في عام 2012 صنع المخرج الفرنسي ليوس كاراكس أكثر أفلامه شهرة «محركات مقدسة» Holy Motors، وترشح عنه لمعظم الجوائز الكبرى المخصصة للأفلام، أو في هذه الحالة للأفلام الأجنبية، كان أحد الترشيحات من جمعية النقاد في لوس أنجيليس، لم يتمكن كاراكس من الحضور وأرسل بدلًا منه تسجيلًا صوتيًا يسخر فيه من مفهوم الفيلم الأجنبي.

أنا ليوس كاراكس، مخرج أفلام أجنبية، لقد صنعت الأفلام الأجنبية طيلة حياتي، تصنع الأفلام الأجنبية حول العالم بالطبع عدا أمريكا، في أمريكا يصنعون أفلامًا بلغات غير أجنبية، من الصعب جدًا صنع الأفلام الأجنبية، لأن عليك اختراع لغة أجنبية عوضًا عن استخدام اللغة العادية، لكن الحقيقة هي أن السينما لغة أجنبية، لغة مخلقة لهؤلاء الذين يرغبون بالسفر إلى الجانب الآخر من الحياة، عمتم مساءً.

يسخر كاركس بذكاء من مركزية هوليوود وأمريكا واعتبارها محور العالم فيما يتعلق بصناعة الأفلام، كل ما دونها هو أجنبي عنها، منطقيًا فاللغة الإنجليزية أجنبية بالنسبة لبقية دول العالم فتصبح الأفلام الهوليوودية أجنبية بالنسبة لمصر على سبيل المثال، لكن بسبب سيطرة هوليوود على صناعة الأفلام والإعلام فإن الأفلام تصنف لأفلام فقط وأفلام أجنبية، تملك تلك الأفلام الأجنبية حصة مخصصة لها في الجوائز الأمريكية، هذا العام قررت أكاديمية العلوم والفنون المعروفة بالأوسكار تغيير مسمى جائزتها من أفضل فيلم بلغة أجنبية لأفضل فيلم عالمي لكي لا تصبح الأفلام محدودة بفكرة اللغة وتصبح فئة أكثر شمولية.

في الأعوام الماضية أصبح وجود الأفلام غير الأمريكية أكثر وضوحًا، ومشاهديها أكثر شمولاً وكثيراً ما كسرت تلك الأفلام «الأجنبية» وجودها الحصري في ترشيحات فئة معينة وأصبحت أفلامًا مطلقة كما يجب أن تكون، فترشح العام الفائت فيلم روما المكسيكي لجائزة أفضل فيلم وأفضل مخرج، وفي هذا العام يلفت النظر صعود عدة أفلام بلغات غير إنجليزية من إنتاجات متنوعة إلى الوعي العام والمشاهدة الشعبية، مثل طفيلي Parasite لبونج جون هو أو ألم ومجد Pain and Glory لبيدرو ألمودفار، فقد ترشح الأول لست جوائز أوسكار منها الترشح لجائزة أفضل فيلم وجائزة أفضل مخرج، بينما ترشح الثاني لجائزتي أوسكار إحداهما في فئة أفضل ممثل، هذا بالطبع إضافةً لفئة أفضل فيلم عالمي والتي ترشح لها الفيلمان.

1. Parasite

في أحد اللقاءات مع المخرج الكوري بونج جون هو، وعندما سئل عن نجاح فيلمه بشكل عالمي وخارج نطاق كوريا، رد هو بأنه كان يظن أنه يصنع فيلمًا عن مكان محدد ذي شخصية محددة ومحلية لكنه الآن يعتبر بعد تفاعل معظم الجنسيات مع فيلمه أننا نعيش جميعًا في دولة واحدة تسمى بالرأسمالية، يملك هذا الرد رؤية – بونج جون هو – عن فيلمه وعن طبيعة الأفلام الأجنبية.

