لدي أفكار كثيرة متسارعة في عقلي لا أقدر على احتمالها، تنتابني فكرة الانتحار بقطع شراييني أو الإلقاء بنفسي من أعلى البناية من شدة الاكتئاب والضغط النفسي الذي أشعر به، وبعد مرور بضع ساعات من مقاومة عنيفة لهذه الأفكار أجدني سعيدة بلا سبب، تتأرجح مشاعري بين أقصى اليمين وأقصى الشمال. يصفني البعض بالمجنونة أو الحساسة بقدر مفرط؛ لانفعالاتي الشديدة غير المبررة والمفاجئة لمواقف عابرة لا يهتم بها الآخرون.

هذا جزء من وصف لمعاناة المصاب بمرض اضطراب الشخصية الحدية المصابة به ياسمين الخطيب، والذي دفعها لمحاولة انتحار لم تُكلل بالنجاح، ولله الحمد، لذا تعرف معنا على هذا المرض، وأعراضه، وهل يمكن الشفاء من اضطراب الشخصية الحدية؟

ما اضطراب الشخصية الحدية؟

يتصف هذا المرض بأنه حالة من عدم الاتزان العاطفي لدى الفرد المصاب به وهو مرض مزاجي، ويعد من اضطرابات الشخصية حيث يجعل الفرد أكثر حساسية للمواقف التي يمر بها، ومشاعره غير متزنة معظم الوقت، ويكون من الصعب عليه العودة إلى حالته الطبيعية حتى بعد اختفاء السبب الذي حرك مشاعرهم بعنف.

يعد اضطراب الشخصية الحدية من الاضطرابات التي تصيب النساء أكثر من الرجال، ولكن يعتقد بعض العلماء أنه يصيب الرجال والنساء على حد سواء، ولكن في حالة الرجال فإنه يشخص بالخطأ على أنه اكتئاب، أو اضطراب ما بعد الصدمة.

لا يتوقف تأثير المرض على الانفعالات الشديدة تبعًا للمواقف إضافة إلى الأفكار الانتحارية فحسب، ولكن يؤثر أيضًا على فكرة المريض عن ذاته ومشاعره تجاه الآخرين، فقد يشعر المريض بحبه الشديد لشخص ما، وبعد ساعات أو في اليوم التالي يظن أن هذا الشخص شرير للغاية، ولا يجب معاملته على الإطلاق!

أعراض اضطراب الشخصية الحدية

امرأة تعاني ألم معاناة
 

تنقسم أعراض اضطراب الشخصية الحدية إلى عدة مجموعات من الصفات التي تصيب الفرد وهي كما يلي:

  1. عدم الاستقرار العاطفي: حيث يشعر المريض بعدة مشاعر سلبية تتمثل في الغضب، والحزن، والرعب، إضافة إلى الشعور بالفراغ والوحدة لمدة طويلة مع تقلبات مزاجية في فترات زمنية قصيرة مع أفكار انتحارية، الأمر الذي قد يدفعهم إلى تنفيذ هذه الأفكار دون إرادتهم، ويختلف شعورهم بالسعادة من فرد لآخر فقد يكون المصاب بحالة مزاجية جيدة خلال النهار، والبعض الآخر تتدهور حالته المزاجية أثناء الليل.
  2. وجود علاقات عديدة مع الآخرين: يكون المصاب عدة صداقات وعلاقات ولكنها غالبًا غير مستقرة؛ بسبب عدم استقرارهم عاطفيًا وتقلباتهم المزاجية.
  3. إجراء سلوكيات مندفعة: تشمل هذه السلوكيات نوعين، وهما إما إيذاء النفس من خلال استخدام الأدوات الحادة كالسكاكين، أو حرق الجلد بالنار والسجائر، والثاني هو الانخراط في أشياء متهورة مثل: الإفراط في شرب الكحول، ولعب القمار، وتعاطي المخدرات، وتبديد المال.
  4. خلل في نمط التفكير مع إدراك مضطرب: ينتاب المصاب أفكار عديدة والتي تكون أقرب إلى مرض الذهان، وغالبًا ما يكون المريض غير متأكد من صحتها، ومنها ما يلي:
    • المعاناة من أمور غريبة مثل: سماع أصوات خارج رأسه لعدة دقائق، وقد تظهر في صورة أوامر لإيذاء نفسه أو الآخرين.
    • وجود أفكار مزعجة: فقد يشعر المريض بأنه غير موجود، أو يعتقد أنه شخص فظيع.
    • نوبات طويلة من التجارب غير طبيعية مثل: الهلوسة وذلك بسماع أصوات، ووجود معتقدات غريبة ومؤلمة كالاعتقاد بأن عائلته ترغب في إيذائه أو التخلص منه.

