يتردد على مسامعنا عبارة أن هذا الفيلم «نال الأوسكار»، والحقيقة أن هذه المقولة تحوم حولها الأسئلة، وتحتوي على العديد من المغالطات. فجائزة الأوسكار من الممكن أن تأخذها كل عام 10 أفلام على الأقل.

فهي جائزة تقسم الفيلم لعناصره المختلفة من إخراج، لتمثيل رئيسي ومساعد، لقصة أصلية ومقتبسة، ومونتاج، وتحرير ومزج صوت، وتصوير إلخ من جوائز. وبالتالي من الممكن أن يكون أحد الأفلام ضعيفة المستوى لديه عنصر مميز واحد يجعله يفوز بجائزة أوسكار.

ولنأخذ مثالاً بفيلم «The Wolfman» من إنتاج عام 2010، والذي حصل على أضعف التقييمات النقدية والجماهيرية، ولكنه فاز بجائزة أفضل مكياج. وقد كان يستحق. ولكن الأصح أن يقال هذا الفيلم «فاز بجائزة أوسكار أفضل فيلم» لأن هذه الجائزة هي الأهم والمنتظرة كل عام.

والفيلم الحاصل عليها يعتبر بنظر الأكاديمية، هو الفيلم الأفضل في العام. وهو في الأغلب يكون حاصلاً قبلها على جائزتي البافتا والجولدن جلوب، وأغلب جوائز الولايات والنقابات. بالتالي هناك إجماع على أفضليته.

ولكن هل نظرة الأكاديمية صحيحة؟ والفيلم الذي تختاره هو الأفضل في العام؟


تجاهل العظماء

إذا نظرنا لقائمة قناة BBC لأفضل 100 فيلم في القرن الـ21، وهي القائمة الأكثر تنوعًا ومصداقية، سنجد أن المراكز العشرين الأولى لا تحتوي إلا على 3 أفلام حاصلة على جائزة الأوسكار وهم «Spirited Away» (أفضل فيلم رسوم متحركة)، و«Aspiration» (أفضل فيلم غير ناطق بالإنجليزية)، و«No Country For Oldmen» (أفضل فيلم ناطق بالإنجليزية).

ولكن يتبقى 17 فيلمًا لم يحصل أي منها على الجائزة، وبعضها لم يرشح من الأساس. نفس الأمر يتكرر مع مجلة «كراسات السينما الفرنسية» والتي تعتبر المجلة السينمائية الأعرق،ففي اختياراتهم لأفضل أفلام العقد الأول من القرن الحالي سنجد أنه لم تفز أي من الأفلام بجائزة الأوسكار. كما أن فيلم «مولوهلاند درايف»، والذي حصل على المركز الأول في قائمتي BBC وكراسات السينما الفرنسية، لم يحصل على جائزة الأوسكار أو «سعفة كان الذهبية».

اقرأ أيضًا:لماذا تصدر «Mulholland Drive» قائمة BBC كأفضل أفلام القرن؟

وبالنسبة لجائزة أفضل إخراج، والتي تعتبر ثاني الجوائز أهمية بعد جائزة أفضل فيلم، ورغم انحصار هذه الجائزة على العاملين في الأفلام الناطقة بالإنجليزية فقط، فنجد أنها خالية من أسماء ربما هي الأكثر عظمة في تاريخ هوليود. أمثال أورسن ويلز، وستانلي كوبريك، وتشارلي شابلين، وألفريد هيتشكوك. أربعة مخرجين عظماء وضعوا قواعد الإخراج في السينما المعاصرة، ولكن في زمنهم لم تعتبرهم الأوسكار مستحقين للجائزة.

وفي عصرنا الحالي نجد أن مخرجين مثل «كوانتين تارنيتنو، بول توماس أندرسون، دارين أرنفوسكي، ديفيد فينشر، كرستوفر نولان، ديفيد لينش، وويس أندرسون»، لم يحصلوا على الجائزة أيضًا، رغم أن هؤلاء يمكن القول إنهم الأهم في السينما الأمريكية في الوقت الحالي.

أما «مارتين سكورسيزي»، فلم يحصل على الجائزة سوى مرة وحيدة في عام 2006 عن أحد أقل أفلامه بشهادة كثيرين. وهنا يجب طرح سؤال: هل تمنح الأوسكار جوائزها للأقل استحقاقًا، أم هي جائزة يتم التحكم بها من قبل شركات معلنة وانتماءات المصوتين السياسية والأيدلوجية؟


لجان الاختيارات المحافظة

تتكون أكاديمية «علوم وفنون الصور المتحركة» من قرابة 6 آلاف عضو، ما بين ممثلين، مخرجين، كتّاب، وعاملين بالسينما في مجالات مختلفة. لا يوجد شروط يجب توفرها في عضو الأكاديمية سوى أن يكون العضو قد سبق ترشيحه للجائزة، أو أن تتم دعوته من قبل الأكاديمية.

