أيام قليلة تفصلنا عن عرض الفيلم الرابع والأخير -حتى الآن على الأقل- من سلسلة أفلام «المنتقمون – Avengers» التي تجمع كل أبطال عالم مارفل السينمائي «Marvel Cinematic Universe»، وسيحمل الفيلم اسم «المنتقمون: نهاية اللعبة – Avengers: Endgame». ينتظر الكثيرون على مستوى العالم هذا الحدث، حتى أن العديد من تذاكر عروض سينما IMAX قد بيعت بالكامل.

على طريقة السينما، لنعد في مشاهد «فلاش باك» إلى ما قبل انطلاق عالم مارفل السينمائي، الذي بدأ عام 2008 بفيلم «الرجل الحديدي -Iron Man»، هل يمكن أن نتصور عالمًا دون أفلام الأبطال الخارقين؟


عندما كانت DC أقوى من Marvel

بينما تعاني الآن شركة DC – القطب المواجه لمارفل في عالم الكومكس- في صناعة عالمها السينمائي، وتُخفق أكثر مما تنجح، فإن الماضي لم يكن كذلك على الإطلاق، بل كانت النجاحات في الأغلب من نصيب DC. لا نبالغ إن قلنا إنها هي من أدخلت مفهوم الأبطال الخارقين إلى السينما.

البداية كانت في عام 1978 بفيلم «Superman»، الذي حقق نجاحًا كبيرًا ليقدم للجمهور البداية الحقيقية لأفلام الأبطال الخارقين، من حيث الإنتاج الضخم، والبطل الوسيم، واستخدام أحدث الخدع السينمائية. سبقت الفيلم عدة محاولات لاستغلال نجاح أبطال القصص المصورة لكن أغلبها كان هزيلًا. مع «سوبر مان»، الذي يعد أحد أنجح وأشهر الأبطال الخارقين، جاء ميلاد الأبطال الخارقين على الشاشة، وأغرى نجاح الفيلم صناعه بتقديم ثلاثة أجزاء تالية، لم تكن بنفس قوة الأول فنيًا، وبالتالي توقفت السلسلة بعد الفيلم الرابع عام 1987.

ومن يستطيع تقديم يد العون لسوبرمان بعد تعثره سينمائيًا؟

الإجابة هي بات مان، البطل الأشهر بجانب سوبر مان في قصص DC المصورة. هكذا ظهر إلى النور فيلم «Batman» عام 1989، الذي حقق نجاحًا كبيرًا على كل المستويات، وقدم شكلًا مختلفًا تمامًا لأفلام الكوميكس برؤية المخرج تيم برتون، الذي قدم لنا عالمًا سودوايًا ومخيفًا، وأقل اعتمادًا على المؤثرات البصرية.

لكن هذه الأعمال وما تخللها وما تلاها، لم تكن تكفي لصناعة تيار خاص بأفلام الأبطال الخارقين، كانت تأتي على فترات متباعدة، وتشهد تغييرات كبيرة في فريق العمل بما يهدد استمرارها، ولا ننسى أن هذه الفترة كانت أوج نجاح أفلام الأكشن التي تعتمد على البطل الواحد الذي يذهب في مهمات انتحارية ويفوز بكل شيء في النهاية، وهكذا كانت أفلام الأبطال الخارقين على هامش اهتمام شركات الإنتاج.

في كل ما سبق لم يظهر اسم مارفل بشكل لافت، باستثناء بعض المحاولات مثل سلسلة «النصل Blade» التي حققت نجاحًا جيدًا، لكن DC كانت تغرد وحدها في ما يخص النجاحات الأكبر والشخصيات الجماهيرية ذائعة الصيت، إلى أن جاءت الألفية الثالثة لتنقلب قواعد اللعبة تمامًا.


نقطة ومن أول القرن

أحد العوائق الأخرى التي لم نذكرها عن أفلام الأبطال الخارقين، كانت في احتياجها إلى تقنيات حديثة لتظهر إمكانيات هؤلاء الأبطال بالشكل المطلوب. يمكن إلقاء نظرة على أول أفلام سوبر مان لندرك طرافة الشكل الذي كانت تنفذ به مشاهد الطيران، وأشعة الليزر وغير ذلك.

كانت الخدع السينمائية تتطور بسرعة أيضًا، وبدأت تقنية الصور المصنوعة بالكمبيوتر (CGI) تأخذ حيزًا أكبر من الأفلام، وهكذا بدأ استغلال ما وصلت إليه التكنولوجيا لتقديم خطوات جديدة في أفلام الأبطال الخارقين.

