جاءت إدانة المحكمة العليا في ماليزيا لروزما منصور، زوجة رئيس الوزراء الأسبق نجيب عبد الرزاق، البالغة من العمر 70 عامًا، في تهم فساد ورشاوى متعلقة بمشروع للطاقة الشمسية، لتعيد تسليط الضوء على أزمة الفساد التي أطاحت بسلطة زوجها، وأطاحت معه بسلطة حزب أمنو بعد عقود من هيمنته على الحياة السياسية في ماليزيا.

وقصت المحكمة بسجنها 10 سنوات وتغريمها 970 مليون رينجت ماليزي (الدولار يساوي 4.5 رينجت تقريبًا)، بعد أيام من تثبيت الأحكام الصادرة بحق زوجها بسجنه لمدة 12 عاما وتغريمه نحو 45 مليون دولار، وهي أحكام صادرة منذ يوليو/تموز 2021، فشل محاموه في نقضها أمام المحكمة الفيدرالية.

وقد تم القبض على نجيب عام 2018 بتهمة إساءة استغلال النفوذ ، وتبعته زوجته بعد شهرين بتهمة الفساد والرشوة، وذلك عقب خسارة حزب أمنو بزعامة نجيب الانتخابات العامة بعد حُكم دام لتسع سنوات، وعثرت الشرطة على أموال طائلة ومئات الساعات باهظة الثمن، وآلاف القطع من المجوهرات في منزل نجيب عند القبض عليه، ومع توالي التحقيقات وجهت تهم كثيرة إلى نجيب وزوجته، واتُهم نجيب بالتورط في فساد متعلق بالصندوق السيادي الماليزي فيما وصف بأكبر عملية احتيال مالي في العالم، متعلقة بصندوق إم.دي.بي.وان الذي أسسه نجيب لدى توليه رئاسة الوزراء عام 2009.

أجريت التحقيقات بشأن هذه القضية في ما لا يقل عن ست دول وتقول وزارة العدل الأمريكية إن نحو 4.5 مليار دولار سُرقت من الصندوق، وبعد سقوط نجيب المقرب من أبوظبي والرياض، كشفت ماليزيا عن علاقة أطراف إماراتية بهذا الصندوق، وكان وزير الخارجية السعودي عادل الجبير، كشف أن بلاده منحت لنجيب هبة مالية قدرها 681 مليون دولار، واتضح أن خيوط القضية تربط أشخاصًا وأطرافًا عديدة من خارج البلاد.

إدانة لعهد الأمنو

شكلت أزمة الصندوق السيادي نقطة الضعف الكبرى للحكومة في عهد نجيب، حتى إنه كان على وشك السقوط في انتخابات عام 2013، حينما وعد منافسه اللدود، أنور إبراهيم، بكشف الفساد المتعلق بالصندوق حال فوزه، وهو ما تأخر خمس سنوات أخرى، حتى نجح ائتلاف معارض يقوده مهاتير محمد، ويضم أنور إبراهيم وحزب يمثل الأقلية الصينية، في الإطاحة به في انتخابات عام 2018.

ولم يسقط نجيب وحده بل أيضًا حزب أمنو الحاكم، لأول مرة في تاريخ البلاد، وانتهى حكم تحالف الجبهة الوطنية التي أسسها رئيس الوزراء الأسبق عبد الرزاق حسين، والد نجيب، وهو ثاني رئيس وزراء للبلاد، تولى منصبه من عام 1970 حتى وفاته في عام 1976، وأنشأ الجبهة في بداية حكمه وضمت ممثلين للأعراق المختلفة، بهدف تحقيق الاستقرار السياسي، والتفرغ لتنمية الاقتصاد، ووضع أسس مشروع النهضة الذي أكمله مهاتير محمد لاحقًا، وقامت الخطة على فكرة تمييز الأغلبية الملايوية المسلمة الفقيرة، ونجحت في خلق طبقة وسطى منهم وتقليل التباينات الطبقية إلى حد ما بينهم وبين الأقلية الصينية، وظل تحالف الجبهة الوطنية الذي يتزعمه حزب أمنو الحاكم في السلطة بلا انقطاع منذ ذلك الوقت إلى أن أسقطه مهاتير محمد بتحالف مضاد يضم الأقليات أيضًا.

