الوضع في سوريا يتجه نحو التعقيد لا الحل، لذا فالمكسب الجيد حاليًا هو الخروج منه بأقل الخسائر. الولايات المتحدة تؤمن بذلك، لذا تجد خطتها البسيطة تتكون من خطوتين. اقض على تنظيم «الدولة الإسلامية»، ثم اسحب جنودك. هكذا أعلنها الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب» في مطلع يناير/آذار الماضي. شدد على ضرورة سحب قواته من سوريا بأسرع ما يمكن. القوات الأمريكية المذكورة تتكون من 2000 جندي، متوزعةً على 20 قاعدة أمريكية في شرقي الفرات. لا تشارك تلك القوات في أي اشتباكات مباشرة، استشارات وضربات جوية فحسب.

خروج الولايات المتحدة يعني فرصةً لعودة جنود تنظيم الدولة إلى الأرض، كما يعني أن الولايات المتحدة ستعرض نصيبها من الأراضي السورية لخطر سيطرة إيران وروسيا ومن يتبعهما. لذا حذر العديد من كبار مستشاري ترامب من سحب الجنود. عاد ترامب ليتساءل في الأيام الماضية مستنكرًا لماذا لا تتدخل دول أخرى في سوريا بدلًا من الولايات المتحدة، وخص منها دول الخليج الغنية.تقول صحيفة «وول ستريت جورنال» إن الخطة الذي توصل إليها الصقر الجديد في إدارة ترامب «جون بولتون» لتحقيق سحب القوات مع الحفاظ على المكاسب هي تكوين قوة عربية تحل محل القوات الأمريكية. القوة المنشودة تريدها الولايات المتحدة لسبب محدد، العمل المشترك مع الأكراد والمقاتلين المحليين المدعومين أمريكيًا. ولمحت الصحيفة أن الضربة الثلاثية، التي وُجهت للنظام السوري إثر استخدامه للأسلحة الكيماوية، هى جزء من تلك الخطة.

اقرأ أيضًا:ترامب يخطط للحرب العالمية: 3 تغييرات تشرح لك


بولتون لا يسأل، بل يأمر

مستشار الأمن القومي الجديد «جون بولتون»

الصحيفة تذكر أن بولتون تواصل هاتفيًا مع رئيس المخابرات المصرية الحالي بالإنابة «عباس كامل». الاتصال كان سؤالًا واحدًا، هل تسهم القاهرة في هذه الخطة أم لا؟ وإذا لم تكن راغبة فعليها المساهمة بتدريب المقاتلين السوريين في أراضيها أولًا، أو بدعمهم لوجيستيًا. ليست القاهرة وحدها من طُلب منها، تواصلت إدارة ترامب مع المملكة السعودية، وقطر، والإمارات. طلبت الإدارة من الدول الثلاث نفس ما طُلب من القاهرة، وزيد عليه المطالبة بالإسهام بمليارات الدولارات لإعادة إعمار شمالي سوريا.نقلت الصحيفة أيضًا عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي رفضه التعليق حول دعوة بولتون لكامل، لكنها لم تنقل عنه نفيه إجراء المكالمة من عدمه. لكن مسئولين آخرين صدّقوا على أن المكالمة قد جرت بالفعل، وأن الإدارة قد تواصلت بالفعل مع دول الخليج لطلب الدعم المالي ولحثها على الإسهام بشكل أوسع.عقب «تشارلز ليستر»، باحث بريطاني في شؤون الجماعات الجهادية، بأن تجميع مثل هذه القوة سيكون أمرًا عسيرًا. السعودية والإمارات متورطتان بالفعل في اليمن، ومصر مترددة في الدفاع عن الأراضي التي لم تكن خاضعةً لسيطرة الأسد. كما أردف أنّه في حال سحب الولايات المتحدة قواتها من هناك، فإن الدول العربية لن ترسل قواتها إلى هناك. الحل في رأيه أن تبقي الولايات المتحدة بعضًا من جنودها ليشعر العرب بالأمان لإرسال جنودهم.لا يشاركه المسئولون الأمريكيون هذا التشاؤم، بل يضعون كثيرًا من الأمل على تلك الخطة، خاصة بعدما استجابت السعودية لطلب ترامب بدفع 4 مليارات دولار من أجل استعادة المناطق التي تسيطر عليها «الدولة الإسلامية». ويتوقعون أن ترد الدول العربية بصورة إيجابية على هذه الخطة.

اقرأ ايضًا:فورزا أمريكا: سيناريوهات ترامب في سوريا

استخدام المسئولين لصيغة التمني والتخمين لا يعني أن الدول المذكورة لها حق عدم الاستجابة لهذا الطلب. إذ عاد ترامب في 8 أبريل/نيسان الحالي ليكرر شكواه بخصوص النفقات الأمريكية الضخمة التي تُدفع في المنطقة. كانت شكواه أثناء اجتماعه مع فريق الأمن القومي وقادة عسكريين لمناقشة ذات القضية، الانسحاب الأمريكي العاجل من سوريا.وترى الصحيفة أن ترامب قد يلعب على وتر إيران لابتزاز الخليج عامةً والسعودية خاصةً على دفع الفاتورة. قيمة الفاتورة سيحددها ترامب كما أوضح هو حين قال، إنه إذا كانت السعودية ترغب في بقاء القوات الأمريكية في سوريا فعليها إذن أن تدفع الفاتورة.


