بين الإشادات والانتقادات، تسبب «رسالة الإمام»، المسلسل الدرامي التاريخي الذي تناول الـ 6 سنوات الأخيرة من حياة الإمام الشافعي، أحد أشهر علماء الفقه والتفسير، جدلًا كبيرًا على الساحة بين الجمهور والنقاد، فعلى الرغم من نجاح بطل العمل الفنان خالد النبوي في تقديم الشخصية، فإنه كان هناك بعض التعقيبات على الأحداث والأفكار المقدمة، ولذلك كان لنا هذا الحوار مع كاتبه المؤلف محمد هشام عبيه، للرد على كل الانتقادات، ومعرفة كواليس ورسالة المسلسل.

 محمد هشام عبيه بدأ حياته المهنية من خلال بوابة الصحافة، وله عدة كتب في الأدب الساخر وأدب الرحلات، وهو شخص عاشق للتاريخ، انتقل إلى كتابة السيناريو لتوصيل آرائه إلى فئة أكبر من الجمهور، فشارك في تأليف مسلسل «رحيم»، وكتابة حوار مسلسل «سقوط حر»، وكتابة مسلسل «بطلوع الروح»، لكنه هذا العام انتقل من الكتابة الساخرة إلى كتابة الأعمال الدرامية التاريخية من خلال «رسالة الإمام»، وإليك حوارنا معه.

بداية.. حدثنا عن التحضيرات لمسلسل الإمام الشافعي، ولماذا تم تغيير الاسم؟

بدأ صناع المسلسل في التجهيز للعمل من شهر يوليو الماضي لعام 2022، عندما تولت مهمته الكاتبة مريم نعوم، وورشتها للكتابة ورشة سرد، ثم اعتذرت، وتوليت أنا مهمة كتابة السيناريو والإشراف على الكتابة مع نهاية نوفمبر 2022، وجهزنا له ورجعنا إلى الكثير من المراجع التاريخية، حتى نرصد أحداث حياة الإمام الشافعي، أما عن الاسم فلم يتغير نهائيًّا، فكل ما قيل مع الإعلان أننا سنقدم عملًا عن الإمام الشافعي، وعرف بهذا الاسم، ولكنه لم يكن الاسم النهائي للعمل، وعند الاختيار اخترنا اسم «رسالة الإمام».

لماذا تم اختيار الإمام الشافعي بالأخص لتقديم عمل درامي عنه؟

الإمام الشافعي سيرة مهمة جدًّا، وتأثيره في الشعب المصري ممتد حتى اليوم، ويعتبر علمًا من الأعلام المصرية، فهو على الرغم من عدم كونه مصري الجنسية، فإنه عاش عدة سنوات هنا، وبالتالي هو كشخص على المستوى الإنساني والفقهي ومسيرته وحياته مليء بالجوانب المضيئة، وكان يجب تسليط الضوء عليها، وبصراحة المشروع كان مبادرة من الشركة المنتجة، ولكن بالنسبة لي كان هناك شغف كبير من ناحية التعمق في حياته، خصوصًا أنني شخص مهتم بالتاريخ جدًّا، وبالتالي مسألة كتابة مسلسل تاريخي عن مصر في نهاية القرن الثاني الهجري، وبداية القرن الثالث، وعن شخصية مثيرة للاكتشاف مثل الإمام الشافعي، كل هذه عوامل وعناصر كانت جاذبة بالنسبة إليَّ، لتقديم العمل.

ألم تتخوف من تعرض العمل لانتقادات خصوصًا بعد غياب أعمال السير الذاتية التاريخية والدينية الفترة الماضية؟ وأيضًا الشخصية نفسها قُدمت من قبل في عام 2007؟

على العكس تمامًا، فلم يكن هناك أي تخوف، فكان هناك مسألة حماس؛ لأنني -كما قلت- من هواة الأعمال التاريخية، سواء مشاهدتها أو كتابتها، وبالتالي كنت أرى أن هذه فرصة لأخوض تجربة أحبها، ولكن لم يسنح لي الوقت قبل ذلك لممارستها بشكل جيد، فلذلك أرى أنه كان هناك جزء من التحدي والشغف ناحية العمل، وأما من ناحية مسألة تقديم عمل عنه قبل ذلك في 2007، فأرى أن هذه القصة والأحداث مطروحة طوال الوقت للنقاش؛ لأن الشخصيات المؤثرة والمثيرة للاهتمام مثل الإمام الشافعي يصلح جدًّا تقديم أكثر من عمل درامي عنها؛ لأن كل عمل من الممكن أن يسلط الضوء على مساحة محددة من الحياة أو من منجزه، وفي مسلسلي كان اختيار صناع العمل أن نتطرق إلى السنوات التي قضاها في مصر، والست السنوات الفارقة في مسيرته الفقهية بنسبة كبيرة، والتي قدم فيها لنا الكثير من فقهه بسبب طبيعة المجتمع المصري.