في ظاهر فيلم طفيلي قصة مشوقة عن عائلة تحاول الارتقاء عن طريق امتصاص دم عائلة أخرى أعلى في السلم الاجتماعي، يدمج بونج عدة أنواع سينمائية ويصنع عملًا فنيًا يخاطب قضايا أيديولوجية يمكن لكل مواطن في أي دولة كانت أن يتفاعل معها وفي نفس الوقت يقدم فيلمًا ممتعًا ومشوقًا يجعل المشاهد يجلس على طرف كرسيه في انتظار الحدث القادم، ذلك المزج بين فنيات صناعة السينما بالإضافة للمتعة والإثارة جعل من طفيلي واحد من أنجح الأفلام غير الهوليوودية في السنوات الأخيرة، ترشح الفيلم لست جوائز أوسكار وفاز في مسابقة الجولدن جلوب في فئة أفضل فيلم أجنبي، كما حاز على السعفة الذهبية من مهرجان كان.

اقرأ أيضا: فيلم «Parasite»: كوميديا وتراجيديا الطفيليات البشرية

2. Pain and Glory

يملك بيدرو ألمودوفار اسمًا كبيرًا في السينما الإسبانية والعالمية، بسبب أسلوبه المميز الذي يصنع من الميلودراما الكلاسيكية أفلامًا واعية لمبالغاتها العاطفية وغنية بالتفاصيل الإنسانية والجماليات البصرية الخاصة، وفي فيلمه الأخير يزور نفس تيماته المعتادة، العلاقات الأسرية ودراسة الشخصيات النسائية وطبيعة الأمومة، لكنه هذ المرة وعلى غير عادته يتبنى وجهة نظر رجالية، بطله هو أناه الأعلى، مخرج يواجه أزمة في فنه ويتأمل طفولته وعلاقته بوالدته وصحواته العاطفية والجنسية.

يمكن اعتبار ألم ومجد أحد أكثر أفلام ألمودوفار ذاتية، يكشف نفسه أمام العالم مثلما فعل مخرجون عظام من قبله مثل فيديريكو فيليني في أشهر أفلامه «ثمانية ونصف»، فعندما يصبح بطل فيلم سينمائي هو صانع أفلام يسمح ذلك للجمهور بسبر أغوار عقله وكيفية تفكيره في منتجه الفني ويترك لنا الفرصة بأن نشاهد عملًا مركبًا أشبه بفيلم داخل فيلم، فاز أنطونيو بانديراس بجائزة أفضل ممثل من مهرجان كان، كما ترشح الفيلم في فئتين في كل من جوائز الأوسكار والجولدن جلوب.

اقرأ أيضا: فيلم «pain and glory»: رغبة ملحة في المكاشفة والبوح

3. It Must Be Heaven

إذا كنا ننظر إلى السينما كلغة عالمية فاتباع تصنيف المحلي والأجنبي لن يكون ملائمًا هنا لكن سماع لغة مألوفة في فيلم يعرض في نطاق مهرجانات أوروبية شيء لا يتكرر كل يوم، يعلم إليا سليمان جيدًا قدرات السينما في تخطي كل الحواجز المتعلقة باللغة والخلفية الثقافية ويؤمن بأهمية الصورة والحركة السينمائية.

في فيلمه الروائي الرابع وبعد مرور عشر سنوات على آخر أفلامه يعود بفيلم آخر يمزج الكوميديا الصامتة والسخرية الاجتماعية، ويجعل من العالم موقعًا لتصويره يتنقل من ثقافة إلى أخرى ليصل إلى أن العالم ليس بالاختلاف الذي يتصوره بعد كل شيء.