اقرأ أيضا: المرض النفسي والحياة في مكان آخر

اضطراب الشخصية الحدية والحب

أما عن أعراض اضطراب الشخصية الحدية والحب، فسنجد أنه يؤثر بصورة كبيرة على العلاقات العاطفية؛ بسبب التغير السريع والعنيف في المشاعر، فالمصابون بهذا المرض لديهم خوف شديد من الهجر، وفي أوقات أخرى قد يشعر المريض بأن شريكه يخنقه ويرغب في التحكم فيه.

أما عن الخوف من الهجر فستجد المصاب يتوتر ويغضب بشدة من هذه الفكرة، ويبدأ بإجراء أفعال في محاولة منه للإبقاء على شريكه، والتي بدورها قد تخنق الطرف الآخر، ومنها ما يلي:

  • التعلق الجسدي الشديد والتشبث بشريكه وعدم تركه ليذهب.
  • محاولة المراسلة والاتصال بالطرف الآخر باستمرار.
  • إصدار تهديد بانتحار المريض أو إيذاء نفسه إذا حاول شريكه هجره.
  • الاتصال المفاجئ بالطرف الآخر أثناء الليل.

عندما يعتقد المصاب باضطراب الشخصية الحدية أن الطرف الآخر يحاول التحكم فيه أو يخنقه بتصرفاته، فإنه يستشيط غضبًا ويحاول التخلص من هذه العلاقة بأي طريقة، وذلك من خلال:

  • الانسحاب العاطفي من العلاقة.
  • استخدام الألفاظ السيئة.
  • رفض الآخرين وعدم التعامل معهم.

يعاني المصابون بالمرض وأصدقاؤهم وشركاؤهم في الحياة؛ بسبب أن نمطهم العاطفي يتمثل في جانبين فقط، وهما الأبيض أو الأسود، ولا يوجد منطقة رمادية، فإما الحب المفرط المتعلق أو الكره الشديد.

أسباب اضطراب الشخصية الحدية

الطلاق
 

لا يمكننا الجزم بوجود سبب محدد للإصابة بالمرض، ولكن يرجح العلماء أن هناك عدة أسباب قد تسهم في الإصابة بالمرض، ومنها ما يلي:

  1. العوامل البيئية: من يتعرض لصدمات نفسية في حياته كالاعتداء الجسدي أو الجنسي أثناء الطفولة، أو انفصال الوالدين، أو الإهمال من الآباء، يكون عرضة أكثر للإصابة باضطراب الشخصية الحدية.
  2. الجينات: لا يوجد جين محدد يسبب الإصابة بالمرض بصورة مباشرة، ولكن إذا كان هناك فرد مصاب بالعائلة بهذا الاضطراب، فإن ذلك يزيد من خطر الإصابة بالمرض.
  3. خلل وظائف الدماغ: قد يحدث خلل في التنظيم العاطفي في المخ، حيث حاول العلماء تصوير الدماغ بالرنين المغناطيسي لمشاهدة المخ عند مصابي اضطراب الشخصية الحدية، ووجد صغر في حجم 3 مناطق بالمخ عن الحجم الطبيعي لهم، مما يسبب خللًا في التواصل بين أجزاء المخ التي تتحكم في المشاعر واتخاذ القرار.

