ربما من قال أن «ليس كل مسلم إرهابي ولكن كل إرهابي مسلم» لم يقرأ التاريخ ولم يصوب عينه نحو الإرهاب غير الإسلامي، فهناك العديد من الجماعات الإرهابية التي تنتمي للديانات السماوية وغير السماوية، والأمر في هذا الصدد معقد، مما دفع البعض للتساؤل: هل الله مصدر الإرهاب؟


الديانات والجماعات الإرهابية

طبقا لقوائم التنظيمات الإرهابية العالم به نحو 135 جماعة إرهابية، 115 جماعة منها تنتمي لديانات سماوية والباقية لديانات غير سماوية، من بين الـ 115 جماعة للإسلام نصيب الأسد به حيث تنتمي 77 جماعة للدين الإسلامي في حين تأتي المسيحية بعدد 37 منظمة وأخيرا اليهودية بمنظمة واحدة.بداية كون غالبية التنظيمات الإرهابية تنتمي للإسلام هذا أمر تفسيره فقط لا يرتبط بالدين الإسلامي وحده وحسب وإنما يرتبط أيضا بالظروف التي يعيش بها المسلمون، فمن الظلم البيّن القول بأن الدين ونصوصه هما السبب في إخراج متطرفين وخير دليل على ذلك إحداث مقارنة ما بين العنف المرتبط بالإسلام الآن وفترة العصر الذهبي للإسلام، مع التأكيد أننا لا ننفي أن التفسير الخطأ لنصوص الدين الإسلامي جزء من انتشار العنف وهذا ليس موضع حديثنا الآن ويمكن الرجوع إلى تقرير سابق حول الدين في المتخيل السياسي للإرهابيين .


المسيحية والتطرف

كون المسيحية جاءت في المرتبة الثانية فإن هذا يعود لأسباب أيضا عدة لا تقتصر على العقيدة فقط، فالظروف التي ظهرت فيها تلك التنظيمات لعبت دورا بارزا في ظهورها إلى جانب عقائدي يتمثل في الإسخاتولوجيا أو علم الأخرويات وفكرة أن نهاية العالم نهاية عنيفة، إلى جانب ذلك ظهرت أيضا بعض الجماعات التي تسعى لوقف ما حرمه النص المسيحي، إلى جانب ذلك فإن التفسيرات المختلفة للنص في الإسلام توجد أيضا في المسيحية وبصورة أكبر شيئا ما، خاصة مع وجود روايات مختلفة داخل المسيحية للنص.

الإجهاض وجيش الرب:

اثمروا واكثروا واملأوا الأرض

أحد الملفات الشائكة داخل المسيحية والتي تعد من الأكثر جدلا بها هو القيام بعملية إجهاض للجنين، وبعيدا عن رأى الدين والاختلافات في تلك القضية، فإن تحريم الإجهاض تسبب في ظهور جماعة إرهابية مسيحية في العام 1980 وهي جماعة جيش الرب التي نصبت نفسها خصما وقاضيا تجاه كل من يقدم على القيام بعملية إجهاض نظرا للتحريم الديني لها.

حلم يدفع الشعب للسعي للحكم بالكتاب المقدس:

استيقظت امرأة تدعى أليس لاكوينا في الثمانينات من القرن الماضي وحكت أنها رأت حلمًا مفاده أن الروح المقدسة قد أمرتها بالإطاحة بالحكومة الأوغندية لظلمها شعب أشولي، والأشولين هم مجموعة عرقية أفريقية تتواجد في شمال أوغندا وجنوب السودان ويعملون بالرعي والزراعة.ترجمت رؤية لاكوينا في تشكيل واحدة من أكبر الجماعات المسلحة في أفريقيا بدايات العام 1986 على يد جوزيف كوني الذي بدأ في نشاطه منذ العام 1988 هادفا إلى إسقاط نظام الحكم في أوغندا وإقامة حكم على أساس الكتاب المقدس والوصايا العشر.انتشرت الجماعة بصورة موسعة في بداية الألفية الثانية، فجزء منها في شمال شرق جمهورية الكونغو، وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان، وطبقا للأمم المتحدة قامت الجماعة بقتل نحو 100 ألف شخص وخطف نحو 60 ألف طفل.

