أربع مقاتلات إيرانية من طراز «إف-4» تخترق المجال الجوي السعودي. مقاتلاتان سعوديتان من طراز «إف-15» تحاولان منع المقاتلات الأربعة. استطاعتا إسقاط مقاتلتين وإصابة ثالثة، لكن نجحت الرابعة في تحقيق هدفها بإصابة خزان المياه في الدمام. صاروخ باليستي إيراني من طراز «بركان 2» يشق السماء تجاه الرياض. ليكتمل به نصاب الصورايخ التي أطلقها الحوثيون تجاه السعودية 87 صاروخًا على مدى 3 سنوات. كانت الحادثة الأولى في 5 يونيو/حزيران 1982 إبان الحرب العراقية الإيرانية. والثانية في 19 ديسمبر/كانون الأول 2017 في خضم حرب اليمن.بين الحادثتين تاريخٌ طويل من الحروب بين السعودية وإيران. حروب اتسمت بكونها حروب ظل ووكالة. منها ما كان عبر السياسة والسلاح معًا، كما جرى في لبنان. خاضت إيران حربها في لبنان عبر بوابة «حزب الله»، ما ساعدها على اكتساب سلطة سياسية قاهرة، تغلبت بها على الأصوات السنيّة المدعومة سعوديًا. ومنها ما كان عسكريًا فقط كـ «سوريا»، إذ دعمت إيران قوات حزب الله وميلشياتها العسكرية للإبقاء على «بشار الأسد» في وجه المعارضة الشعبيّة التي دعمت السعودية بعضًا منها بالمال والسلاح، انتهاءً بالمواجهة الكبرى التي تدور حاليًا في اليمن.طوال العقود الثلاثة الماضية استندت حسابات الطرفين إلى أن حرب الوكالة هي الأكثر أمانًا من المواجهة المباشرة. لكن تغيّرًا جديدًا طرأ على هذا المفهوم بوصول ولي العهد «محمد بن سلمان» لعرش المملكة. ويبدو أن توافقًا إماراتيًا-سعوديًا قد استقر على قناعة أن الوقت قد حان لمواجهة إيران. انطلاقًا من عقيدة أن النفوذ الإيراني قد تمكن من بغداد، ودمشق، ولبنان، وهو الآن يخطو تجاه المنامة وصنعاء. هذا التغيّر يظهر في وصف «ابن سلمان» للهجوم الصاروخي السابق بأنه «اعتداء عسكري»، ما يستدعي ردًا سعوديًا مشابهًا عليه. فكيف إذن ستبدو الحرب المباشرة إذا ما وقعت بين الطرفين «السعودية وإيران»؟


«فيلق القدس» يحط في السعودية

الجيش الإيراني يأتي في المركز 21 ضمن أقوى جيوش العالم، يليه بثلاثة مراكز نظيره السعودي. عدد سكان إيران 82 مليون نسمة، ما يساوي 3 أضعاف عدد سكان المملكة البالغ 28 مليونًا. 39 مليون مواطن إيراني مُؤهل للخدمة في حالة الطوارئ، في مقابل 14 مليون سعودي.والعدد الفعلي لأفراد الجيش الإيراني 934 ألف جندي، في مقابل 256 ألف جندي سعودي. يخدم في الجيش الإيراني حاليًا 534 ألفًا، و400 ألف ضمن قوات الاحتياط. بينما يخدم في الجيش السعودي 230 ألفًا، و25 ألفًا ضمن قوات الاحتياط.من بين الآلاف التي يتكون منها الجيش الإيراني يوجد 15 ألف مقاتل يمكنهم وحدهم أن يسببوا صداعًا للمملكة هم مقاتلو «فيلق القدس». مجموعة من الجنود اختصتهم إيران بتدريبات وعتاد مميز، جعلهم يُؤرقون الولايات المتحدة في العراق فترة طويلة. «فيلق القدس» يعمل في العديد من دول العالم، وكانت محاولة اغتيال «عادل الجبير» السفير السعودي في الولايات المُتحدة إحدى مهماته.

