قبل بدء عرض المسلسل المنتظر «ما وراء الطبيعة» على منصة نتفلكس، المأخوذ عن سلسلة روايات كتبها دكتور أحمد خالد توفيق تحت نفس الاسم، كتب عمرو سلامة بوست نشره على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي فيس بوك مضمناً إياه قواعد صارمة للمشاهدين يجب أن يتبعوها لمشاهدة المسلسل، منها مثلاً أنهم حتى يستمتعوا بالإضاءة والتصوير والمؤثرات يجب أن يشاهدوا المسلسل في إضاءة خافتة وعلى شاشة كبيرة، ويفضل أن يشاهدوه ليلاً، أيضاً أوصى بعدم تناول الطعام والشراب أثناء المشاهدة، وعدد آخر من التوصيات، التي هي بالمناسبة مشروعة جداً وذكية، ولكنه لم يكن موفقاً في طريقة عرضها على الجمهور.

بسبب هذا البوست أصبح عمرو سلامة حديث منصات التواصل الاجتماعي والتريند الجديد في إطلاق النكات قبل ساعات من موعد عرض عمله المنتظر، ولذلك فقد كانت الانتقادات لاذعة لكل العيوب التي وجدها المشاهدون في العمل، رغم أنه من المفهوم بداهة أنه لا يجب لأي عمل أن يكون كاملاً، ولكن عمرو سلامة ساهم في تضخيم عيوب العمل في عيون منتظريه، لأنه تحدث معهم بفوقية في البداية وكأنه منزه تماماً عن ارتكاب الأخطاء.

المعالجة والاقتباس

مبدئياً فإن الحديث عن «تحويل» العمل المكتوب إلى عمل مرئي يجب أن يتضمن اعترافاً أن الاثنين ليسا نفس الشيء، وأنه لا يجب للعمل المرئي أن يكون نقلاً للسطور على الشاشة، ومن حق صاحب الرؤية الدرامية والمخرج أن يستخدما تكنيكات تساعدهما على إعادة تخليق الحدوتة بإطارها العام، ولكن بتفاصيل وزوايا ورؤية مختلفة عن العمل الأصلي، هذا ليس لزاماً لكل الأعمال التي تتحول من المكتوب إلى المرئي، وهناك أعمال كثيرة تحولت من رواية للسينما أو التليفزيون مع الالتزام حتى بالتفاصيل، ولكن الأغلب أن التغيير يطول للكثير من التفاصيل حتى ينتقل العمل من سطور الأوراق إلى الشاشة، هذا مفهوم وطبيعي ومقبول، ولا يمكن اعتباره عيباً أبداً.

وقد حدث أن قام عمرو سلامة بدمج شخصيات وإعادة هيكلة للأساطير الخمسة التي استخدمها في المسلسل، ما كان مستغرباً هو ابتعاده عن قلب السلسلة الأساسي في بعض المناطق، فمثلاً في أسطورة النداهة، ورغم البناء الدرامي الجذاب للحلقة، فإنه أصَّل للأسطورة ولم يهدمها، أثبتها تماماً في حين أن أصل الرواية كان هدماً للأسطورة، وبشكل عام كانت مغامرات رفعت إسماعيل هدماً لأساطير على الأغلب، فكان مستغرباً من المشاهد لماذا يصنع عمرو سلامة مسلسلاً عن مجموعة روايات قائمة على مبدأ معين، ويقتبس الإطار العام للأسطورة والكثير من تفاصيلها، ثم يحولها لنقيض الأصل تماماً!

تلك هي رؤيته، وهو حر تماماً فيما يجب أن يفعله، ولكن إذا تقبلنا أن يفعل ذلك في الأحداث، فإنه لم يكن من المستساغ أبداً للكثير من الجمهور أن يفعل ذلك مع بطل السلسلة نفسه ويحوله إلى نقيضه ويحقق كابوسه الخاص بأن يصبح «جعلوه فانجعل»، ويمكنك أن تتفهم أكثر ما المقصود بتحويل رفعت إسماعيل إلى نقيضه لو ضغطت على هذا الرابط.

بشكل عام كانت معالجة النص ليصبح درامياً مقبولة، ليست رائعة وليست محكمة، ولكنها كانت مقبولة ومفهومة لمن قرأ السلسلة، أما من لم يقرأها فقد أقحمه عمرو سلامة في الأحداث بعنف دون أن يحضِّره لأي شيء، القراء يعرفون من هو رفعت إسماعيل وماذا يعمل ولماذا يبدو في الستين من عمره رغم أن المسلسل يبدأ بإتمامه أربعين عاماً، ولكن المشاهد الجديد لا يعرف، ولم يحدث أن أفهمه عمرو سلامة أي شيء، الأمر يبدو كأن أحدهم اقتحم مجلساً فجأة فالتقط خيط الحديث من المنتصف ولم يهتم أحد بإخباره عن أصل ما يتحدثون عنه.