NLFT ومسيحيو الهند المسالمين:

يتسم مسيحيو الهند في المجمل بالسلمية، ولكن لكل قاعدة شواذ؛ فهناك National Liberation Front of Tripura أو الجبهة الوطنية لتحرير تريبورا، إحدى أهم الحركات الإرهابية المسيحية المسلحة الهندية، تأسست في الـ 12 من مارس بالعام 1989 في ولاية تريبورا تهدف بصورة أساسية إلى الانفصال عن الهند وإقامة أصولية مسيحية بروتستانتية.في إبريل من العام 1997 تم حظر الجماعة واعتبارها جماعة إرهابية بموجب القانون الصادر بالعام 1967 المتعلق بمكافحة الأنشطة غير المشروعة.الجماعة لديها سجل واسع من عمليات القتل والخطف لهؤلاء الذين يرفضون الدخول في البروتستانتية، أبرزها ما حدث في العام 2003 بقتل نحو 30 هندوسيًا.

الصراع بين الأقطاب المسيحية:

كما تقتل بعض الجماعات الإسلامية المسلمة السنية الشيعة، تفعل المذاهب المسيحية؛ ففي العام 1971 ظهرت رابطة مسلحة تدعى Ulster Defence Association أو رابطة الدفاع ألستر في أيرلندا الشمالية، هدفت بصورة أساسية إلى حماية المسيحيين البروتستانت من المسيحيين الكاثوليك رافضة بشكل قاطع الوحدة بين الشمال الأيرلندي والجمهورية الأيرلندية.وعلى الرغم من القضاء على الجماعة عسكريا في العام 2007 إلا أنها تسببت في مقتل نحو 259 كاثوليكيا.