كيف جاء اختيار الفنان خالد النبوي للدور؟ هل كان هو المرشح الأول أم كان هناك أشخاص آخرون؟

الفنان خالد النبوي كان المرشح رقم واحد لبطولة المسلسل من البداية؛ لأنه أكثر شخصية مناسبة للعمل، وبطبيعة الحال هو ممثل متمكن في كل الشخصيات التي يقدمها، ليس فقط الشخصيات التاريخية. 

من وجهة نظرك، لماذا يتميز خالد النبوي في مثل هذه الأعمال والشخصيات؟ وهل هناك ممثل غيره يستطيع تقديمها في مصر؟

خالد النبوي يعتبر من المدارس الفنية الكلاسيكية القديمة، التي تنتمي للأساتذة نور الشريف، ويحيى الفخراني، ونجومنا الكبار الذين أثروا في تاريخ الدراما والسينما المصرية والعربية، فخالد النبوي ليس شخصًا يدخل العمل من أجل أن يقدمه فقط، ولكنه يركز في كل شيء، حتى إنه كان يناقشنا في تفاصيل دقيقة جدًّا متعلقة بالشخصية، حياته وفقهه وأفكاره، وكان متمكنًا للغاية، وفي الواقع لا أعتبر أن هناك أي شخص كان أجدر منه ليقدم هذا الدور.

الجميع يتحدث عن اللهجة العامية في بعض المشاهد.. هل هذه مقصودة أم لم تكن كذلك؟

اللهجة العامية كانت اختيارًا مقصودًا؛ لأننا كنا نريد الوصول للغة وسيطة بين اللغة القبطية المتداولة وقتها بين العامة المصريين، واللغة العربية الفصحى التي قدمت مع العرب عندما جاءوا إلى مصر، فوجدنا أن العامية هي اللهجة الوسيطة وتحقق لنا هذا الغرض، وفي نفس الوقت وضعنا بعض الضوابط والمحددات؛ لعدم وجود كلمات معاصرة، ولا تكون دارجة أو قريبة من كلمات مماثلة، ووضعنا قاموسًا خاصًّا بنا للهجة العامية التي نستخدمها في هذا الوقت، وأرى أن هذه محاولة لوصول المسلسل لأكبر قطاع من الجمهور.

متى انتهيت من كتابة العمل؟ وكم من الوقت استغرقت التحضيرات والكتابة؟

انتهينا من كتابة المسلسل في 21 رمضان، ولكن كان التصوير ممتدًّا حتى 29 رمضان، وهذه واحدة من أكثر الصعوبات التي واجهتنا في هذا العمل، وهي مسألة ضيق الوقت الشديد، ومحاولتنا لإنجاز عمل ضخم مكون من 30 حلقة في وقت قصير للغاية، سواء على مستوى الكتابة، أو الإخراج والتصوير والإنتاج.

ما هي المراجع التي لجأتم إليها في كتابة مسلسل رسالة الإمام؟

كان معنا في الكتابة والمسلسل باحث تاريخي مهم، وهو الأستاذ علاء عزمي، وهو من قام بدور الباحث الرئيسي في هذا العمل، فيما يتعلق بكل التفاصيل الخاصة بالديكور والملابس، وأيضًا الأعمال والكتب الفقهية والفكرية، والمراجع التي توفرت لنا، فهو كان السند لأكثر من 40 أو 50 مرجعًا تاريخيًّا، بجانب مقابلات ولقاءات مع أساتذة في جامعة الأزهر، وكليات الآثار والآداب، وكل ذلك محاولة منا لتقديم صورة أقرب إلى حقيقة وواقع مصر في هذا الوقت.

لماذا دائمًا نظهر الأشخاص التاريخيين ملائكةً ومقدسين لا يخطئون؟

أي كاتب دراما عندما يأتي لتقديم شخصية تاريخية يحب تقديمها بطريقة غير ملائكية، تخطئ وتصيب، لها أخطاؤها وحسناتها، لكن طبيعة المجتمع أحيانًا تضفي قداسة على الشخصية التاريخية، بمعنى أنه إذا قدمت أنا ككاتب الشخصية التاريخية المؤثرة بجوانب غير إيجابية بشكل ما، فسيستقبل الجمهور للعمل بشكل سيئ. هذه نقطة، والنقطة الأخرة أن مساحة الحرية للكاتب الدرامي فيما يتعلق بالتناول الكامل للشخصية التاريخية حرية منقوصة بطبيعة الحال، فما بالك بشخصية لها بعد ديني، وأعتقد أننا نحتاج إلى الكثير من الوقت حتى نستطيع تقديم عمل تاريخي يتناول كل الصفات الإيجابية والسلبية في الشخصيات التاريخية بشكل عام، كما يقدم في الغرب.