اقرأ أيضًا: أسطورته: الحوار الأخير في حياة رفعت إسماعيل

الشخصيات والتمثيل

كنا جميعاً ننتظر أن نرى رفعت إسماعيل متجسداً على الشاشة، وقد نجح أحمد أمين تماماً في فعل ذلك، تقمص شخص رفعت ببراعة، رفعت الذي كتبه عمرو سلامة، وليس رفعت صديقنا العتيد، فإذا تجاهلنا ما فعله عمرو سلامة في شخصية رفعت ونظرنا لأحمد أمين بمنأى عنه، فسنجد أنه بذل مجهوداً حقيقياً ويجب أن يحترم تماماً في تجسيد الشخصية، فأنت لم ترَ أحمد أمين أبداً في أي لقطة، نظرات العينين وانحناءة الكتفين، وحتى حركة أصابعه وهو يشعل السيجارة، هذا ليس جسد أحمد أمين، هناك روح مختلفة بداخله أسبغت على الجسد صفات شخصية رفعت المكتوبة، فجعلتك تنسى تماماً أن هذا هو الممثل الكوميدي الذي اعتدت أن تراه يضحك ويتحرك بحرية ويلقي الإفيهات، أحمد أمين كان أهم غنائم المشاهد التي اغتنمها من المسلسل.

باقي الشخصيات كانت موفقة إلى حد كبير مع الاتفاق على أنها شخصيات عمرو سلامة، خاصة رئيفة، قامت الممثلة سماء إبراهيم  بالدور ببراعة، المرأة المثقلة بالمسئوليات المتكلمة “المدردحة” برقي، كانت رئيفة جميلة وطبيعية وجيدة جداً، أيضاً هويدا التي قامت بدورها آية سماحة كانت مناسبة تماماً، أما رزان جمال التي قامت بدور ماجي، والتي كان يتخوَّف قارئو السلسلة منها، فقد كانت أفضل مما توقع الجميع، المشكلة الوحيدة في الشعر المستعار الذي كان واضحاً جداً أنه باروكة، رغم أن تقنيات الشعر المستعار في العالم تفوقت جداً، ولكننا لا نفهم سر سوء الباروكة المستخدمة في المسلسل، أما الطفلة التي كانت تقوم بدور شيراز فقد كانت اكتشافاً جميلاً، خاصة في المشهد المحوري لقصتها، الذي حاصرتها فيه النيران.

كنا ننتظر أن نرى شخصياتنا المفضلة بتفاصيلها خارجة من صفحات الروايات إلى الشاشة، فقدم لنا عمرو سلامة شخصيات أخرى تحمل أسماء من عرفناهم من قبل فقط، ولكنها لم تكن خبرة سيئة بشكل عام، فقط علينا أن نفصل تماماً بين أصل الشخصيات وبين من رأيناهم على الشاشة.

أطفئوا الأنوار

بعد مشاهدة المسلسل تفهَّم المشاهدون لماذا أكد عليهم عمرو سلامة أن يطفئوا الأنوار ويستخدموا شاشة كبيرة، فالإضاءة والتصوير والمواقع التي تم التصوير فيها مع الموسيقى التصويرية لخالد الكمار كانت أهم وأجمل عناصر العمل، طبعاً وجد المشاهد الذي طلب منه عمرو سلامة أن يدقق بعض الأخطاء في التفاصيل، كمواسير صرف تظهر في أحد المشاهد لم تكن مستخدمة في حقبة الستينيات، وكخطأ طبي في عملية إنعاش قلبي، ولكن بشكل عام كانت الصورة جيدة جداً، الديكورات كانت أكثر من رائعة، وتيمة ظهور شيراز الموسيقية كانت حزينة وحالمة وتقطر حنيناً كما كان يجب أن تكون تماماً.

المشكلة التي لا يمكن إغفالها أبداً أن التركيز مع الصورة سوف يحيلك إلى التركيز مع المؤثرات البصرية، والتي كانت كارثية بكل المقاييس المتعارف عليها، فحلقة العساس مثلاً كانت مثيرة للضحك على كل المستويات، بدءاً من العساس الذي أصبح بقدرة قادر كينج كونج عادياً جداً، مروراً بالأشلاء الكارتونية لضحاياه في الصحراء، وصولاً لطريقة تحريكه الساذجة جداً، وكأنك تشاهد كينج كونج في نسخته القديمة عندما كان فن الجرافيك ما زال طفلاً، طفلاً صغيراً يشبه «البيبي عساس» الذي ظهر في أحد مشاهد الحلقة.

كل الوحوش التي ظهرت في المسلسل لم يكن تنفيذها متقناً أو حتى جيداً، خاصة إذا ما أخذنا في الحسبان أننا نتحدث عن إنتاج نتفلكس الذي من المفترض أن يكون ضخماً، لم يكن فيما رأيناه أي ضخامة على الإطلاق.

بشكل عام المسلسل لا يعتبر سيئاً أبداً، ربما يخذلك في الكثير من المواضع خاصة السيناريو المتخبط قليلاً والحوار الذي لم يكن بذكاء وخفة الحوارات التي اعتدتها في قراءتك للسلسلة، ولكنه محاولة أولى معقولة، نتمنى فقط أن يكون هذا موسماً تجريبياً، وتكون المواسم القادمة أفضل، ونتمنى أن يكون هناك مواسم قادمة أصلاً، فيكفي أن حلم الرجل الذي ظل أكثر من عشرين عاماً يكتب ولم يلتفت له سوى قرائه تحقق، وأن هناك أناساً حول العالم يرون عملاً مأخوذاً عن «شقا عمره»، هذا فقط يكفي، لو لم يكن من وجهة نظر نقدية، فعلى الأقل من وجهة نظر عاطفية.