هل الله مصدر الإرهاب؟

نتعرف على الله أكثر بما أرسله لنا وخطابه إلينا

بداية أقرت الديانات السماوية في نصوصها كون متبعي كل دين هم خير أمة والنصوص عدة على ذلك منها«وَقَدِ اخْتَارَكُمْ مِنْ بَيْنِ شُعُوبِ الأَرْضِ كَافَّةً لِتَكُونُوا لَهُ شَعْباً خَاصّاً » تثنية 14/2، في آل عمران 110 « كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ »، والأفضلية دائما ما تدفع المفضل لأن يكون ذا وزن وقيمة بين أقرانه من البشر، ووسائل ذلك عدة منها التطرف.إلى جانب الأفضلية أتت بعض النصوص المحدثة عن العنف في الكتب السماوية جميعها، وهي الكثير ولكن سنأخذ منها بعض الأمثلة: ففي سفر إشيعاء«15كُلُّ مَنْ وُجِدَ يُطْعَنُ، وَكُلُّ مَنِ انْحَاشَ يَسْقُطُ بِالسَّيْفِ. 16وَتُحَطَّمُ أَطْفَالُهُمْ أَمَامَ عُيُونِهِمْ، وَتُنْهَبُ بُيُوتُهُمْ وَتُفْضَحُ نِسَاؤُهُمْ» وفي سفر صموئيل الأول 15 «2 هكَذَا يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ: إِنِّي قَدِ افْتَقَدْتُ مَا عَمِلَ عَمَالِيقُ بِإِسْرَائِيلَ حِينَ وَقَفَ لَهُ فِي الطَّرِيقِ عِنْدَ صُعُودِهِ مِنْ مِصْرَ. 3 فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ، وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً، طِفْلاً وَرَضِيعًا، بَقَرًا وَغَنَمًا، جَمَلاً وَحِمَارًا» وفي أنجيل لوقا 19:27 « أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي».وفي الإسلام في سورة البقرة 191 «وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قَاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذَلِكَ جَزَاءُ الْكَافِرِينَ» وفي الأنفال 65 « يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ».للوهلة الأولى وبقراءة سريعة للنصوص يمكن القول أن الله شرع الإرهاب ومصدرا له، فالنصوص باليهودية والمسيحية محرضة على العنف والنصوص الإسلامية كذلك والاثنان من الله .ولكن مع التمعن أكثر في سبب تلك الآيات وظهورها ربما يكون الأمر مختلفًا شيئا ما، وكذلك فلا يمكن قراءة النص دون النظر إلى الحادثة التاريخية والنصوص المرتبطة به في مواضع مختلفة، ففيما يتعلق بسفر إشعياء فإن السياق التاريخي لتلك الآيات المحرضة على العنف يأتي في إطار النبؤات المتعلقة بمملكة الشيطان «بابل» وتكبرهم على الله وتحديهم له، وما يثبت كون هذا الإصحاح عبارة عن نبوة أنه كتب قبل قيام بابل بـ 133 عام حيث كتب في العام 739 ق م وأسقطت بابل بالعام 538 ق م، وعليه فإن الآيات المرتبطة بالعنف في إشعياء ليست آيات تحريضية وإنما نوع من أنواع التنبؤ والعِظة.وأما عما جاء في صموئيل الأول بمحاربة عماليق فإن الأمر يرتبط بحادثة تاريخية ترتبط بشعب العمالة الذين كانوا يقيمون بجنوب فلسطين وكانوا مصدر إزعاج لبني إسرائيل وموسى الذي حاربهم، والنص هنا مرتبط فقط بمعاقبة من وقف أمام الله ودينه ذلك الوقت وليس على مر العصور.أما فيما يتعلق بما جاء في لوقا « أَمَّا أَعْدَائِي، أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِيدُوا أَنْ أَمْلِكَ عَلَيْهِمْ، فَأْتُوا بِهِمْ إِلَى هُنَا وَاذْبَحُوهُمْ قُدَّامِي» فالنص بصورة أسياسية وفي سياقه ضمن قراءة لـ لوقا كاملا يرتبط بمصير أعداء الله يوم القيامة كصورة رمزية، والحقيقة المعروفة أن نصوص المسيحية تستخدم في غالبيتها صور رمزية وأمثال.فيما يتعلق بالنصوص في القرآن، فكما أشرنا في المسيحية واليهودية إلى ضرورة قراءة النص في سياقه والنصوص المرتبطة به كذلك الأمر في الإسلام.ففي حديث الله سبحانه وتعالى للمؤمنين بقتال الكفار في سورة البقرة سبق الأمر بالقتال شرط أن يكون قتال المقاتلين المعتدين «وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين».وفيما يتعلق بما جاء في سورة الأنفال بتحريض المؤمنين على القتال، فإن تلك الآية تعد مباشرة تحريضا ولكن تحريضا على الجهاد ضد الكفار وتعريف الكافر في الإسلام له شروطه وضوابطه وكذلك الجهاد له مراتبه وشروطه وليس اعتباطيا، وقراءة النصوص والعمل بها دونما التعرف على تلك الشروط والمراتب أمر ليس من الدين في شيء ويحرمه الإسلام، وللاستفاضة في تلك النقطة قد سبق ووضحنا ذلك في مقال بعنوان «دولة تنظيم الدولة».ختاما: الله في رسائله لنا لم يدعُ إلى الإرهاب ولم يشرعه، ولكن القصور في فهم النصوص والتعرف على سياقها التاريخي يدفع البعض مسرعا إلى القول بأن الله مصدر الإرهاب.


ملاحظة:

ذكرنا للأمثلة السابقة ليس لوصم المسيحية بالإرهاب والدفاع عن الإسلام، أو عمل مقارنة بين أيهما أكثر إرهابًا أو أيهما أفضل كدين، كل ما في الأمر أننا قبل الإجابة على سؤالنا الأساسي أردنا أن نعرفك عزيزي القارئ إلى أنه كما أن هناك جماعات إرهابية تنتمي للإسلام هناك أيضا جماعات دينية ترتبط بالمسيحية واليهودية.