دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي المنتخب، يصرح: «بوتين قائد قوي، وهو أفضل من أوباما»، الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعرب عن استعداده لتطوير العلاقات مع الولايات المتحدة، وكالة الاستخبارات الأمريكية تعلن تورط روسيا في الانتخابات الرئاسية الأمريكية بدعمها لـ«ترامب»، أمرٌ يُقابل باختيار ريكس تيلرسون الصديق لبوتين وزيرًا للخارجية بالإدارة الأمريكية الجديدة.

هكذا توالت الأنباء معلنةً أبرز معالم التوافق الروسي الأمريكي المرتقب في عهد كل من ترامب وبوتين، وما بين هذا وذاك بدأت الصحف ومراكز الأبحاث الإسرائيلية تناوُل هذا التوافق، مسلطةً الضوء على المخاوف الأمنية، وما سينجم عنه من الإضرار بمصالحها، خاصةً فيما يتعلق بسوريا وفلسطين. بينما أشار البعض إلى المكاسب التي ستجنيها إسرائيل منه، وفرصها لتحقيق ما لم تستطع القيام به في ظل إدارة الرئيس المنتهية ولايته باراك أوباما.

في هذا السياق نستطلع خلال التقرير أبرز المخاوف والفرص الإسرائيلية، من جراء هذا التقارب.


الهواجس الإسرائيلية: تداعيات التقارب على الأمن القومي

http://gty.im/611274248

تنبع المخاوف الإسرائيلية من عدد من الأسباب؛ أولها، القلق من رغبة الطرفين في الاتفاق للمحافظة على المصالح العليا بين واشنطن وموسكو، الدولتين الكبرتين، فيما أن إسرائيل هذه الدولة الصغيرة قد لا يكون لها تأثير بالاتفاقيات بينهما، وعلى رأسها الأوضاع بالشرق الأوسط.

ويكمن السبب الثاني في أن الاتفاق بينهما على جملة من القضايا الكبيرة حول العالم قد يشغلهما عن التفكير بإسرائيل، بالإضافة إلى تبعات هذا على مستقبل الأوضاع بالأزمة السورية، حيث يسلم ترامب بسيطرة بوتين على الوضع في سوريا، مما يثير المخاوف حول تعاظم النفوذ الإيراني، وإعطاء الفرصة لـ«حزب الله» لبناء قوته استعدادًا للمعركة القادمة مع إسرائيل.

وقد زاد من حدة هذه المخاوف التطورات الأخيرة بسوريا عقب سيطرة النظام على حلب بفضل الدعم العسكري الروسي له، وإجلاء المعارضة، وتوصل الجانبان الروسي والتركي مؤخرًا لوقفٍ شامل للعمليات العدائية، تهميدًا لعملية سياسية تنطلق أواخر يناير الجاري/كانون الثاني الحالي في مدينة أستانا، بين النظام والمعارضة.

اقرأ أيضًا:هل يصمد اتفاق وقف إصلاق النار بسوريا؟

وهنا يسود القلق من أن إخراج المعارضة المسلحة من حلب قد يشجع بشار الأسد -بدعم من ايران- على التوجه نحو الجنوب السوري للسيطرة على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وهو ما يرجح احتمال نشوب قتال بينهما بالقرب من الحدود في هضبة الجولان، مع إمكانية إمتداده إلى داخل الحدود الإسرائيلية!.

كما تثار هواجس أخرى تتعلق بإمكانية التصادم بين سلاحي الجو الروسي والإسرائيلي في ظل عدم دقة الضربات الروسية، وهو ما سبق أن تحقق بالفعل قبل عدة أشهر فقط عندما اخترقت طائرة روسية بدون طيار الأجواء الإسرائيلية، كما أن إرسال روسيا للطائرات الحديثة المزودة بآخر طراز من صواريخ الجو جو، سيحد من قدرة إسرائيل على ضرب شحنات الأسلحة الخاصة بـ«حزب الله».