اقرأ أيضا: فيلم «It Must Be Heaven»: أن تكون إنساناً فلسطينياً

4. Les Misérables

يقتبس المخرج المالي الفرنسي لادج لي في أول أفلامه عنوان أحد أشهر الأعمال الأدبية في التاريخ، البؤساء لفيكتور هيوجو، ولكي يثبت أنها ليست مصادفة يبدأ فيلمه باقتباس من الرواية فيضع المتلقي في حالة تأهب ربما لمشاهدة معالجة معاصرة للرواية المأساوية المحبوبة، لكن البؤساء يأخذ عدة مناح غير متوقعة يصعب معها تصنيفه أو الخروج منه مثلما دخلته، يتعامل لي مع حادثة حقيقة ويحولها إلى دراسة متعمقة في طبقات وفئات المجتمع الفرنسي، علاقة السلطات بالمواطنين وصراعات القوى بين تلك الطبقات والمجموعات بداخلها.

يعتمد لي أسلوبًا واقعيًا في تناول فيلمه، كاميرات محمولة وأحداثًا مثيرة ومحمومة، لكن فيلمه لا يخلو من جماليات بصرية، جماليات تبزغ من داخل القبح تبرزه وتؤطره بصور لا تنسى، ترشح الفيلم في فئة الفيلم الأجنبي في كل من الأوسكار والجولدن جلوب.

اقرأ أيضا: فيلم «Les Misérables»: بين صناعة السينما وصناعة الكشري

5. Portrait of a Lady on Fire

بعد فوزه بجائزة السيناريو في مهرجان كان لفت فيلم الفترة صورة شخصية لامرأة تحترق الأنظار، بمواقع تصويره الساحرة وبطلاته الفاتنات، سيلين سياما مخرجة لطالما تعاملت في أفلامها مع مواضيع شائكة، فتاة تعتبر نفسها صبيًا في توم بوي مثلًا، وهذه المرة تحكي برقة شديدة قصة علاقة حب محرمة في فرنسا القرن الثامن عشر.

يؤطر العلاقة في الفيلم دراسة شديدة الدقة والصدق لعلاقة الفنان بموضوع فنه، وفي هذه الحالة الفنانة المرأة تحديدًا، فعلاقة الفنان بعارضته هي علاقة معتمدة على فكرة السيطرة والنظرة الأحادية، وفي فيلم سياما تستغل تلك النظرة لكي تجعلها تبادلية، وتصنع منها مساحة لاستكشاف الذات والآخر والوقوع في الحب، تجعل سياما بذكاء من فيلمها مساحة لمناقشة قضايا نسوية مر عليها الزمن لكنها لا تزال قائمة مثل: الإجهاض وتهميش الفنانات الإناث والزواج القسري، لكنه في جوهره فيلم عن الحب المستحيل وذاكرة المحب.

6. The Farewell

على عكس الأفلام السالف ذكرها يعد فيلم الوداع فيلمًا أمريكيًا، إنتاجه أمريكي ومخرجته أمريكية من أصل صيني، ولكن اعتباره جزءًا من منظومة (الأفلام الأجنبية) متعلق بمساحة اللغة غير الإنجليزية المستخدمة فيه.

يحكي «الوداع» قصة عائلية دافئة، تراجيدية في جوهرها لكن خيارات المخرجة لولو وانج جعلتها أشبه بأفلام الكوميديا الرومانسية، هو فيلم عن الثنائيات، تجربة أن تعيش بين عالمين، الشرق والغرب، العائلة والفردانية، الحياه والموت، كل ذلك من أعين بطلته الأمريكية الصينية أيضًا وتجربتها مع تقبل الموت المحتوم لجدتها التي تعتبرها صديقتها المقربة ويتفرع من ذلك أسئلة عن الهوية والعلاقات الإنسانية ومدى أحادية قيم مثل الصدق في أحلك لحظات الحياة، فازت أكاوفينا بطلة الفيلم بجائزة الجولدن جلوب لأفضل ممثلة كما ترشح الفيلم في فئة الفيلم الأجنبي.