لو تحدثنا عن رحلة هشام عبيه مع الكتابة فسنجدها مرت بمراحل كثيرة من الكتابة الساخرة إلى الاجتماعية ثم التاريخية … حدثنا عن هذه الرحلة الطويلة ومشوارك؟

رحلة الكتابة بالنسبة إليَّ بدأت منذ اهتمامي بالصحافة، وأنا أدين بالفضل في أي شيء وصلت له، إذا جاز القول، للعمل بالصحافة وحبي وعشقي وشغفي بها، الصحافة علمتني أشياء كثيرة جدًّا، منها القدرة على الملاحظة، ورؤية أشياء لا يراها الآخرون، والكتابة بدقة وبسرعة، والقدرة على الإنجاز في وقت قد يكون ضيقًا، والقدرة على التعامل في المواقف الحرجة على الهواء مباشرة، فهذه مهارات كثيرة اكتسبتها بفضل الصحافة، لكن في نفس الوقت أعتز جدًّا بكتابة السيناريو، وأعتقد أن كتابة السيناريو في الوقت الحالي بالنسبة إليَّ هي امتداد لعملي بالصحافة؛ وأنا ملتزم تمامًا في الفصل بين أدوات الصحافة وأدوات كتابة السيناريو، لكن ما ينفعني الآن من أدوات الصحافة هو ما يتعلق بالاستقصاء ومحاولة الكتابة بعمق وكشف ما وراء الصورة الظاهرة، أحاول استخدامها في السيناريو، وأعتقد أن الكاتب طوال الوقت في رحلة اكتشاف أدواته والوسيلة التي يصل بها للجمهور، ربما تكون وسيلة السيناريو الآن هي أفضل وسيلة أصل بها لقطاع أكبر منهم وأمرر بها الأفكار والجدليات التي أريد مناقشتها وطرحها معهم.

هشام عبيه كاتب ساخر يحمل الطابع الثوري في كتاباته … هل لذلك نرى أعمالًا جدلية مثل «بطلوع الروح» و«رسالة الإمام»؟ 

الموضوع ليس له علاقة بكوني كاتبًا ثوريًّا أو ساخرًا، بقدر ما هو من حق أي كاتب عندما يختار الوسيلة التي يعبر بها عن أفكار تصل لجمهور كبير بالتالي من حقهم استقبال هذه الأفكار أو رفضها أو مناقشتها، فأنا من هواة أن تكون الأعمال الدرامية التي أكتبها تذهب لمناطق لا يوجد كثيرون يحبون دخولها، وأن أقدم شيئًا مختلفًا قليلًا عن المعتاد، وهو ما كنت أقدمه حتى عندما كنت في الصحافة، أحاول تقديم أفكار وكتابة بعيدة عن الطبيعي والتقليدي، وهو ما أحاول القيام به في السيناريو الآن، وأتمنى أن أكون ناجحًا في ذلك.

ما الرسالة التي توجهها لبعض الجماهير المتشككة في العمل والبعض الذين رأوا أن العمل يشوه صورة الإمام الشافعي؟

من حق أي أحد أن ينتقد عمل الإمام الشافعي أو غيره، ولكن انتقادًا فنيًّا، أو حتى تاريخيًّا، فطبيعة الحال من حق أي أحد ذلك، ولكن فكرة اتهام عمل بأنه يشوه صورة شخص هذا اتهام ضخم، وأعتقد أنه لا يليق وغير ملائم، ولا يمت للواقع بصلة، ولا يوجد عمل فني يستطيع تشويه صورة شخص مثل الإمام الشافعي، بل بالعكس كما تقول الشواهد بأن العمل جعل أشخاصًا كثيرين يبحثون في سيرة الإمام الشافعي وكتبه ويعيدون اكتشافه، وهذه واحدة من أهم أهداف هذا العمل.

ما هي أعمالك التي تعمل عليها في الفترة المقبلة؟

الفترة المقبلة أعمل على كتابة مسلسل بالتعاون مع الصديق الأستاذ وائل حمدي، عن رواية الأستاذ إبراهيم عيسى، بعنوان «دم على نهد»، وكتابة سيناريو لمسلسل عن رواية للكاتب «واسيني الأعرج»، بعنوان «ليالي إيزيس كوبيا» وهي رواية تتناول فترة حرجة في مسيرة الأديبة العربية الشهيرة مي زيادة.