اقرأ أيضًا: سلاسل الأفلام: هل تقتل الإبداع أم تخلق عوالمها الخاصة؟

في عام 2000 ظهرت سلسلة «الرجال إكس X-Men»، وشخصيات الرجال إكس تنتمي إلى شركة مارفل، وإن كانت حقوقها السينمائية مملوكة لشركة فوكس القرن العشرين، وقد كان الفيلم علامة مهمة إذ حقق إيرادات في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها تجاوزت 150 مليون دولار بقليل، وهذا الرقم يجب التوقف عنده قليلًا.

بالنظر إلى مئات الملايين التي تحققها هذه النوعية من الأفلام حاليًا قد يبدو هذا الرقم ضئيلًا، لكنه آنذاك كان يحمل أهمية على عدة مستويات، إذ كان أول فيلم لشخصيات مارفل يتجاوز 100 مليون دولار، والأول أيضًا الذي ينضم لنادي المائة مليون دولار بعد بعض أفلام سوبر مان وبات مان.

لكن لا يمكن تجاوز الرقم دون النظر إليه في مكانه خلال هذا العام، حل الفيلم ثامنًا في قائمة الإيرادات، وتفوقت عليه أفلام كوميدية مثل «What Women Want»، وأفلام أكشن مثل الجزء الثاني من سلسلة «المهمة المستحيلة – Mission Impossible»، وفيلم يمكن وصفه بالآرت هاوس هو «Cast Away» وهو ما يعطي تصورًا عن جماهيرية أفلام الأبطال الخارقين في ذلك الوقت. إلى أن جاء سبايدر مان.


الابن الضال الذي غير العالم

مثلما تملك شركة دي سي شخصيات رئيسية مشهورة مثل سوبر مان، فلدى مارفل شخصياتها المشهورة والمحبوبة حول العالم، وأبرزها بالطبع هو سبايدر مان.

هذه الشخصية التي تعلق بها عشاق القصص المصورة، ليس فقط للشخصيات الشريرة المبتكرة التي يواجهها سبايدير مان، ولكن أيضًا لطبيعة الشخصية نفسها، مراهق متوسط الحال يعاني من التنمر والعلاقات العاطفية غير المستقرة، يتحول فجأة لبطل خارق دون أن يمكنه هذا من تحويل أي شيء في عالمه الحقيقي للأفضل. هكذا اجتذبت الشخصية التي كتبها ستان لي ورسمها ستيف ديتكو، الملايين.

ظهور هذه الشخصية على الشاشة الكبيرة بزيها المميز وخيوطها التي تمتد في الهواء كان أمرًا جذابًا بالفعل، سواء لعشاق الكومكس، أو لرواد السينما.

قدم المخرج سام ريمي الجزء الأول من سلسلة «الرجل العنكبوت – Spider-Man» عام 2002، بميزانية ضخمة تقترب من 140 مليون دولار، ليحقق إيرادات تتجاوز 400 مليون دولار في الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، ومثلها تقريبًا من بقية دول العالم، ويحصل في الوقت نفسه على الكثير من الآراء الإيجابية من النقاد.

اقرأ أيضًا: عالم «Marvel» السينمائي: وفخ الطفولية والتكرار

في هذه السنة، احتل الفيلم بالطبع المركز الأول في الإيرادات على المستوى المحلي (داخل الولايات المتحدة الأمريكية)، متفوقًا على منافِسَين شرسَين هما الجزء الثاني من ملحمة «سيد الخواتم – The Lord of the Rings» والجزء الثاني، من سلسلة «حرب النجوم»، لكن لماذا وصفناه بالابن الضال؟ رغم أن هذه الشخصية تخص مارفل، لكن حقوقها السينمائية كانت مملوكة لشركة «سوني Sony»، وهو ما استمر حتى عام 2015.

نجاح سبايدر مان لم يكن مجرد نجاحٍ لفيلم، بل كان شهادة ميلاد رسمية لأفلام الأبطال الخارقين، التي جاءت من بعده لتستمر حتى الآن. لم يخل أي عام، بداية من 2002، من فيلم واحد على الأقل للأبطال الخارقين. عادت DC لإخراج شخصياتها الأثيرة بات مان، وسوبر مان، بينما التفتت مارفل لأن الشخصيات التي باعت حقوقها حققت نجاحًا ساحقًا، فلماذا لا تنتج أفلامًا لبقية الشخصيات التي ما زالت تملك حقوقها؟

هكذا كانت بداية عالم مارفل السينمائي، الذي مر عليه أكثر من 10 سنوات، والذي بدأ كفكرة، فكرة تحولت لمئات الملايين من الدولارات، هذا ما سنطرحه في الجزء الثاني.