوري، وكانوا يتعرضون لتهديدات كثيرة من قبل أجهزة الأمن السورية التي كانت تسيطر على لبنان بشكل كبير خلال فترة الثمانينيات، وتصادم الجيش السوري بعنف مع الحزب حول مناطق النفوذ ووصلت المواجهات إلى ذروتها في عام 1987 حين قتل السوريون 22 عنصرًا من الحزب، وعرفت الحادثة لاحقًا بـ«مجزرة فتح الله».

ويروي عبد الحليم خدام، نائب الرئيس السوري، في كتابه «التحالف السوري الإيراني والمنطقة»، أن السفير الإيراني زاره لتدارك الموقف وأبلغه أن هناك غضبًا شديدًا في طهران بسبب ذلك وأن مشهد جثث عناصر حزب الله وهم مقيدون، والتفتيش المهين الذي تعرض له الشيعة والاعتداءات ألهبت مشاعر الإيرانيين بشكل يصعب السيطرة عليه، وبرر خدام الأمر بأن هذه حوادث فردية وأن حزب الله مُخترق من قِبل جهات معادية لسوريا مثل منظمة التحرير الفلسطينية، وتم الاتفاق بينهما على لملمة الأمور وعدم تركها تتدهور كي لا تؤثر على علاقات طهران بدمشق.

بمرور الوقت، تطورت الهياكل الإدارية للحزب، وتم استحداث منصب الأمين العام سنة 1989، وتولاه الطفيلي، وفي عهده اشتعلت المواجهات المسلحة بينه وبين حركة أمل بشكل كبير. وفي عام 1991، تسلم عباس الموسوي قيادة الحزب عبر انتخابات داخلية، وعاد الطفيلي إلى مجلس الشورى، وأجرى موسوي عملية مصالحة مع حركة أمل، ولكن عهده لم يطل كثيرًا فقد اغتالته القوات الإسرائيلية في 16 فبراير/شباط 1992، وتم التوافق على اختيار تلميذه حسن نصر الله ليخلفه في منصب الأمين العام.

«سلاح المقاومة»

مع انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية (1975 – 1990)، وضعت الأطراف المختلفة سلاحها طبقًا لاتفاق الطائف الذي أنهى الحرب، وبدأت تتَشكُّل المؤسسات الدستورية في لبنان، لكن الحزب لم يضع سلاحه مبررًا ذلك بدوره المقاوم للاحتلال، ودار نقاش داخلي حول جدوى المشاركة السياسية وسط تخوف من أن تؤثر سلبًا على دور الحزب الميداني وتستنزف قواه في الخلافات والتجاذبات السياسية.

وبحسب الباحث عبد الغني عماد في كراسه عن حزب الله وإشكالية السياسة والمقاومة، فقد تشكلت لجنة قيادية من الحزب لمناقشة هذه المسألة وخلصت إلى الموافقة بالأغلبية على أن المشاركة السياسية فيها مصلحة بل هي ضرورية، وتم الرجوع إلى المرشد الأعلى للثورة في إيران، علي خامنئي، فوافق، وشارك الحزب في انتخابات المجلس النيابي عام 1992، لأول مرة، وفاز بكتلة برلمانية من اثني عشر نائبًا.

وفي 25 يوليو/تموز 1993، شنَّت إسرائيل عدوانًا على لبنان استمر لسبعة أيام، وتم وقفه في مقابل التزام شفهي من حزب الله لوقف إطلاق صواريخ الكاتيوشا، فيما عرف بـ«تفاهم تموز»، وفي 11 أبريل/نيسان 1996 شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة على لبنان وبعد ستة عشر يومًا تم إبرام اتفاق كتابي هو «اتفاق نيسان» نص على تجنب استهداف المدنيين من الجانبين، وهو ما انتقده صبحي الطفيلي، الأمين العام السابق للحزب بشده، ما دفع حسن نصر الله لاحقًا إلى فصله، ما أدى إلى مصادمات مسلحة بين الطفيلي ومواليه والحزب عام 1998.

