مقاتلو المعارضة السورية المدعومين من تركيا يقتربون من مدينة الباب السورية، وستجري عملية تطهير للمنطقة من مقاتلي (داعش) قريبًا

بن علي يلدرم، رئيس الوزراء التركي، الثلاثاء 15 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي

قدمت تركيا في الأشهر القليلة الماضية بديلًا قادرًا على محاربة تنظيم الدولة وتقويضه في معاقله خلاف الأكراد. خطوة صبت في المصلحة التركية الداخلية والخارجية. فداخليًا، قللت من فرص أكراد الجنوب التركي الحالمين بالحكم الذاتي. وخارجيًا، وضعت تركيا قدمًا في أزمات المنطقة ما يؤهلها مستقبلًا لأن تكون جزءًا من الحل، بما يحفظ لها مصالحها الدولية والإقليمية.ولعل ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز الفائت، قد شهدت ميلاد هذا الوعي لدى صناع القرار في أنقرة، وهو الذي دفعهم للبحث بجدية واستقلالية (ولو جزئية) عن مصالحهم، دون الاكتراث بمواقف الحلفاء الغربيين والأمريكيين، فكانت عملية «درع الفرات».


تركيا: في طريقها للبحث عن المنطقة الآمنة

تجمعت القوات المشاركة في العملية في منطقة داخل تركيا، على الحدود الجنوبية، ليتم الإعلان عن بدء العملية في الرابع والعشرين من أغسطس/آب الماضي. بهجوم عنيف على مدينة جرابلس السورية الشمالية، والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية منذ دخولها في يناير/كانون الثاني 2014.العملية البرية سبقها هجوم عنيف بالمدفعيات وسلاح الجو التركيين، الأمر الذي أضعف من قدرات التنظيم على الأرض، ما سهل تقدّم المعارضة بريًا، قبل سيطرتهم على المدينة بأكملها.جرابلس، الواقعة غرب الفرات، شكلت أهميةً استراتيجيةً جعلتها الهدف الأول لتركيا. فسقوطها بيد قوات سوريا الديمقراطية، التي تشكل وحدات حماية الشعب الكردي عمودها الفقري، كان سيتيح للمقاتلين الأكراد وصل حزامهم المطوق لتركيا من الجنوب، الذي سيعزلها عن عمقها العربي؛ لاسيما وأن قوات سوريا الديمقراطية كانت قد فرضت سيطرتها سابقًا على مدينة عفرين في الشمال الغربي السوري.الأهمية الاستراتيجية الأولى لجرابلس كما ورد على لسان فكري إيشيق، وزير الدفاع التركي، تمثلت في منع الأكراد من الربط بين ضفتي نهر الفرات؛ إذ تبخرت التطمينات الأمريكية لتركيا، التي تعهدت بتراجع وحدات حماية الشعب الكردي من مدينة (منبج) بعد هزيمة تنظيم الدولة في المدينة، وضمت الوحدات المدينة لسيطرتها ولم يكن أمامها سوى جرابلس والشريط الحدودي (غرب جرابلس) الذي بقي بحوزة التنظيم، ومن ثمّ يتصل شرق الفرات بغربه، وتتصل عين العرب كوباني (شرقًا) بعفرين (غربًا).المرحلة الثانية من درع الفرات وتهدف لإنجاز عملية فصل نهائية بين تنظيم الدولة وكامل الحدود التركية الجنوبية، حيث يسيطر التنظيم على الشريط الحدودي غربي جرابلس، حتى بلدة الراعي، وقد فرضت المعارضة سيطرتها عليها بالفعل مطلع أغسطس/آب الماضي.هذه المرحلة، اعتُبرت الأهم لأنه بنجاحها تشكلت نقاط ارتكاز للمعارضة تنطلق منها للداخل السوري، في عملية تحدي لكل من تنظيم الدولة و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي (وذراعه المسلح «وحدات حماية الشعب YGP»).المرحلتان، الأولى والثانية، تكللتا بالنجاح؛ أُبعد التنظيم، وقُطع وصل الكرد، وبدأ المسئولون الحكوميون الأتراك يتحدثون عن معركة الباب.


تركيا تطرق «الباب»، فهل يُفتح لها؟

التكهنات بالمسار الجديد لقوات التحالف لم تدم طويلًا. جاءت تصريحات كبار المسؤولين الأتراك لتعلن أن مدينة «الباب» هي الوجهة القادمة لعملية درع الفرات، والمحطة الثالثة لتحالف المعارضة.وتُمثل المدينة (التي تشهد ضواحيها معارك طاحنة) أهميةً استراتيجيةً كبيرة لتنظيم الدولة، وتُعتبر بالنسبة لهم همزة الوصل بعاصمة التنظيم في سوريا (مدينة الرقة) أو الباب إليها، كما أن طريق التحالف إليها لم يكن إلا بالمرور ببلدة «دابق»، ذات الرمزية الدينية الكبيرة لدى أفراد التنظيم، وقد دانت بالفعل لقوات درع الفرات قبل أيام. لتنظيم الدولة كذلك ثلاثة مراكز تدريب بالقرب من «الباب»، بسقوطها تنكشف ويسهل القضاء عليها.الأهمية الاستراتيجية لتحالف درع الفرات تكمن ابتداءً في تأمين المناطق المحررة من الشمال السوري في المرحلة الثانية من العملية، وهي التي لن تكون بمأمن طالما تواجد التنظيم في محيط مدينة «الباب»، ناهيك عن اعتبارها المدخل لتحرير مدينة الرقة عاصمة التنظيم.الإشارة السياسية التي أردات تركيا تقديمها للحلفاء الدوليين، أنها بالإقدام على استعادة «الباب» من داعش، تعطي أولويةً في حربها شمالي سوريا لدحر التنظيم على هزيمة «قوات حماية الشعب YGP» الكردية، فكان منطقيًا أن يتجه التحالف صوب منبج، جنوبي جرابلس (المنضوية تحت سيطرته من المرحلة الأولى)، لكنه آثر دحر التنظيم من مدينة الباب، بطرق أبوابها.من المحتمل تفسير ذلك أيضًا برغبة التحالف التركي في حصار الأكراد في منبج، لإجبارهم على التراجع شرق الفرات، دون قتال. لاسيما وأن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في تصريح له الشهر الماضي، أكّد على اعتزام درع الفرات اقتحام منبج بُعيد الباب، لإنهاء التواجد الكردي غرب الفرات.