نظرًا لطبيعة التفكير الإيراني الهجومي، ولاستعدادات المملكة الدفاعية، وضعف خبراتها البشرية، يبقى السيناريو الأقرب للواقع حال حدوث الحرب المباشرة أن تجلب إيران الحرب إلى داخل السعودية. فيكون الهم الإيراني هو كيفية الهجوم، وتنشغل السعودية بكيفية الدفاع عن أراضيها. لكن كيف يقطع «فيلق القدس» مسافة 1311 كيلومترًا حتى يصل إلى الرياض، ومن ثم يمكنه قتال جنودها؟


الخليج: نقطة الضعف القاتلة

قبل أن تصل الأمور إلى المواجهة المباشرة، يمكن لإيران أن تناور المملكة عبر صادرات النفط. فيمكنها أن تغلق مضيق هرمز أمام ناقلات البترول السعودية. وهو ما قامت به إيران فيما سُمي بحرب ناقلات النفط في الثمانينيات. أثناء انشغال القوات البحرية السعودية بفتح الطريق أمام ناقلاتها، يمكن للقوات البحرية التابعة للحرس الثوري الإيراني أن تباغت الموانئ السعودية بهجمة خاطفة تُصيب فيها موانئ السعودية وقواتها البحرية بشلل تام.ومن السيناريوهات البحرية المُحتملة أيضًا، أن تستخدم إيران غواصات «غدير». غواصات صغيرة الحجم، صممتها إيران للغوص في مياه الخليج العربي الضحلة. هذه الغواصات إما أن تُستخدم لتوجيه ضربة استباقية عبر طوربيداتها القوية، عالية الدقة. أو لزرع ألغام سرية في الخليج العربي ما يخدم سيناريو عرقلة حركة النفط السعودي. أو يمكنها أن تستخدم لنقل جنود من «فيلق القدس» خاصةً، أو الحرس الثوري عامةً، لداخل المملكة للقيام بعمليات نوعية.والأفضلية في المواجهة البحرية تذهب للقوات الإيرانية. إجمالًا تمتلك إيران 398 أصلًا بحريًا، 230 منهم دوريات حراسة مستمرة، و33 غواصة بحرية. بينما تمتلك السعودية 55 أصلًا بحريًا، منهم 11 دورية حراسة، ولا تمتلك السعودية أي غواصات. أجل، لا يجمع الدولتين حدود بحرية مشتركة لكنّهما يتواجهان عبر الخليج العربي. لذا فللعتاد البحري أهمية عظمى.الأفضلية البحرية تبقى لإيران حتى في حال إمداد الولايات المُتحدة حليفتها السعودية بغواصات متقدمة. إذ لن تعمل تلك الغواصات؛ فضحالة مياه الخليج لا تناسب حجمها الضخم. وضيقه لا يسمح لأجهزة السونار لديها بالعمل. ربما تتغلب السعودية على ذلك بطلب غواصات ألمانية من طراز 212، و214. لكنّها لن تتسلمها إلا بعد سنوات من طلبها. ما يعني أنّ الجانب البحري يمثل نقطة ضعف قاتلة للجانب السعودي. والسبيل الوحيد المتاح حاليًا لجبر هذا الكسر، هو أن ترابط القوات الجوية في سماء الخليج والمناطق المحيطة.


كيف تحمي القواتُ الجوية السعودية

يبلغ إجمالي آليات القوات الجوية السعودية 790 آلية، تنقسم إلى: 177 مقاتلة، 245 طائرة هجومية، 221 طائرة نقل، 243 طائرة تدريب، 227 طائرة عمودية، و21 طائرة عمودية هجومية. يبدو التفوق السعودي واضحًا في هذه النقطة، إذ تمتلك إيران ما إجماليه 477 آلية فقط، تنقسم إلى: 137 مقاتلة، 137 طائرة هجومية، 203 طائرات نقل، 79 طائرة تدريب، 126 طائرة عمودية، و12 طائرة هجومية.التفوق السعودي في المجال الجوي ليس عدديًا فقط. فإيران تعتمد على مقاتلات «إف-14»، وفانتوم «إف-4»، ناهيك عن أن تلك الطائرات قديمة الصنع، إلا أنّها لم تتلق أي تحسينات أو دعم من الولايات المُتحدة منذ سقوط الشاه عام 1979. بينما تمتلك السعودية باستمرار أحدث الأنواع من الولايات المُتحدة، وهو ما تجلى في حادثة قتال الـ«إف-4» مع الـ«إف-15» سالفة الذكر.

اقرأ أيضًا:دبلوماسية الـ«إف-15»: هكذا تُحسم المفاوضات إذن، إذا قامت حربٌ فيمكن للقوات السعودية السيطرة على الأجواء بسرعة كبيرة. ما يعني إفراغ السماء من أي مقاتلات إيرانية، بالإضافة إلى قنص أي وحدات إيرانية تطفو على سطح الخليج العربي، أو توجد على أرض المملكة. وإذا استطاعت المملكة أن تنقل المعركة من الأرض إلى الجو؛ فالغلبة لها.