استمرت عمليات الحزب ضد القوات الإسرائيلية وجيش العملاء اللبنانيين المساند لها حتى قررت تل أبيب سحب قواتها من الجنوب اللبناني في 25 مايو/ أيار 2000، وهو ما اعتبره الحزب انتصارًا هائلاً له، رغم أنه وضعه أمام تحدٍ جديد، فالحزب يتذرع في تمسكه بسلاحه بأنه حركة مقاومة، وبعد الانسحاب الإسرائيلي لم يعد هناك مبرر لهذا السلاح طبقًا لاتفاق الطائف، لكن الحزب أعلن أنه لن يلقي السلاح بحجة تحرير مزارع شبعا (وهي منطقة صغيرة لبنانية صغيرة لم تنسحب منها إسرائيل بحجة أنها تنتمي إلى سوريا لا إلى لبنان)، رغم أن الحزب لم يتمكن حتى اليوم من الحصول على اعتراف رسمي من النظام السوري لإنهاء الجدل حول انتماء هذه المنطقة، وتعمد عدم ترسيم الحدود مع لبنان بهدف المحافظة على إبقاء الالتباس حيال هذه النقطة كي لا يُفقد سلاح حزب الله شرعيته أمام اللبنانيين. وكان الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، ذكر أنه بعد تحرير الجنوب عام 2000، جرى تغيير الخرائط في الجنوب من قبل ضباط سوريين ولبنانيين، فاحتل لبنان مزارع شبعا نظريًا.

وبعد مقتل رئيس الوزراء اللبناني، رفيق الحريري، عام 2005، وُجهت أصابع الاتهام إلى دمشق وانسحب الجيش السوري تاركًا حليفه حزب الله في مواجهة معظم القوى السياسية اللبنانية، وتشكل تحالف 14 آذار الذي طالب بنزع سلاح الحزب، فرد الحزب بتشكيل تحالف 8 آذار، وعم الانقسام الشارع اللبناني، وتم اغتيال عدد من مناهضي الحزب في ظروف غامضة ووجهت أصابع الاتهام إلى الحزب.

وفي 12 يوليو/تموز 2006، أسَرَ حزب الله جنديين إسرائيليين على الحدود اللبنانية الفلسطينية، فشن الكيان العبري حربًا استمرت ثلاثة وثلاثين يومًا، أحدثت دمارًا واسعًا في البنية التحتية اللبنانية وأوقعت خسائر فادحة في أرواح المدنيين لكنها فشلت في تحقيق هدفها العسكري في تحجيم قدرات حزب الله. في المقابل، اكتسب الحزب شعبية هائلة في العالم العربي من المحيط إلى الخليج، وعاشت الجماهير العربية زهوة الانتصار بسبب الأداء العسكري المميز للحزب في مواجهة إسرائيل، والأداء الخطابي القوي للأمين العام للحزب.

كان حجم الدمار الذي وقع في لبنان ضخمًا بحيث إن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله قال، بحسب ما يروي عبد الغني عماد: «لو كنت أعلم أن ردة فعل إسرائيل ستكون على هذا الشكل ما كنت أقدمت على هذا القرار»، مبيناً عدم تقديره المسبق لما حدث، لكن الاحتفاء العربي بانتصار الحزب واصطفاف اللبنانيين وراءه في تلك الحرب كان مفاجأة سارة للحزب تفوق توقعاته.

أغرقت صور نصر الله شوارع وميادين العواصم العربية والإسلامية، وهتفت باسمه الحناجر في العالم العربي كبطل أوحد في مواجهة الكيان الصهيوني، وتألقت قناة «المنار» التابعة في التغطية الدعائية المؤثرة، وتبارت المؤسسات الإعلامية وعلى رأسها قناة «الجزيرة» في تغطية الحرب، حتى تم تشبيه إنجاز حزب الله العسكري بانتصار أكتوبر عام 1973، وارتفعت أسهم حزب الله بشكل لم يحظ به في أي وقت ولا حتى عام 2000 حين انسحب الاحتلال من الجنوب اللبناني.

وما لبثت الصورة اللامعة للحزب أن بهتت ثم تمزقت تمامًا بسبب مواقفه اللاحقة، بدءًا من أحداث 7 مايو/أيار 2008 حين اجتاح حزب الله بيروت وعاث فيها قتلًا وإفسادًا، وواجه قوى الرابع عشر من آذار بالسلاح الذي سماه «سلاح المقاومة». وانحدر لبنان إلى حافة الحرب الأهلية مجددًا، فاضطرت الحكومة -تحت تهديد السلاح- إلى التنازل لقوى 8 آذار ومنحهم نسبة الثلث المعطل الذي يمكنهم من وقف أي قرار حكومي لا يوافقون عليه.

