عام 2014 انتشرت في الصحف ومراكز الأبحاث الاستراتيجية الغربية عناوين من عينة «أقوى جيش لم تسمع عنه من قبل» – «إسبرطة الولايات المتحدة الأمريكية»، وكانت كلها تتحدث عن جيش دولة شرق أوسطية، حليف قوي للولايات المتحدة الأمريكية، ليست إسرائيل وليست مصر، ليست السعودية وليست تركيا. إنها الإمارات العربية المتحدة.

أغسطس/ آب 2014 انتشرت تقارير غربية تقول بأن ثمة هجمات جوية تم تنفيذها بواسطة مقاتلات مجهولة على العاصمة الليبية طرابلس، وفي حين اتجهت أصابع الاتهام لمصر والإمارات سارع المسئولون المصريون بنفي تلك الاتهامات عن مصر بشدة، أما المسئولون الإماراتيون فلم ينبسوا ببنت شفة، وأشارت التقارير الغربية إلى أن الهجمات تم تنفيذها بواسطة مقاتلات إماراتية وطائرات تزود بالوقود جوًا إماراتية، لكن انطلاقًا من الأراضي المصرية. وبعض التقارير ذكرت أن الإمارات أنشأت قاعدة عسكرية لها شرقي ليبيا «تكذب الرواية الرسمة الإماراتية هذه الأخبار». وكانت التدخلات العسكرية الإماراتية خارج حدود أبوظبي قد بدأت قبل ذلك التاريخ بقليل.

في 2011 تحديدًا حيث شاركت الإمارات بـ 12 مقاتلة في الحملة الجوية الدولية على نظام العقيد معمر القذافي، التي أدت إلى الإطاحة به في النهاية، كما ساهمت الإمارات في قوات درع الخليج التي انتشرت في شوارع المنامة عقب مظاهرات مارس/ آذار 2011، وأفضت إلى وأد تلك المظاهرات بخسائر محدودة. ثم كان التدخل الأكبر في مارس/ آذار 2015 وعملية عاصفة الحزم في اليمن لاستعادة الشرعية الدولية المتمثلة في حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي.

كان حجم القوات المشاركة من الجانب الإماراتي هو الأكبر في التحالف بعد المملكة العربية السعودية، حيث ساهمت بأكثر من 30 مقاتلة جوية وقوة بحرية وبرية ضخمة، شملت دبابات اللوكلير الفرنسية وعربات البي إم بي 3 القتالية الروسية ومدافع الجي-6 الجنوب أفريقية، بالإضافة إلى سفن HSV-2 الأمريكية.

ورغم أن الهدف السعودي من تلك العملية العسكرية الضخمة والمستمرة منذ أكثر من 3 سنوات كان طرد الحوثي من صنعاء واستعادة الشرعية اليمنية فإن أهداف الإمارات الواضحة لكل ذي لُب كانت بعيدة عن ذلك.


السيطرة على الموانئ اليمنية على البحر الأحمر

جندي إماراتي

سيطرت الإمارات على ميناء عدن في 2015، وتمددت على الساحل الغربي حيث سيطرت على مدينة ذباب وجنوبًا باتجاه حضرموت أقامت قواعد عسكرية هناك، ودربت أكثر من 2500 مقاتل يمني على مستوى عالٍ. استمر تمددها غربًا حيث سيطرت على ميناء المخا، بالإضافة إلى السيطرة على محطة إسالة الغاز الطبيعي الوحيدة باليمن، الموجودة في بلحاف، كما أن ميناء تصدير النفط الرئيسي باليمن الموجود في الشحر بيد الإمارات أيضًا.

كما كشفت صور الأقمار الصناعية عن قيام القوات الإماراتية بالسيطرة على جزيرة ميون بين جيبوتي واليمن وإقامة قاعدة عسكرية عليها. ومؤخرًا توجت الإمارات مغامراتها العسكرية (الناجحة بكل المقاييس) بالسيطرة على جزيرة سقطرى الاستراتيجية.