7. Talking about Trees

فيلم الحديث عن الأشجار فيلم يحكي قصة موت السينما السودانية لكنه في طريقه لذلك يحييها ويضعها على الخريطة من جديد، وللصدفة يعرض في نفس العام فيلم سوداني ناجح آخر وهو «ستموت في العشرين» لأمجد أبو العلاء.

يحاول أربعة مخرجين سودانيين شهدوا عصر نهضتهما في الستينيات وهم الآن في الستينيات من عمرهم في دولة بلا سينما تنظيم عرض أفلام جماهيري ببساطة لأن معظم شباب السودان لم يختبروا تجربة مشاهدة فيلم بشكل جماعي، يصور المخرج الشاب صهيب الباري أبطاله كبار السن في أقصى طاقتهم الفتية، يغمرهم الأمل أحياناً وينتابهم اليأس في أحيان أخرى بسبب بلاهة القوانين والعوائق التي تواجههم، يصنع الباري من تلك المغامرة البسيطة قصة عن قيمة الفن في وجه الأوقات الحالكة ببساطة ودون خطب كبرى، فاز الفيلم في فئتين للفيلم الوثائقي بمهرجان برلين.

اقرأ أيضا: الحلم بعالم ﻻ يكون فيه «الحديث عن الأشجار» جريمة

8. About Endlessness

اسم روي أنديرسون لا يخفى على أي متابع للسينما للعالمية، السويدي غريب الأطوار الذي يصنع من الكادرات السينمائية لوحات ثابتة تمكن المشاهد من التدقيق في كل تفصيلة فيها.

بعد غياب أربع سنوات يعود بما يمكن أن نعتبره إضافة رابعة لثلاثيته عن الإنسان ومأساة وروعة أن يكون في هذا العالم، عن الأبدية يبدو أنديرسون أكثر رقة وتفاؤلًا، في مجموعة من المشاهد المنفصلة نتابع مواقف حياتية يومية يصاحبها صوت راوية وصفها أنديرسون بأنها أشبه بجنية، تروي علينا قصصًا مبتورة تمامًا كشهرزاد في ألف ليلة وليلة تجعلنا نطمع للمزيد.

9. Beanpole

في ثاني أفلامه الطويلة يصنع المخرج الروسي كانتيمير بالاجوف فيلمًا عن الحرب دون مشهد قتال واحد أو ساحة معركة، مستوحيًا كتابًا ليس للحرب وجه أنثوي للكاتبة ستيلفانا أليكسيفيتش.

يتلصص بالاجوف على حياة امرأتين دمرتهما الحرب عقليًا وجسديًا، في خلفيتهما مشفى يعالج مصابي الحرب من الرجال يسيطر على الفيلم شعور بفقدان القدرة على التحكم بالجسد، نرى ذلك العجز المتأصل في تجربة الحرب يحرك مأساة البطلتين لكنهما تحاولان إيجاد العزاء في رفقة بعضهما، فاز الفيلم بجائزة أفضل مخرج في مسابقة نظرة ما بمهرجان كان.

10. Bacurau

يصنف فيلم باكوراو نوعيا، بالويستيرن الغرائبي، وهو نوع فرعي للويستيرن يختلط بأنواع أخرى مثل الخيال العلمي أو الرعب، لكن الغرابة فعلًا هي أول ما يلفت النظر لباكوراو الذي فاز مناصفة مع البؤساء بجائزة تحكيم مهرجان كان.

بلدة مجهولة لا وجود لها على الخريطة تعيش بشكل بدائي رغم وجود مظاهر غريبة للتطور التكنولوجي، يزورها غرباء من خارجها وينتهي الأمر بفوضى لا نهائية وعنف مميت، يتأمل المخرجان البرتغاليان كيلبر ميندونسا وجوليانو دورنيليس قضايا مثل الاستعمار الجغرافي والثقافي ومحاولات محو الهوية ويصنعان فيلمًا محمومًا يترك المشاهد مع الكثير ليفكر فيه بعد نهايته.