المآرب التركية من درع الفرات

أعلنت تركيا منذ اللحظات الأولى لبدء العملية، أنها تسعى لحماية حدودها الجنوبية من تنظيم الدولة الإسلامية، وهو الذي أحرز تقدمًا في مناطق الشمال السوري في فترات سابقة. وأعلنت بالتزامن مع هذا سعيها لتقويض حزب الاتحاد الديمقراطي، الذراع السوري لـ «حزب العمال الكردستاني PKK» في تركيا. وقطع الصلة بين أكراد الشرق (عين العرب، كوباني)، وأكراد الغرب (عفرين).أهداف أخرى (ثانوية) سوّقت لها الإدارة التركية، كرغبتها في منع المزيد من عمليات النزوح الجماعي للمدنيين، بإنشاء منطقة آمنة شمالي سوريا. كذلك رغبتها في إيصال المساعدات الإنسانية للمدنيين.الأهداف التي تفهّمتها القوى العالمية الفاعلة، على وجه الخصوص روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية، وبالفعل كانت الولايات المتحدة حاضرة في المرحلتين الأولى والثانية من درع الفرات، بغطائها الجوي متمثلًا في الطائرات بدون طيار، ومستشاريها العسكريين.


أبرز التحديات في الطريق التركي

التحالف الدولي لا يدعم العملية الحالية التي تقودها القوات التركية، مع فصائل سورية معارضة، على التنظيم في مدينة الباب شمالي سوريا.
جون دوريان، المتحدث العسكري الأمريكي في العراق وسوريا

ولعل أبرز التحديات تكمن في استمرار التوغل (التركي) في الداخل السوري، فتفاهم الدول الكبرى مع أهداف تركيا في السيطرة على الشريط الحدودي، لن ينسحب على استمرار المعارك جنوبًا. سيتضارب بالطبع مع الأغراض الروسية، المتمثلة في دعم النظام السوري، وكذلك مع الأكراد (الحلفاء الميدانيين للولايات المتحدة)، فما تزال الأخيرة متأرجحةً بين دعم الأكراد والتفاهم مع تركيا، في انتظار تفاهمات الإدارة الأمريكية الجديدة.واحدة من أبرز التحديات التي تواجه تركيا كذلك، هي وحدة الصف المعارض، الذي انضوى مؤخرًا تحت قيادتها. فالفصائل كثيرة وبينها عداوات ميدانية وخلافاتٌ جوهرية، يمكن أن تطفو للسطح في أي مناسبة، مهددةً استمرار التحالف على حالته الآنية.الداخل التركي كذلك يشكل رقمًا صعبًا في المعادلة. فحصار أكراد سوريا من شأنه إعاقة المساعي السلمية لاحتواء أزمات أكراد الداخل التركي المتفاقمة، لاسيما وأن الوضع الداخلي التركي يشهد انقسامًا حادًا في هذا الصدد، ويشهد كذلك اعتقال رئيس حزب الشعوب الديمقراطي صلاح الدين دميرطاش (الذراع السياسية لأكراد تركيا).تنظيم الدولة في الأيام الأخيرة لم يعد لديه ما يخسره؛ الموصل محاصرة، أنباءٌ تتردد بشأن تطهير الرقة من عناصره، كل هذا من شأنه أن يدفعه للقتال في الداخل التركي، الذي يعاني أصلًا من هجمات انتحارية ينفذها انفصاليون أكراد، وسيكون الأمر معقدًا على الحكومة في أنقرة.أبرز ما يمكن الخلوص إليه في هذا الصدد، في ظل معارك ضارية تدور حول مدينة الباب الاستراتيجية، لكل من تركيا وتنظيم الدولة وقوات حماية الشعب الكردية، أن الموقف الأمريكي متضارب بشأن سوريا. وهو ما سمح لروسيا بالتمدد هناك. أمريكا لم تحسم قرارها بشأن الحلفاء هناك، أتريد تركيا أم حزب الاتحاد الديمقراطي؟ بانتظار دونالد ترامب، الذي يبدو للوهلة الأولى متسامحًا مع روسيا وتركيا!تركيا كذلك تشهد تغيرًا كبيرًا في آلية عملها على الساحة الدولية، مستندةً إلى التغيرات الإقليمية والدولية، متخذةً من ليلة الخامس عشر من يوليو/تموز مرتكزًا تُحالف وتُعادي عليه، ولعل عملية درع الفرات أبرز هذه التغييرات. وأدلّها على الدور الإقليمي المتنامي لتركيا، في انتظار ما تسفر عنه معركة الباب.

المراجع
  1. عملية درع الفرات.. الأسباب والتحديات المستقبلية-الجزيرة نت
  2. المرصد السوري لحقوق الإنسان
  3. معركة «درع الفرات».. الأهداف والصعوبات-أورينت نت
  4. إلى أين تتجه عملية «درع الفرات» التركية؟
  5. معركة الباب: أهميتها وأبعادها-دام برس