علاج اضطراب الشخصية الحدية

زيارة طبيب نفسي
زيارة طبيب نفسي

يجب استشارة الطبيب النفسي للتأكد من إصابة الفرد وتشخيصه بهذا الاضطراب أولًا، ومن ثم يمكن البدء بعلاجه، والذي يشمل ما يلي:

  1. العلاج النفسي: يوجد عدة أنواع للعلاج النفسي ويختار منها الطبيب ما هو مناسب للحالة تبعًا لطريقة التفكير، والشعور، إضافة إلى استماع الطبيب للمريض ومناقشته في عدة أمور؛ لإيجاد حلول لمشكلاته وتغيير سلوك المريض، وطريقة تفكيره، ومعالجته للأمور.
  2. الأدوية: يختلف الأطباء بخصوص الأدوية، فالبعض يعتقد أنها مناسبة للعلاج، والبعض الآخر يرجح بعدم جدواها، وحتى الآن لا يوجد دواء مرخص لعلاج هذا الاضطراب، ولكن الأدوية المستخدمة في العلاج غالبًا ما تهدف لعلاج مرض آخر يعاني منه المصاب مثل: الاكتئاب، أو القلق، أو اضطراب ثنائي القطب.
  3. العلاج السلوكي الجدلي: هذا النوع من العلاج مخصص لمرضى اضطراب الشخصية الحدية، ويعتمد على علاج مشكلتين، وهما كون الفرد حساسًا بطبيعته، أو أنه واجه خلال طفولته تعنيفًا من أحد الوالدين بعدم الشكوى، أو الحزن، إضافة إلى تجاهل مشاعره، مما يجعل المريض يشعر بأنه سيئ وعديم القيمة، لذا يهدف العلاج السلوكي الجدلي في علاج هذا الأمر بالمناقشة، والتحقق من صحة المشاعر، وتقبلها.
  4. العلاج بالفن: يشمل على العلاج بالرقص، والعلاج بالموسيقى، ويهدف إلى علاج المرضى الذين يعانون من صعوبة في التعبير عن أفكارهم ومشاعرهم بالكلام.

قد يتساءل بعض الأفراد عن هل يمكن الشفاء من اضطراب الشخصية الحدية؟ والحقيقة أن علاج المرض كان قديمًا صعبًا، ولكن الآن مع التطور يمكن علاج اضطراب الشخصية الحدية، ويسهل علاجه مقارنة بالمصابين بالاكتئاب واضطراب ثنائي القطب.

قد يستغرق علاج اضطراب الشخصية الحدية نحو عام كي يشفى منه المريض، ولكن قد يحدث بعض الانتكاسات من حين لآخر تتطلب العودة للطبيب النفسي لمتابعة العلاج.

هل اضطراب الشخصية الحدية خطير؟

كما ذكرنا سابقًا أن هذا الاضطراب يمكن علاجه الآن على الرغم من حدة أعراضه، فإنه قد يكون خطيرًا إذا لم يعالج.

يسبب اضطراب الشخصية الحدية أذى وتدميرًا للعلاقات العاطفية، ومشاكل اجتماعية عديدة، وقد يخسر المصاب وظيفته بسبب أعراض المرض الشديدة، إضافة إلى تهديد الحياة؛ بسبب الأفكار الانتحارية التي تراود المريض.

كما تصاحب المريض أمراض أخرى مع هذا الاضطراب مثل:

كيفية التعامل مع مريض اضطراب الشخصية الحدية

توجد بعض النصائح تمكن العائلة والأصدقاء من مساعدة المريض، ويجب اتباعها لحمايته وحماية أنفسهم، ومنها:

  1. يجب أولًا التعرف على المرض وفهمه، ويمكن التحدث مع الطبيب النفسي لأخذ بعض النصائح ولفهم أوضح للمرض.
  2. يفضل تشجيع المريض على العلاج والمقاومة، وتشجيعه على الاتصال بكم وبالطبيب النفسي إذا واجهته أي مشكلات، أو أفكار انتحارية لإنقاذه ومساعدته.
  3. يجب تقديم الدعم العاطفي والتقدير للمريض والتشجيع والصبر عليه خلال رحلة علاجه؛ لأن التغير يكون صعبًا ومخيفًا لهم.
  4. يمكن أن يذهب الصديق أو أفراد العائلة لطبيب نفسي آخر للتأكد من التشخيص ومن النصائح، إضافة إلى أخذ الدعم النفسي لمواصلة دعمهم للمريض، إضافة إلى السؤال عن الدعم الأسري.

اقرأ أيضا: كيف تتعامل مع صديق تبدو عليه أعراض مرض الاكتئاب؟