اقرأ أيضًا: مسألة سقطرى: المقاومة اليمنية للتوسع الإماراتي

وفي حين أن عاصفة الحزم تسببت في خسائر مادية وبشرية جسيمة للسعودية، نجد أنها كانت مفيدة جدًا للإمارات وحققت منها نجاحات اقتصادية وجيوسياسية لا تخفى على أحد والخسارة البشرية كانت محدودة جدًا.


لنعد للوراء

الإمارات
الإمارات

تتفق أو تختلف مع القادة الإماراتيين، إلا أنك لا تستطيع أن تنكر نجاحهم واختلافهم عن أقرانهم العرب. بدأ التطور العسكري الإماراتي يأخذ منحى تصاعديًا منذ تسعينيات القرن الماضي، وكانت أمامهم تجربة مريرة حدثت في إحدى دول الشرق الأوسط لا يريدون تكرارها عندهم.

تجربة الثورة الإيرانية وخروجها من الفلك الأمريكي، حيث تسبب الحظر التسليحي الذي فرضته الولايات المتحدة الأمريكية على الجيش الإيراني عقب الثورة في خسائر فادحة للجيش الإيراني، وتسببت تلك الخسائر في طمع صدام حسين وسعيه لتحقيق نصر سريع على الجيش الإيراني المهلهل عقب الحظر التسليحي الأمريكي البريطاني، وهو نصر لم يتحقق بعد حرب الثماني السنوات.

لذا فعكس الدول العربية التي تنقسم لدول تعتمد في تسليحها على دول المحور الشرقي السابق روسيا والصين وكوريا الشمالية، وأخرى تعتمد على الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، اتجهت الإمارات للمحورين. وليس هذا فحسب، بل سعت لامتلاك أسلحة معينة غير موجودة حتى في تلك الدول.

في البداية سعت الإمارات لامتلاك دبابات قتال رئيسية حديثة، وعكس الدول العربية التي اتجهت للأمريكية إم1 إيه1 أبرامز كمصر والسعودية والكويت، اتجهت الإمارات إلى دبابة أخرى. الفرنسية لوكلير، ولم تكتفِ بالنسخة الفرنسية العادية بل استبدلت بالمحرك الفرنسي آخر ألمانيًا يعمل بصورة أفضل في الأجواء الحارة الخاصة بالشرق الأوسط.

اقرأ أيضًا: دفاعات الخليج الجوية: جواد بلا فارس

وفي سبيل سعيها لاستكمال ألويتها المدرعة احتاجت الإمارات لمدرعة مشاة قتالية. ومرة أخرى على العكس من جيوش كالمصرية والسعودية التي استعملت نسخًا مسلحة من الأمريكية إم-113 أو مدرعة البرادلي الأمريكية، اتجهت الإمارات للروسية بي إم بي-3، ومرة أخرى أضافت لها إضافة مختلفة عن النسخة الروسية التقليدية، فاستبدلوا بالمنظار الحراري الخاص بالمدرعة الناموت الفرنسي العامل على الدبابة لوكلير.

وبالنسبة للقوات الجوية كان الإبداع الإماراتي كبيرًا أيضًا، ففي الثمانينيات طلبت الإمارات مقاتلات ميراج-2000 الإماراتية مثل مصر، لكنها سعت لوضع بعض التعديلات عليها، والتي كان أهمها إضافة حزمة حرب إلكترونية إيطالية الصنع. وفي الثمانينيات أرادت الإمارات إضافة قدرة إطلاق صواريخ الكروز الشبحية من مقاتلاتها، فلجأت للولايات المتحدة الأمريكية، لكنها رفضت لاعتبارات خاصة بموازين القوى في الشرق الأوسط، فلجأت الإمارات لفرنسا مرة أخرى.

