8 أعوام مرّت على ثورة يناير المصريّة التي وصفت بأنها أهم ثورة في التاريخ الحديث، بل وأنها «ألهمت العالم»وكانت مفاجأة كبرى على السياسيين من جهة وعلى المجتمع المصري كله من جهة أخرى، لاسيما أنها انطلقت بالأساس باعتبارها «ثورة شبابية» قامت على أكتاف الشباب وباستخدام وسائل التواصل الاجتماعي صيحة العصر الجديد.

كل ذلك وغيره جعل من هذه الثورة محط أنظار الكثيرين، وعلى الرغم من أن الأدب كثيرًا ما يكون عاملاً مساعدًا على تفجير مثل ذلك الوعي بالتغيير، فإنه كان من الملاحظ أن أيًا من الكتّاب والأدباء الذين عبروا عن سعادتهم بالثورة بعد قيامها لم يكونوا قد تحدثوا عن احتمالات الثورة أو حتى مجرد التغيير على الرغم مما يحيط بمجتمعهم من اضطرابات ومشكلات، وضيق واضح بالأنظمة السياسية الحاكمة القامعة، على العكس استغرق الكثير من الكتب في وصف أشكال القهر والقمع الذي تمتلئ به مجتمعاتهم.

وإذا كان الوضع كذلك أثناء انطلاق الثورة، إلا أن التغيرات المتلاحقة والسريعة التي أصابت ثورة يناير 2011 في مصر وما تلاها من أحداث سياسية كبرى وتغيرات عربية تابعة لما سمي بعد ذلك «بثورات الربيع العربي» لا شك أنه كان دافعًا للكثير من الأدباء والكتّاب لكي يغيروا من طريقة كتابتهم وتناولهم للواقع، ويسعوا للكشف عن طبيعة المجتمع الذي قام بالثورة من جهة، ثم يسعون بعد ذلك لاستشراف المستقبل كما يرونه في إطار تلك التغيرات الكثيرة القائمة. من هنا ظهرت بعض الأعمال الروائية التي تتناول ثورة يناير بالفعل بل وتتجاوزها بعد ذلك في محاولات جادة لرصد المشهد المصري المجتمعي بشكل أدبي وروائي من خلال تجارب عديدة.

اقرأ أيضًا «كل هذا الهراء»: عن حكايات اليأس والهزيمة

من بين هذه الأعمال كانت روايات لعدد من الأدباء يرصدون فيها تغيرات المشهد السياسي في مصر وما حدث قبيل الثورة وبعدها. رأينا ذلك في روايات مثل «باب الخروج» و«كل هذا الهراء» لعز الدين شكري فشير، و«أجندة سيد الأهل» لأحمد صبري أبو الفتوح، كما أصدر الروائي الشهير علاء الأسواني روايته الأخيرة «جمهورية كأن» التي تتناول الثورة المصرية وما حدث فيها بتفاصيل كثيرة. كما تناول عمار علي حسن سقوط الإخوان بشكلٍ خاص في روايته «سقوط الصمت»، وغيرها من أعمال وروايات لكبار الكتّاب الذين حرصوا على رصد ما دار في الواقع وتصويره روائيًا.

نحاول في هذه المساحة أن نركز على الروايات التي أصدرها كتّاب شباب عاشوا أيام الثورة وتأثروا بها، وسعوا للتغيير سواء بمشاركتهم الميدانية أو بكتابتهم الأدبية.


بين الرصد المجتمعي .. واستشراف المستقبل

سيجارة سابعة – دينا كمال – ميريت 2012

رواية سيجارة سابعة – دينا كمال

ربما تكون رواية «سيجارة سابعة» لدينا كمال من أوائل الروايات التي تحدثت عن ثورة يناير بشكلٍ مباشر، حيث نجد في الرواية بطلتها التي تنتمي للطبقة المتوسطة التي تعيش مرحلة السبعينات وعصر الانفتاح، ويذكرها والدها المناضل اليساري بالحلم والثورة وسجنه فترة الستينات، وتشعر أنه يتحدث عن الماضي طوال الوقت، حتى تفاجأ بالحراك الشعبي في يناير 2011. وفجأة تجد نفسها تشارك بقوة في الأحداث والمظاهرات، وكأنها تعيد للأب أفكاره وتحقق له أحلامه قبل أن تنتهي حياته.