لكن الائتلاف الذي أطاح بأمنو ما لبث أن تفتت وفقد السلطة بسبب النزاعات الداخلية، وعاد حزب أمنو للحكم من جديد عام 2020 ضمن ائتلاف يضم الحزب الإسلامي وحزب أبناء الأرض، واليوم يرأس الحكومة إسماعيل صبري يعقوب، نائب رئيس حزب أمنو، لكن الأمور يبدو أنها لم تعد إلى سابق عهدها، والحزب الحاكم يمر بوضع هش؛ فالمسئولون اليوم يخضعون للمحاسبة والملاحقة، بخاصة وأن المعارضة خاضت تجربة الحكم لأول مرة وتتحفز لتكرارها والعودة إلى سدة الحكم في الانتخابات المقرر لها العام المقبل.

في سبيل ذلك، تشن المعارضة حربًا على قادة أمنو تحت لافتة محاربة الفساد، فرئيس الحزب الحالي، أحمد زاهد حميدي، ينتظر دوره في الإدانة بالتورط في قضايا فساد أيضاً، ويتعرض بسببها للملاحقة الإعلامية من قادة المعارضة لتدميره سياسياً هو وزملاؤه من رموز أمنو، ولا يستطيع نائبه رئيس الوزراء، حمايته ولا التدخل لإنقاذ نجيب من السجن، رغم أن رئيس الحزب يقود حملة لمطالبة الملك بالتدخل وإصدار عفو عن رئيس الوزراء المدان بالفساد، وهذا السيناريو يبدو غير متوقع إذا تمت إدانته في العديد من القضايا المتهم فيها، وتعد قضايا الفساد المتهم فيها رئيس الوزراء الأسبق إدانة لعهد أمنو بصفة عامة في نظر تيار المعارضة.

نظام الحكم في ماليزيا

ورغم أن ماليزيا تتمتع بآليات ديمقراطية لتداول السلطة وتحدد نتائج التصويت في الانتخابات هوية الحكام، فإن ممارسات سلطوية كثيرة ميزت منظومة الحكم هناك بحسب اتهامات المعارضة، التي ظلت توجه اتهامات لحزب أمنو باحتكار السلطة والتلاعب بتوزيع الدوائر الانتخابية، والتحكم بمفاصل العملية السياسية بشكل غير ديمقراطي، كما أن تجربة عدم الاستقرار في الحكم التي ميزت الفترة من عام 2018 حتى الآن عززت مخاوف الأغلبية الملايوية من هيمنة الصينيين على الحكومة مستغلين انقسام قادة الملايو.

ونظام الحكم في ماليزيا فريد من نوعه، فهو يقوم على فكرة سيادة العرق الملايوي المسلم على السلطة بينما يهيمن ذوو الأصول الصينية على الاقتصاد، وتعد ماليزيا دولة ملكية دستورية فيدرالية، وتمثل المؤسسة الملكية رمز بقاء سلطة الملايو، رغم أن صلاحيات الملك محدودة وتم تقليصها بشكل ملحوظ على يد رئيس الوزراء الأسبق، مهاتير محمد، لكن الملك يحظى بالاحترام الشديد، ويتم اختياره من بين سلاطين الولايات المختلفة بالتناوب، فمعظم الولايات لها سلطان وحكومة محلية تدير شئونها، وفق الصلاحيات الممنوحة لها من الدستور الاتحادي.

فمن بين 13 ولاية ماليزية هناك 9 ولايات يقودها سلاطين ينتمون إلى سلالات حاكمة قديمة، ويجتمع السلاطين التسعة كل خمس سنوات، لانتخاب ملك البلاد الجديد، في حين أن هناك 4 ولايات ليس لها حكام، وهي صباح وساراواك وملقا وبينانج، وبحسب البند 2 من المادة 3 من الدستور فإن السلطان يعد رئيس الديانة الإسلامية في ولايته، ونصت المادة 153 من الدستور الماليزي على ضرورة الحفاظ على حقوق المالايويين والسكان الأصليين في ولايتي صباح وسراواك والتمييز لصالحهم.

ورئيس الوزراء يمثل أعلى سلطة تنفيذية في البلاد والمسؤول الأول عن صنع السياسة العامة ومتابعة تنفيذها وهو زعيم حزب الأغلبية في البرلمان وله سلطة إعلان الطوارئ وحل البرلمان، وطبقًا للنظام الفيدرالي فإن كل ولاية لها أنظمة خاصة بها، ومجلس تشريعي، وآخر تنفيذي، وتتصرف الولايات ضمن الإطار الذي تحدده القوانين الاتحادية التي تصدر من البرلمان بغرفتيه، فمثلًا ينص الدستور على أن نظام العدالة الجنائية موحد لا يختلف من ولاية لأخرى، وأي تغيير في هذا الصدد يحتاج إلى موافقة البرلمان الاتحادي.