ميراج، مقاتلة
المقاتلة الفرنسية ميراج 2000

وفي 1998 قامت بالتعاقد على مقاتلات ميراج-2000 جديدة مزودة بالقدرة على إطلاق صاروخ الكروز الأوروبي أباتشي، لكن تم تعديله كي يقل مداه عن 300 كم، وسمي بلاك شاهين، كما طلبت الإمارات وضع تعديلات كثيرة على المقاتلة من ضمنها إضافة بود للملاحة الليلية وآخر لتوجيه القذائف بالليزر، كما قاموا بالاستبدال برادار الـ RDI القديم آخر حديثًا قادرًا على تتبع الأهداف الأرضية، كما قاموا بوضع منظومة حرب إلكترونية على المقاتلة IMEWS وهي شبيهة بمنظومة السبكترا التي وُضعت على الرافال فيما بعد، وتم شراء قذائف موجهة بالجي بي إس مخصوصة من جنوب أفريقيا، وبهذا تتحول الميراج-2000 إلى مقاتلة متعددة المهام حقيقية لا يشق لها غبار، بل تتفوق على النسخ الحديثة من الإف-16، البلوك 52 وقتها.

لم تكتفِ الإمارات بهذا، بل بعدها بعامين فقط قامت بتوقيع صفقة ضخمة جدًا مع شركة لوكهيد الأمريكية بلغت 6.4 مليار دولار لشراء 80 مقاتلة من طراز إف-16، لكنها لن تكون مثل أي إف-16.

اقرأ أيضًا: الصناعات العسكرية التركية تشهد طفرة في ظل العدالة والتنمية

حيث تم تخصيص 3 مليارات دولار لصالح شركة نورثروب جرومان لتطوير رادار جبار للمقاتلة الإماراتية الجديدة، هو الرادار APG-80، الذي يعمل بتقنية الأيسا، وسيصبح الأب الروحي لرادار الـ APG-81 العامل على مقاتلة الجيل الخامس إف-35، وتم دمج بود تهديف جديد داخل المقاتلة، كما تم تزويدها بمحركات أقوى كثيرًا من المحركات العادية العاملة على الإف-16، وهكذا خرجت إف-16 جديدة أقوى من أي إف-16 على الساحة حاليًا. بل إن الإمارات تسلمت مقاتلاتها التي تعمل برادار أيسا عام 2005، أي أن الإمارات امتلكت مقاتلة برادار أيسا قبل روسيا وقبل أي دولة أوروبية بسنوات عدة، بل إنه حتى يومنا هذا لا تمتلك أي دولة أوروبية مقاتلة برادار أيسا سوى فرنسا.

في الدفاع الجوي قامت الإمارات بتمويل نظام البانتسير إس1 الروسي بعد أن توقف نتيجة لصعوبات مالية، وعاد من جديد، وكالعادة كانت النسخة الإماراتية مختلفة عن النسخ الأخرى، كما أن الإمارات أول دولة تقوم بشراء منظومة الثاد الأمريكية المضادة للصواريخ الباليستية.

هكذا نرى أن الإمارات ساهمت بطرق غير مباشرة في تطوير مقاتلتي الإف-35 والرافال، كما انتشلت مشروع البانتسير الروسي من الظلمات في تسعينيات القرن الماضي، لكنها لم تكتفِ بهذا، بل طرقت باب الصناعة العسكرية بقوة فأسست شركة كاراكال لصناعة المسدسات اعتمادًا على خبرات نمساوية، وصدرت المسدسات لكل من البحرين والأردن والجزائر وإيطاليا وألمانيا. وتأسست شركة نمر لصناعة المدرعات، حيث اعتمدت على تصميمات عربة التايجر الروسية وقامت بتصدير عرباتها المدرعة لكل من مصر والجزائر وليبيا والأردن.

شركة توازن ديناميكس هي الأخرى تقوم بتصنيع الذخائر الموجهة بالتعاون مع شركة دينيل الجنوب أفريقية، كما أن كل كورفيتات القوات البحرية الإماراتية ومعظم زوارقها الحربية تم تصنيعها في مرفأ أبوظبي لبناء السفن. لذا لم يكن مستغربًا أن تكون الإمارات ضيفًا دائمًا على المناورات الحربية الأمريكية الكبرى، ولم يكن مستغربًا أن يرى المسئولون الأمريكيون الجيش الإماراتي جيشًا قويًا يُعتمد عليه على عكس الجيوش العربية الأخرى. لننظر ما قد يقدمه هذا الجيش في السنوات القليلة القادمة، في ظل الاحتقان الإقليمي في المنطقة العربية، لاسيما الخليجية.