رحل الروائي والكاتب المصري الدكتور «أحمد خالد توفيق» منذ ما يزيد على العام، ترك ثقبًا كبيرًا في قلوب أبنائه ومحبيه، ولكنه قبل أن يرحل علمهم الكثير من الأشياء، كان دوماً يتمنى أن يقولوا عنه إنه جعل الشباب يقرؤون، وقد فاز بهذا بالفعل، ولكن الأعظم بما لا يقاس أنه جعل الشباب يكتبون. أبناء الراحل أحمد خالد توفيق ملء السمع والبصر في عالم الكتابة، واليوم يردون له قبساً من النور الذي ظل يمنحه لهم طوال حياته، ويكتبون مسلسلاً مقتبسًا من كتابه «حظك اليوم»، بل ويصنعون نسيجاً متقناً من التفاصيل كلها تنتمي لهذا الأب الروحي.


حظك اليوم: زودياك

كتاب «حظك اليوم» هو مجموعة قصصية صغيرة صدرت عام 2008 للكاتب الراحل «أحمد خالد توفيق». تدور المجموعة حول لعنة تطارد مجموعة من الصحفيين الذين فضحوا مشعوذاً بنى شهرته عن طريق قراءة الأبراج للناس، وقبل أن يموت أنذرهم أن برج كل منهم سوف يقتله. المجموعة مكونة من اثنتي عشرة قصة لاثني عشر برجاً، واثني عشر شخصاً يموتون كل بطريقة تنتمي لبرجه. الكتاب صغير يأتي في 95 صفحة، ولا يتطرق سوى للطرق التي يموت بها مجموعة الصحفيين، ويعتمد على الخيال أكثر من الحبكة. اليوم وبعد أكثر من 10 سنوات، يتم تجسيد إحدى قصص كتاب «حظك اليوم» في مسلسل «زودياك».

مسلسل «زودياك» المأخوذ عن الكتاب والذي يعرض الآن ضمن الماراثون الرمضاني، هو مسلسل قصير يأتي في 15 حلقة فقط، من بطولة: أسماء أبو اليزيد، وإنجي أبو زيد، وخالد أنور، ومحمد مهران، ومجموعة كبيرة من الممثلين الشباب. المسلسل من إخراج محمود كامل، ومن تأليف مجموعة كبيرة من الكتاب الشباب، يقودهم محمد المعتصم في الإشراف على ورشة الكتابة، ومحمد حربي في تطوير المحتوى، محمد هشام عبية وراوية عبدالله وعمر خالد ومنة إكرام في كتابة سيناريو وحوار الحلقات.

المسلسل جيد جداً من حيث التمثيل والإخراج، فأسماء أبو اليزيد مثلاً تؤدي دور الفتاة البسيطة ببراعة معتادة منها، وتظهر براعتها الحقيقية في أداء الجزء المرعب من القصة، عندما تتخشب وتنقلب عيناها وتتفوه بألفاظ غير مفهومة. مجموعة الشباب الذين يشاركونها البطولة جيدين أيضاً ويقومون بدور طلاب الجامعة بطريقة طبيعية.

أما على مستوى الإخراج، فيعيب أولى حلقاته الرتم البطيء نوعاً، ومع ذلك فلا يمكن إنكار جودة الصورة ووضوح الكادرات دون إضفاء مؤثرات لا لزوم لها لمجرد أن المسلسل يصنف رعب. مواقع التصوير والديكورات أيضاً جيدة جداً، يمكنك أن تستدل على ذلك في الحلقة السادسة عندما تتجول الكاميرا في معبد فرعوني.


عوالم أحمد خالد توفيق

المميز في مسلسل «زودياك»، رغم أنه مقتبس من كتاب حظك اليوم، فإنه يدور في عوالم أحمد خالد توفيق أكثر من اعتماده على المجموعة القصصية، فالتيمة الأساسية هي تيمة الكتاب، ولكن الخطوط الدرامية والتفاصيل الماورائية المرسومة لكي يترجم الكتاب إلى مسلسل هي تفاصيل من سلسلته الأشهر «ما وراء الطبيعة»، بدءاً من اختيار اسم المسلسل «زودياك» التي كان يستخدمها أحمد خالد توفيق في توضيح الاسم الدارج في عالم السحر عن أبراج الحظ، وحتى التفاصيل التي يعج بها المسلسل والتي لم ترد في الكتاب ولكنها تتردد باضطراد في السلسلة وفي مؤلفاته بشكل عام.

مثلاً أوراق التاروت التي تستخدمها إحدى الشخصيات لقراءة الطالع، والتي استخدمها مؤلفو المسلسل في خلق التقاطع الذي سيتقابل عنده الخط الأساسي للكتاب مع الخط الدرامي المضاف في المسلسل، أوراق التاروت ظهرت بكثافة في مؤلفات أحمد خالد توفيق، فقد كان يستخدمها د.لوسيفر، أحد الشخصيات الرئيسية في سلسلة «ما وراء الطبيعة»، حتى أن أحد أعداد هذه السلسلة صدر باسم «حكايات التاروت».

اقرأ أيضًا:«ما وراء الطبيعة»: أن تكون برفقة رفعت إسماعيل

أيضاً الأجانب المهووسون بالحضارة الفرعونية، والذين يستخدمون السحر الأسود في عبادات وثنية، تفصيلة لم توجد في الكتاب ولكنها تفصيلة مهمة في عوالم أحمد خالد توفيق، أتى على ذكرها أكثر من مرة أيضاً في نفس السلسلة، فهناك عدد باسم «الفتاة الزرقاء» يدور كله حوال هذا الموضوع، بالإضافة لذكر هذه التفصيلة في أكثر من عدد آخر.

هناك أيضاً المومياء التي يقدمون لها القرابين في المسلسل، والتي لا وجود لها في الكتاب، والتي في الغالب ترمز لكيان شرير يريدون استعادته ليسيطر على العالم أو لإتمام طقوس عبادته، هي أيضاً تفصيلة تجدها في أكثر من عدد في السلسلة مثل «نادي الغيلان».

أما عن السحرة الذين لا يكذبون بلا انقطاع ويجيدون النصب أكثر من إجادتهم السحر ولكن لعناتهم حقيقية، والذين يشبهون شخصية عدنان في الكتاب وفي المسلسل، فإنها تفصيلة مهمة من عالم أحمد خالد توفيق، بل إن أحد أهم شخصيات عالمه ينتمي لهذا النوع من السحرة وهو سام كولبي النصاب اليهودي الشهير وصديق رفعت إسماعيل بطل السلسلة.

كلها تفاصيل جديدة غير معتادة للقارئ العربي وبالتبعية على المشاهد أيضاً، وبالتالي هي دماء جديدة تضخ في عروق الدراما المصرية، وقد كان محمد حفظي وفيلم كلينيك جريئين كفاية ليكونوا أول من يساهم في ضخ هذه الدماء الجديدة، خاصة مع ما يواجه الدراما المصرية هذا العام من صعوبات.