القوات البرية: لا حاجة للبشر

تمتلك السعودية 1142 دبابة قتالية، و5500 عربة مدرعة جاهزة للقتال. بينما تمتلك إيران 1116 دبابة قتالية، و1395 عربة مدرعة فقط. ولأنّه في حال نشوب الحرب فمن المستعبد أن تعتمد على مواجهة جنودٍ بجنود. أو أن تقف دبابة في مواجهة أخرى. لذا فالتباين بين الدولتين في هذا الجانب ليس حيويًا، إذ سيكون الاعتماد الأساسي على الصواريخ ووسائل اعتراضها.

وفي هذا المجال تتفوق إيران على السعودية تفوقًا نوعيًا وكميًا. تمتلك إيران 1447 قاذفة صواريخ مختلفة، وأكثر من 2500 طراز مختلف من الصواريخ. بينما تمتلك السعودية 322 قاذفة صواريخ فقط، وما يزيد قليلًا عن 1000 نوع من الصواريخ. والضبابية التي أحاطت نجاح منظومة «الباتريوت» في التصدي للصاروخ «بركان 2» الذي أطلقه الحوثيون تجعل دفاعات المملكة موضع التساؤل، خاصة أن إيران تمتلك ما هو أقوى من «بركان».

اقرأ أيضًا:بيدك تفرض إرادتك: قصة البرنامج الصاروخي الإيراني المملكة ليست غافلةً عن ضعف عتادها مقارنةً بإيران، ولا عن قلة خبرات جنودها التي ظهرت بشكل فاضح في حرب اليمن الأخيرة، لهذا تضع المملكة ميزانية دفاع تصل إلى 56 بليونًا و725 مليون دولار. بينما تضع إيران 6 بلايين و300 مليون دولار.


لا رابح إلا تاجر السلاح

إذا تحولت الأمور إلى مواجهة عسكرية مباشرة فسيكون لها نتائج عسكية على الطرفين. إيران، إذ ترى النتائج على الأرض لصالحها حتى الآن، ولا تريد أن تخسر ذلك. كما أنّها لا ترغب في أن تكون أول من يختبر الأسلحة الجديدة التي اشترتها المملكة من الولايات المُتحدة.أضف إلى ذلك بعدًا سياسيًا آخر، فمهاجمة «مهد الإسلام»، و «بلد الحرمين الشريفين»، ومحاولة قتال جنود «خادم الحرمين الشريفين» سيؤدي إلى توحد عربي إسلامي ضد إيران، ما يجعل إعلان الحرب المباشرة من قبل إيران انتحارًا أهوج. كما أن إيران لا تريد بالطبع أن تخسر الدفء الدولي الذي أُحيطت به بعد توقيعها الاتفاق النووي في 2015، بعد أن كانت دولة منبوذةً ومعزولة اقتصاديًا. السعودية هي الأخرى ستعاني من عددٍ مهول من القتلى. ففي مواجهة غير مباشرة مع إيران في اليمن عانت المملكة من تدمير 363 دبابة، و25 مدرعة مجنزرة، و181 طقمًا عسكريًا بمنطقة جيزان. بالإضافة إلى تدمير 18 دبابةً، و13 مدرعةً مجنزرة، و71 طقمًا عسكريًا في منطقة نجران. وتدمير 221 دبابة، و19 مدرعة مجنزرة، و51 طقمًا عسكريًا و3 آلياتٍ تابعةً لقطاع الإنشاء والطرق بالجيش السعودي في منطقة عسير. كذلك عانت المملكة من خسائر بشرية تمثلت في مقتل 2326 جنديًا و36 ضابطًا و22 جنرالًا من الرتب العليا. هذه الأعداد بجانب تضاعفها في حرب مباشرة، ستكون من المملكة وحدها دون إيران. فغالبًا ما ستعتمد إيران على منظومتها الصاروخية درة تاج عتادها العسكري. يومٌ واحد في حرب كهذه سيدفع المنطقة بأثرها إلى حالة من الفوضى والدمار تفوق ما تشهده المنطقة حاليًا بسنوات ضوئية. كما أنّه كفيل أيضًا بأن يعيد القوتين إلى رشدهما، وأن يتيقنا أن حربهما يجب أن تبقى بالوكالة، في أرض طرف ثالث سيئ الحظ.