فرامي مالك رغم أنه فنان شاب لم يحقق إنجازًا سينمائيًا من أي نوع، ولكنه أحد الأعضاء المصوتين. كذلك المخرج المصري «محمد دياب» الذي تم اختياره العام الماضي. بالإضافة لـ«عامر خان، واميتبات شان» من الهند.

اقرأ أيضًا:ما يجب أن تعرفه عن دعوة «محمد دياب» لعضوية الأوسكار

وعلى هذا يمكن وصف اللجنة المصوتة بأنها تمثل عموم صناع السينما في هوليود والعالم، بجميع أفكارهم عن السينما السطحية والعميقة. وبالتالي يمكن توقع اختيارات اللجنة وأنها تميل للشكل المحافظ للأفلام. ويعني أن يكون الفيلم المصوت له دراميًا أو ذا رسالة سياسية أو اجتماعية. وبالنظر للأفلام الفائزة بالجائزة سنجد أن 12 من أصل 16 فيلمًا فازوا بالجائزة بداية من عام 2000 ينتمي لتلك الفئات.

هناك مقولة متوارثة أن لجان تحكيم الجوائز والمهرجانات تميل عادة للفيلم المميز برؤية ذلك العصر. أما إذا أتى فيلم جديد من نوعه وسيشكل نقلة تاريخية مستقبلية فغالبًا سيتم تجاهله، بل ربما يتم مهاجمة مخرجه. يمكن تطبيق هذه المقولة بالمناسبة على أغلب الأفلام العظيمة. شاهد قائمة الأفلام التي فازت بجائزة أفضل فيلم تاريخيًا ستجد أن ما يزيد عن 50% منها أفلام منسية الآن.

هناك عوامل أخرى تؤثر على أختيار لجنة التحكيم؛ أولها أنه بداية من شهر أكتوبر/ تشرين الأول تبدأ جوائز نقابات النقاد (كجائزة نقاد أوكلاهوما – ولوس أنجلوس ،إلخ) والعاملين في مجال السينما (كجائزة رابطة مصففي الشعر- ومعدي الأفلام). ولكل ولاية أمريكية جائزة خاصة بها، بالإضافة لجوائز دولية هامة كالجولدن جلوب. وجائزة البافتا، والأوسكار الأسترالي.

الفائزون والمرشحون لهذه الجوائز يمثلون إجماع الوسط الفني الأمريكي حول ما هي الأفلام التي تستحق الترشح. وبالتالي تكون لجنة الأكاديمية قد حددت اختياراتها أدبيًا (وليس إلزاميًا)، وأن تكون ترشيحاتها مماثلة لسابقيها بنسبة تقترب من الـ80%.

مثلاً هذا العام التزمت الأوسكار بأغلب ترشيحات سابقيها، باستثناء فيلم «Phantom Thread»، الذي لم يرشح لعدد كبير من الجوائز المحلية، لكن الأوسكار أعطته عددًا مميزًا من الترشيحات في فئات هامة.

هناك عامل آخر يؤثر بدرجة كبيرة وهو الظروف السياسية الأمريكية والحملات الاجتماعية؛ مثل الأفلام التي تتحدث عن معاناة السود. ففوز «moonlight» جاء في العام التالي على اتهام الأكاديمية بتجاهل السود. بالإضافة لموجة «Lovewins» والتي جعلت الأفلام التي تتحدث عن المثلية محل تقدير وترشيح دائم.

يمكن القول إن الأوسكار وموسم الجوائز هو مؤشر على قوة الأفلام الفائزة والمترشحة، لا يمكن تجاهله. فستظل الأفلام الحاصلة على جائزة أوسكار أفضل فيلم، أفلامًا قوية حتى ولو في عصرها فقط.

لكن لا يمكن الجزم بأنها الأفلام الأقوى تاريخيًا؛ لأن التجارب والاختيارات النقدية المجمعة لأفضل أفلام حقبة معينة، أغلبية أفلامها تكون متجاهلة تمامًا من قبل الأكاديمية. ولذلك توقع أن يكون الفيلم الذي سيحمل اسم هذا العام بعد 10 سنين ليس فائزًا أو ربما لم يرشح على الإطلاق.