كذلك تبدي الحكومة الإسرائيلية بعض الاعتراضات على الاتفاق الروسي التركي حول تحديد المقصود بالإرهابيين، إذ تصرّ على أن الميليشيات التابعة لإيران، وخاصة «حزب الله»، هي مجموعات إرهابية مثل «النصرة والقاعدة وداعش»، وأن أي حل في سوريا، لا بد أن يقضي أيضًا باخراجها من الأراضي السورية، وهو ما لم يتضمنه الاتفاق. وهكذا تنظر إسرائيل إلى تطورات الأوضاع بسوريا من منظور تنامي قوة طهران وإنعكاس ذلك كله على أمنها القومي.

اقرأ أيضًا:وقف إطلاق النار في سوريا: لماذا بدأ الروس جني الثمار مبكرًا؟


هل حقًا سيضر التقارب بإسرائيل؟

بُعيد استعراض هذه المخاوف الإسرائيلية، تُرى هل هذا التوافق بين الرئيسين سيؤثر سلبًا بالفعل على مصالحها بالمنطقة؟، وهل حقيقيٌّ أنه سيشغلهما عن خدمة إسرائيل والحفاظ على تفوقها الإقليمي، أم أنه سيصب في النهاية في صالحها؟

في هذا الإطار، يمكن القول إن معظم المؤشرات تدل على أن هذا التوافق بين ترامب وبوتين سيصب في النهاية في خدمة إسرائيل، وهو الأمر الذي يمكن تدعيمه بعدد من العوامل:

أولًا: التحالف والاستيطان والمكانة الدولية

http://gty.im/466697448

توجد العديد من الفرص التي يمكن لإسرائيل الاستفادة منها من وراء هذا التحالف، فيما يخص العملية السياسية مع الفلسطينيين ومشروعها الاستيطاني التوسعي، حيث أشارت صحيفة «هآرتس» مؤخرًا إلى أن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يستطيع توظيف هذا التحالف في الحصول على تنازلات هائلة من كلا الرئيسين، من خلال مساعدة ترامب على تسويق تحالفه مع بوتين بالداخل الأمريكي، وأنه في المقابل سيحصل على موافقة الطرفين في ضم التجمعات الاستيطانية الكبرى.

كما لا يوجد أدنى شك في موقف ترامب ودعمه الواضح لإسرائيل وانحيازه لها، هذا فضلًا عن تعهده بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وممارسته الضغوط على الحكومة المصرية لتأجيل التصويت في مجلس الأمن على مشروع قرار يطالب بوقف الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية.

اقرأ أيضًا:القاهرة تتلاعب بالأمم المتحدة وتسحب مشروعها لوقف الاستيطان

ولم يكن هذا الدعم لإسرائيل فيما يخص الاستيطان فقط من قبل ترامب، إذ شاركته في هذا موسكو، والتي حاولت بدورها تأجيل التصويت على القرار، حسبما صرح نائب السفير الروسي لدى إسرائيل ألكساندر دوبروفين.

أما فيما يخص مخاوفها الخاصة بمكانتها الدولية، فقد أشارت «هآرتس» إلى أنه حين يتضح لزعماء العالم أن نتنياهو هو من يؤثر على ترامب، فإن هذا سيعزز مكانة إسرائيل بين الدول الكبرى!؟

ثانيًا: التحالف والمصالح الإسرائيلية بسوريا

إسرائيل تفضل أن يتوافق كل من ترامب وبوتين على بقاء النظام السوري والرئيس بشار الأسد، بشرط أن يتم المسّ بمكانة إيران وحزب الله هناك.
ألون بن دافيد، المحلل العسكري الإسرائيلي، هآرتس.

وبالنظر لتأثير التقارب على المصالح الإسرائيلية بسوريا، فلا يوجد شك أيضًا في التزام الرئيسين بأمن إسرائيل، كما سيعمل كلاهما على مراعاة هذا في أي تسوية خاصة بالأزمة، وكذلك التنسيق العسكري معها؛ حفاظًا على أمنها فيما يخص العمليات العسكرية الروسية بسوريا.