وفي 2009، أصدر الحزب وثيقة سياسية جاءت متأخرة بتسع سنوات عن عملية تحرير الجنوب التي كان من المفترض أن تؤسس لمرحلة جديدة للحزب، وحَوت هذه الوثيقة مبررات استمرار حزب الله كحركة مقاومة وصورته باعتباره قوة تعمل على مناوأة الهيمنة الأمريكية العالمية.

وعند اندلاع ثورات الربيع العربي في 2011، بدا الحزب كميليشيا طائفية بغيضة تمارس القتل والإرهاب ضد الشعب السوري ضمن مخطط إيراني للهيمنة على العالم العربي، وحاول الحزب بعد ذلك استدعاء صورته النضالية وإطلاق تهديدات مدوية لدولة الاحتلال مصحوبة بتوترات محدودة، بينما أعلن صبحي الطفيلي، أن الحزب تحول إلى حرس حدود لإسرائيل وتورط في اعتقال مقاومين حاولوا شن هجمات على شمال إسرائيل عبر خط الحدود.

الذراع الطولى لإيران

لم يقتصر نشاط الحزب على لبنان بل أصبح الذراع الطولى لإيران في العالم بالاشتراك مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وانتعشت للحزب اللبناني فروعه في العديد من الدول فعاد حزب الله البحريني، والسعودي، والكويتي، للبروز. وهكذا خرجت من عباءته أذرع عديدة اقتبست تجربته، وإن لم تساعدها الظروف لتصل إلى مستواه وما حققه للمشروع الإيراني في المنطقة والعالم.

كانت الأزمة السورية اللحظة الحاسمة التي انكشف فيها التناقض الواقع في قلب الحزب بين دوره كحزب مقاوم للاحتلال الإسرائيلي والهيمنة الأمريكية على لبنان، ودوره كمجرد ذراع إيراني يتحرك بما يخدم مصالح النظام الإيراني دون اعتبار لأي قيم أخرى.

الحزب الذي تأسس لمقاومة إسرائيل وتحرير القدس تورط في حصار الفلسطينيين وقتلهم في مخيم اليرموك، وأوغل في دماء الشعب السوري متخذًا ذرائع شتى، تارة باسم حماية المقدسات الشيعية خصوصًا مرقد السيدة زينب، وتارة باسم الحفاظ على محور المقاومة ضد إسرائيل، وارتكب مجازر طائفية مروعة ضد المدنيين من السنة فنفذ عمليات إعدام ميدانية للنساء والأطفال والعجائز، ومن أشهر تلك الوقائع مجزرتا دير بعلبة بريف حمص، والمالكية بريف حلب عام 2012، ومجزرتا تل شغيب وقرية أم عامود بريف حلب عام 2013، وغيرها كثير، وما زال حتى اليوم جاثمًا على صدر السوريين ضمن عدد من الميليشيات الشيعية متعددة الجنسيات التابعة لإيران.

وكانت حمص من أوائل المحافظات السورية التي تدخل فيها حزب الله، نظرًا لموقعها الاستراتيجي فهي ملاصقة للبنان، وتفصل بين دمشق والساحل السوري الذي يضم معاقل مؤيدي بشار الأسد، وقد كشف مقاتلو حزب الله عن وجههم الطائفي منذ البداية وكانت واقعة مهاجمة ضريح الصحابي الجليل خالد بن الوليد بحمص من الوقائع الصادمة الكاشفة عن الطابع الطائفي لمشاركة الحزب في قمع المحتجين في سوريا.

ويكشف الجنرال حسين همداني، الذي قاد القوات والميليشيات الإيرانية في سوريا، في مذكراته المسماة «رسائل الأسماك» أن التدخل الإيراني في سوريا كان تحت إشراف الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، وأن الخطط كانت تتطلب موافقته أولًا، وأن المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، هو الذي أعطاه هذه الصلاحيات.

ويذكر همداني أنه قدم خطة شاملة للتعامل مع الاحتجاجات الشعبية في سوريا تتضمن أبعادًا اقتصادية وثقافية وسياسية، لكن الأمين العام لحزب الله رفض كل هذه البنود، ووافق فقط على الشق الأمني والعسكري بهدف إنقاذ نظام بشار الأسد، وتم تكثيف واختصار فترة الإعداد العسكري للشبيحة (المرتزقة المجندون لصالح نظام الأسد) بهدف دفعهم إلى جبهات القتال في أسرع وقت لوأد الثورة السورية، وقامت هذه القوات بانتهاكات مروعة أسفرت عن تثبيت النظام الذي كان على وشك السقوط، وكان رئيسه على وشك مغادرة البلاد ويبحث عن مكان ليأوي إليه، وفق ما ذكره همداني في مذكراته تفصيليًا، ويكشف صبحي الطفيلي، أن الحزب لم يكن له خيار آخر سوى الدخول في المواجهة بجانب الإيرانيين، قائلا: «للأسف نحن قررنا أن نضحي بأنفسنا خدمة لمصلحة في إيران».