بكل الحب، موافقون

نطوي الآن صحيفة «وول ستريت جورنال» لنرى رد الفعل العربي.السعودية كانت سباقةً للرد كما توقع ترامب. في 17 أبريل/نيسان الحالي أعلن وزير الخارجية «عادل الجبير» في مؤتمر صحفي أن المملكة مستعدة لإرسال قوات سعودية إلى الأراضي السورية. وأنها يمكنها أن تقبل بإرسال قواتها ضمن إطار تحالف أوسع إذا تم اقتراح ذلك.الجبير قال إن عرض إرسال قوات إلى سوريا ليس جديدًا، بل قدمته المملكة من قبل إلى الرئيس السابق «باراك أوباما» لكن رفضته الإدارة الأمريكية. ورد على تصريحات ترامب بشأن الفاتورة قائلًا، إن المملكة دائمًا ما دفعت نصيبها من الحمل.

الإمارات شاركت السعودية موقفها. أعلنت أنها دائمًا ما أرادت إرسال قواتها إلى سوريا لكن العائق كان رفض أوباما. كما أكدت أنها سترسل قواتها فور تأكدها من وجود خطة محكمة وناجعة لاستفادة منهم. وتقاطعت السعودية والإمارات في التأكيد على أن وجود قواتهم في سوريا مرهون بوجودهم جنبًا إلى جنب مع القوات الأمريكية.الحماس لإرسال قوات إلى سوريا يتماشى مع ما أعلنه «محمد بن سلمان»، ولي العهد السعودي، في ديسمبر/كانون الأول 2015 من تشكيل «التحالف الإسلامي العسكري». التحالف كما ذكر بن سلمان مستعد لأن يجوب العالم الإسلامي بالكامل لمقاومة الإرهاب.لكن المعضلة التي تواجهها القوات السعودية والإماراتية هنا أن مشاركتها في حرب اليمن لا تبشر بنتائج جيدة حال مشاركتها في سوريا. حرب البلدين في اليمن كانت جويةً في أغلبها، ومع هذا لم تحقق فيها البلدان نتائج جيدة على الأرض. أما في سوريا فالمطلوب قوات برية للقتال وجهًا لوجه في أرض جديدة تفيض بالفصائل التي تحفظ جغرافيتها منذ سنوات، وتعج بالسلاح المتطور.أما مصر فقد نفت بالكامل ما ورد في تقرير الصحيفة. مصر عامةً ليست من هواة نشر جنودها في الخارج. لعل آخر عملية قامت بها القوات المصرية كانت عام 1991، حين أُرسل أكثر من 30 ألف جندي للانضمام تحت اللواء الأمريكي في حرب الخليج. كما أن الحكومة المصرية الحالية رفضت طلب السعودية، حليفها الأقرب، لإرسال قوات إلى اليمن.كما أن اهتمام الجيش المصري يتوزع حاليًا على محورين، في الشرق تجد العملية الشاملة في سيناء، وفي الغرب تجد الحدود الليبية التي يحرص الجيش على تأمينها بصورة مكثفة.

الحرب للعرب والغنيمة لترامب

جون بولتون، مستشار الأمن القومي
جون بولتون، مستشار الأمن القومي

هذه ليست المرة الأولى التي يظهر فيها مُسمى الجيش العربي أو الجيش الإسلامي كبديل للجيش الأمريكي في المناطق المستعصية. في مارس/آذار الماضي ظهرت في الرسائل المسربة من البريد الإلكتروني لـ «إليوت بيردواي»، كبير مانحي حملة ترامب، للمرة الأولى. بيردواي قال إنها أتت كنصيحة من الجنرال المتقاعد «ستانلي ماكريستال» كوسيلة لمحاربة طالبان والدولة الإسلامية في أفغانستان.

الخطة الوليدة تلقى قبولًا من «إيريك برينس»، مؤسس شركة «بلاك ووتر»، شبه العسكرية. الرجل هو من أنشأ للإمارات حراساتها الخاصة، كذلك يعتبر هو من كون جيش الصومال. كما صرح بأن قادة عرباً تواصلوا الإثنين 16 أبريل/نيسان الحالي بخصوص إنشاء قوات عربية خاصة في سوريا.لكن أتدري أين تكمن السخرية، أن توافق مصر ودول الخليج ثم يرفض الأكراد. يتملك الأكراد حاليًا شعور عميق بأن الولايات المتحدة خانتهم إذ لم تحمهم من الهجوم التركي، ثم الآن تتخلى عنهم في سوريا. كما أن كثيرًا من الجماعات التي قاتلت الأكراد في السنوات الماضية كانت مدعومةً من دول الخليج، فكيف يبتلع الأكراد اليوم واقع أن عليهم المقاتلة مع دول الخليج في صف واحد.