وعلى الرغم من انعدام التأثير الأميركي في تطورات الأزمة الأخيرة وإعلان موسكو، إلا أن ترامب شدد مرارًا وتكرارًا على تمسكه بأمن بإسرائيل،مؤكدًا عزمه على إنهاء الدعم الأميركي للمعارضة والتحالف مع بوتين وتقوية الأسد لهزيمة تنظيم الدولة.

مصدر عسكري إسرائيلي

كذلك فإدارة موسكو الجُهد العسكري في شمال سوريا يصب أيضًا في خدمة المصالح الإسرائيلية، وهو ما أكدته عدد من المصادر الأمنية بتل أبيب، ملمحةً إلى أن هناك تنسيقًا بينها وموسكو في كل ما يتعلق بالعمليات العسكرية، كما أن إسرائيل على اطلاع دائم بتطورات الاتفاق عن طريق الروس والأتراك.

وقد ظهر الدعم والتنسيق العسكري بين موسكو وتل أبيب أيضًا من خلال تشكيل الجانبين لجنة تنسيق جديدة بشأن سوريا، يرأسها الجنرال الإسرائيلي إيتسيك تورجمان، لضمان تقليص الاحتكاك بينهما بسوريا.

ثالثًا: التحالف والنفوذ الإيراني

الروس هم من يضغطون على الزناد ويتصرفون بالقوة العسكرية، ولا يوجد ما يدلل على أن هذا الواقع سيتغير، وهذا يخدم خارطة مصالحنا في سوريا.

أما عن المخاوف من تعاظم النفوذ الإيراني بسوريا، فثمة مؤشرات على أن التعاون بين الولايات المتحدة وروسيا في هذا السياق سيصب في مصلحة إسرائيل نتيجة موقف ترامب المعادي لإيران، وخاصةً الاتفاق النووي معها، والذي توعده بالإلغاء.

اقرأ أيضًا:3 بدائل لترامب تثنيه عن تمزيق الاتفاق النووي الإيراني

بالنسبة لموسكو -حليفتها- فقد بدأت تدرك أن استمرار سيطرة الميليشيات الإيرانية على الأرض يعني صعوبة التوصل إلى حل سياسي مقبول للأزمة، وهو الحل الذي تتطلع إليه لإثبات وجودها كفاعل رئيسي بالمنطقة، كما تأكدت أن طهران لن تتورع عن إسقاط التسوية السياسية؛ لرغبتها في حسم الملف عسكريًا خاصةً بعد مكاسب النظام الأخيرة.

وهو الموقف الذي جاء عقب محاولات طهران المستمرة لإحداث خروقات متكررة لاتفاق وقف إطلاق النار، الأمر الذي دفع فصائل من المعارضة إلى تجميد مشاركتها في أي مفاوضات تحضيرية للحوار الذي سيُجرى في الأستانا.

ومن هنا بدأت موسكو محاولاتها لتحجيم هذا النفوذ عبر مسار سياسي من خلال المفاوضات المرتقبة، وآخر ميداني بسعيها لتجميع المجموعات المسلحة المحلية التابعة للنظام السوري ضمن فيلق عسكري جديد يعرف باسم «الفيلق الخامس اقتحام»، لموازنة قوة الميليشيات التابعة لإيران والتقليل من تأثيرها.


وهكذا يتضح دور هذا التقارب في تعظيم مصالح إسرائيل بسوريا وفلسطين، ورغم هذا يبقى التساؤل حول ما إذا كانت العلاقة بين روسيا وإيران ستسير في اتجاه تقليص النفوذ الإيراني، خاصةً بعد إعلان موسكو تقليص قواتها العسكرية بسوريا، أم أنها ستتمسك بحليفتها وتحاول التنسيق معها مستقبلًا، وكيف ستؤثر هذه الخطوة الروسية على مستقبل قوة النظام في ظل حرمانه من الغطاء الجوي الذي ساعده في السيطرة على حلب؟، وما انعكاس هذا على الأوضاع الإسرائيلية؟