وقد استخدمت طهران الحزب في مد نفوذها العابر للحدود والعابر للطوائف أيضاً، فرغم الصبغة المذهبية التي يصطبغ بها المشروع الإيراني فإن طهران استطاعت التنسيق مع العديد من الجهات لخدمة مصالحها متجاوزة الحواجز الأيديولوجية، فقد أوعزت لحزب الله بالتنسيق مع تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن في التسعينيات لاستهداف المصالح الأمريكية، وأشرف عماد مغنية، أبرز القادة العسكريين في الميليشيا اللبنانية، على تدريب عناصر القاعدة في معسكر بسهل البقاع.

كما شارك الحزب في دعم جبهة البوليساريو الانفصالية التي تسعى للاستقلال عن مملكة المغرب والسيطرة على إقليم الصحراء الغربية، وأشرف عناصره على تسليح وتدريب منتسبي الجبهة على حرب الشوارع، وإعداد مقاتلي كوماندوز، وكانت السفارة الإيرانية بالجزائر صلة الوصل بين الحزب والبوليساريو ولذلك قطع المغرب علاقاته الدبلوماسية مع إيران عام 2018 بسبب هذه الأنشطة على اعتبار أن الحزب اللبناني يتلقى توجيهاته من طهران وليس بيروت.

وقد توسعت عمليات الميليشيا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، بحثًا عن مصادر للتمويل ومناطق النفوذ، ففي فنزويلا وصل الحزب إلى مناجم الذهب وطور علاقات قوية مع رجال الدولة هناك حتى إن أحد أصدقائه وهو طارق العيسمي، وصل إلى منصب نائب رئيس الجمهورية الفنزويلية ما بين عامي 2017 و2018، وكذلك شكلت منطقة الحدود الثلاثية، بين الأرجنتين والبرازيل وباراجواي، مسرحًا رئيسيًا لنشاط الحزب الذي بات يمتلك روابط قوية مع شبكات التهريب في دول أمريكا اللاتينية.

وبسبب أنشطة الحزب، أُدرج اسم زعيمه الحالي، حسن نصر الله و عدد من المسؤولين البارزين في الحزب على لائحة الإرهاب الأمريكية، وحظرت بريطانيا جناحه العسكري في عام 2008 وفي فبراير/شباط من عام 2019 فرضت حظرًا كليًا عليه، وأعلن وزير الداخلية البريطاني آنذاك عدم قدرة بلاده على التمييز بين الجناحين العسكري والسياسي للحزب، وفي أبريل/نيسان من عام 2020 فرضت ألمانيا حظرًا عليه أيضًا وشنت حملة أمنية واسعة ضده في جميع أنحاء البلاد.

وفرضت كندا وأستراليا، والعديد من الدول الأوروبية حظرًا على الحزب مثل هولندا والتشيك وإستونيا وليتوانيا وكوسوفو، وكذلك دول في أمريكا اللاتينية مثل كولومبيا والأرجنتين وباراغواي وغواتيمالا وهندوراس على خلفية اتهامات تتعلق بعمليات غسيل الأموال وتجارة المخدرات في أمريكا اللاتينية.

كما فرضت دول مجلس التعاون الخليجي الست عقوبات على الحزب في 2013 على خلفية تدخله في الأزمة السورية وأدرجته على لوائح الإرهاب في 2016، واتهمته بتجنيد شباب دول المجلس في أعمال الإرهاب، وتهريب الأسلحة والمتفجرات، وإثارة الفوضى، وفي مارس/آذار من عام 2016 صنفته جامعة الدول العربية كمنظمة إرهابية، عقب قرار مماثل صدر عن وزراء الداخلية العرب، رغم تحفظ الحكومتين اللبنانية والعراقية.

وأدرج الاتحاد الأوروبي الجناح العسكري لحزب الله على قائمة الإرهاب في عام 2013، وعلى الرغم من الدعوات المتزايدة من الولايات المتحدة وأطراف أوروبية عديدة، لم يصدر الاتحاد حتى الآن حظرًا كاملًا على الحزب.