لم تتجاوز الرواية حالة الثورة، وربما لأنها كانت معاصرة بالفعل للموقف والأحداث، استطاعت فقط أن تنقلها إلى قالب سردي وروائي محكم، فجمعت بين كونها عملًا روائيًا وتوثيق لحظة الثورة بصدق وشفافية، لكن سردها لم يتجاوز ذلك لتشريح المجتمع أو مساءلته أو الكشف عن أمورٍ أخرى وراء لحظة الثورة وما بعدها.

جمهورية القرد الأحمر – ياسر أحمد – المركز الثقافي العربي 2014

رواية جمهورية القرد الأحمر، ياسر أحمد

من الواقع ومن ثورة يناير 2011 ينطلق ياسر أحمد في روايته «جمهورية القرد الأحمر»، ولكنه يكشف منذ وقتٍ مبكر نسبيًا عن أن شركاء هذه الثورة لا بد لهم من لحظة يختلفون فيها. من هنا تنشأ فكرته المتخيّلة عن مجموعة من الشباب الثوريين، يتمكنون بعد أن رصدوا اختلافات وانشقاقات عديدة بعد الثورة، أن ينشئوا جمهورية جديدة مختلفة.

يهتم ياسر أحمد في روايته أكثر بالجانب النفسي وتحليل شخصيات أبطاله من الثوريين بعد ضياع حلمهم وما كانوا يسعون لتحقيقه، وتدور في الرواية الكثير من الأحداث المتلاحقة المتتابعة التي قد تفسد على القارئ إلمامه بتفاصيل الرواية وعالمها، ولكنه يضع لأبطاله في النهاية طريقًا للخلاص من خلال لعبة إلكترونية تنشئ ما يطلق عليه فيما بعد «جمهورية القرد الأحمر» التي تكون قادرة على جمع هؤلاء الرفاق مرة أخرى أملاً في استعادة الثورة من جديد.

بعد الحفلة – يحيى الجمال – دار العين 2016

رواية بعد الحفلة – يحيى الجمال

نقلة أخرى ينتقل فيها يحيى الجمّال في روايته الصادرة في وقت لاحق على الثورة، عام 2016. إذ نجد أننا ومنذ غلاف الرواية الذي يشير إلى واحد من أهم شوارع الثورة المصرية، شارع محمد محمود، مرورًا بالأهداء «إلى الذين دخلوا شارع يوسف الجندي ولم يخرجوا منه حتى الآن»، تنتقل الرواية إلى أحداث يناير 2011 وكيف كانت أحوال الناس خاصة من الطبقة المتوسطة من ثورة يوليو 1952 وحتى يناير 2011، وكيف جاءت هذه الثورة باختلافها وشبابها لتعبر عن آمالهم وأحلامهم. ورغم أن الرواية لا تتجاوز ما حدث في 2011 فإنها جاءت كاشفة لحدٍ بعيد لما كان عليه واقع المجتمع المصري في تلك الفترة وما تلاها.

قريبًا من البهجة – أحمد سمير – دار الشروق 2017

رواية قريبًا من البهجة — أحمد سمير

تختلف رواية أحمد سمير «قريبًا من البهجة» في طريقة رصدها للحراك الثوري، وليناير 2011 وما فيه. إذ استطاع الكاتب أن ينقل بموضوعية وحياد ما جرى في مصر قبل وأثناء وبعد ثورة 2011 من خلال عدد من الشخصيات المختلفة المتباينة من أقصى اليمين لأقصى اليسار.

اقرأ أيضًا: «قريبًا من البهجة»: أينما تكونوا يدرككم اليأس

30 شخصية في رواية واحدة يستعرض من خلالها أحمد سمير المجتمع المصري وما دار فيه، لا يتوقف عند لحظة الثورة بحد ذاتها، ولا يشغله الحلم ولا الأمل، بل الرصد المجتمعي وما آل إليه حال الناس بعد ذلك. استطاع سمير في روايته أن يعبّر بصدق شديد عن الثورة وما حصل للناس فيها. تجدر الإشارة إلى أن الرواية وصلت للقائمة القصيرة في جائزة ساويرس لهذا العام.


الثورة كحدث عابر في التفاصيل

أحاديث الجن والسطل – محمد الجمال – نوستالجيا 2018

رواية أحاديث الجن والسطل – محمد الجمال

لم تكن رواية «أحاديث الجن والسطل» رواية عن يناير، أو تفاصيل أحداثها، ولكن من يقرأها يدرك تمامًا أن الثورة محرك أساسي في بنائها وأحداثها، كما أنها تقدم رؤية ربما مختلفة وغائبة عن مجتمع القرية المصري وطريقة تفاعله وتعاطيه مع الثورة. يأتي ذكر الثورة في تفاصيل الأحداث، ولكن الرواية تقوم بالأساس على فكرة التمرد والخروج على المتعارف عليه والسائد في عالم القرية بدايةً والذي ينتج عنه عالم آخر مغاير لذلك الواقع الذي تراضى الناس عليه، حتى لو من خلال «الحكايات»، وكيف يمكن أن يبنى العالم ويتغيّر في وعي الناس بداية فيسهل تغييره بعد ذلك واقعيًا.

ظل التفاحة – محمد قنديل – نهضة مصر 2018

ظل التفاحة ــ محمد إبراهيم قنديل

في «ظل التفاحة»، رواية محمد إبراهيم قنديل الأولى، نحن مع عالم لفردٍ واحد يبدأ وينهار، ثم يستعيد تشكيله مرة أخرى. تبدو الرواية «ديستوبيا»، ولكنها مختلفة من حيث البناء والنهاية التي تنتهي إليها من جهة، ومن جهةٍ أخرى تبدو الثورة أمرًا عارضًا فيها، ولكنها موجودة. ولا شك أنها كانت مؤثرة في لاوعي الكاتب أثناء كتابته، بل ربما يدرك القارئ أنه لولا هذه الثورة والحراك الاجتماعي الكبير الذي حدث فيها لما جاءت مثل تلك الأفكار، وهو ما يتضح أكثر في روايات جنحت إلى حدٍ أقصى في الديستوبيا، وبدأت تكتب تصورات خاصة بنهاية العالم في رواياتها.

اقرأ يضًا رواية «ظل التفاحة»: ديستوبيا ما بعد النهاية

عطارد – محمد ربيع – التنوير 2014

ظل التفاح، محمد إبراهيم قنديل
رواية عطارد – محمد ربيع

العالم أسود، وقبيح، ولا خلاص فيه. كل ما كنتم تظنون أنه خيرٌ وحرية ورفاهية، سينقلب عليكم إلى معارك ودماء وضحايا، والمزيد من العذاب والدمار. رؤية سوداوية كابوسية للمستقبل، انطلق منها محمد ربيع في بناء عالم روايته «عطارد». رغم أنه كتبها عام 2014 فإنه قفز إلى تخيّل ما يمكن أن يكون عليه حال القاهرة بعد أعوام، وبعد سيطرة فلول الثورة المضادة على مقاليد الأمور، وكيف سيتحوَّل الأمر إلى كابوس مزعج لا يمكن الخلاص منه.

ترسم الرواية صورة مصر بعد 10 أعوام من تاريخ كتابتها (عام 2025) حيث يفترض ربيع حدوث احتلال لمصر من قبل من سماهم «فرسان مالطا» ينتج عنه تقسيم القاهرة لشرقية وغربية، ولم يعد هناك حماة للوطن غير «رجال الشرطة» الذين يستمرون في أشد طرق التعذيب والتنكيل لمعارضيهم، تم تقنين الدعارة وتحديد جهاز خاص لقتل الناس من خلال قناصة محترفين، واستسلم الناس للوضع المأساوي الجديد وبدؤوا يتعاملون على أساسه ومن خلاله. تبدو الرواية شديدة السوداوية والكآبة، ولكنها تطرح رؤية كاتبها لعالم ما بعد يناير 2011 . وصلت رواية «عطارد» للقائمة القصيرة لبوكر 2016، كما حازت على جائزة ساويرس للرواية عام 2017.

هكذا كانت رؤية شباب الأدباء للثورة المصريّة، ومحاولاتهم المتباينة للرصد والتعبير عنها، بين محاولات تأمل اللحظة الثورية الخاصة وتشريح المجتمع والكشف عن خباياه، وبين الانطلاق بالخيال الجامح والسوداوي في أكثر الأحيان للتعبير عن رؤيتهم للمستقبل ما بعد الثورة، حيث لا يبدو أن هناك أي أملٍ في الأفق.