عشر سنوات مرّت على إنشاء جائزة البوكر العربية التي تعد اليوم أهم جائزة للرواية العربية بالفعل، وبرغم كل الانتقادات والجدل التي تثيره اختيارات لجان التحكيم للروايات كل عام، فإن حالة الترقب لنتائجها تبقى مستمرة، ودفع الناشرين بالروايات التي يتوقعون فوزها بالجائزة لا يتوقف.

كان حضور الرواية المصريّة في الجائزة على مدار هذه السنوات كبيرًا ولافتًا إذ وصلت إلى القائمة الطويلة للجائزة نحو 35 رواية، وصل منها إلى القائمة القصيرة نحو 14 رواية. رغم ذلك لم يفز بالجائزة إلا روائيان فقط وذلك في أول عامين للجائزة هما: بهاء طاهر عن رواية «واحة الغروب»، ويوسف زيدان عن روايته «عزازيل».

من بين 14 رواية نجد الحضور الأكبر للرواية الواقعية التي تتناول مشكلات وهموم المصريين في الوقت الراهن، وإن كان مفارقًا أن يكون من بينها أربع روايات تتناول أحوال المصريين المغتربين، وروايتان فقط تتحدثان عن مشكلات المصريين داخل مصر، بينما مثل العودة للتاريخ وحضور الرواية التي تمزج بين التاريخي والمتخيل نسبة أقل وجدناه في ثلاث روايات فقط، بينما بقيت «عطارد» الرواية الوحيدة التي تتحدث عن المستقبل وإن كانت تنطلق من واقع مؤلم ومأزوم أيضًا.

كان حضور الشباب ملحوظًا في القوائم القصيرة، وإن لم يكن كبيرًا، فوجدنا على مدار السنوات العشر ثلاثة من الأدباء المصريين لكل واحدٍ منهم مشروع كتابة مختلف عن الآخر وهم: محمد ربيع وأحمد مراد، ومحمد عبد النبي.

اقرأ أيضًا جائزة «البوكر العربية»: للأدباء أم للناشرين؟

لا أعتقد أن المصادفة وآراء لجان تحكيم فقط هي السبب في الحضور المصري في أول عامين كبير لدرجة الفوز بالجائزة، ثم بدأ يخفت فأصبح الحضور بروايتين في القائمة القصيرة فقط (باستثناء عام 2015) ثم انتهى الأمر منذ خمسة أعوام إلى وجود رواية مصرية وحيدة في القائمة القصيرة، بل انتهى الأمر إلى غياب الروايات المصرية عن القائمة القصيرة للجائزة في العام الماضي تمامًا.

بالإضافة إلى العديد من الملاحظات والانتقادات المتعلقة بالمحاصصة الجغرافية التي يتحدث عنها القراء في كل دورةٍ من دورات الجائزة، إذ لم يصادف (إلا في العامين الأولين فقط) أن حصلت على الجائزة بلد مرتين متتاليتين، وغير ذلك من الانتقادات السنوية لقوائم الجائزة واختياراتها.

فيما يلي إطلالة على الأعمال الروائية المصرية التي وصلت إلى القائمة القصيرة لجائزة البوكر.

1. واحة الغروب – بهاء طاهر – 2008

تدور أحداث الرواية في نهاية القرن التاسع عشر أيام الاحتلال البريطاني، وثورة عرابي وما بعدها، وفيها يكلّف الضابط «محمود عبد الظاهر» بالسفر إلى واحات سيوة، ومعه زوجته «كاترين» الشغوفة بالآثار المصرية، وهناك تبحث عن مقبرة الإسكندر الأكبر. وهكذا يتشكّل الصراع بين الشرق والغرب بطريقة مختلفة خاصة مع احتكاك الضابط بأهل الواحة واختلافه معهم في تفاصيل حياتهم.

تُعد «واحة الغروب» أسعد روايات البوكر حظًا، فبعد أن حازت على الجائزة، تمت إعادة طبعتها أكثر من مرة، كما تم تحويل الرواية إلى مسلسل كتبت له السيناريو «مريم نعوم» من إخراج كاملة أبو ذكري، وعرض في رمضان 2017.

2. تغريدة البجعة – مكاوي سعيد – 2008

الرواية الأشهر للروائي الراحل مكاوي سعيد، وتتناول مجتمع وسط البلد بالشرح والتحليل، وذلك من خلال حكايات التغيرات التي طرأت في مصر منذ ثورة 1952 وحتى وقت صدور الرواية في 2008، استقبلها الكثير من النقاد بحفاوةٍ شديدة، ورأوا فيها عودة للرواية الواقعية التي تتماس مع قضايا الناس ومشكلاتهم.

اقرأ أيضًا: مكاوي سعيد رحيل عمدة وسط البلد

في الرواية البطل «مصطفى» يعيش حالة من الاكتئاب وانقسام الوعي، ويرصد تحولات أصدقائه من اليسار إلى اليمين بمزيجِ من الدهشة والاستغراب، يتعرّف على «زينب» ويقيم علاقة معها ولكن لا تستمر تلك العلاقة، يجد في طريقه الروسية «مارشا» يسعى للاقتراب منها، بين هذا وذاك ترصد الرواية عددًا من قضايا المهمشين ومجتمع «وسط البلد» وما فيه من مشكلات وصراعات بشكل واقعي فريد.

3. عزازيل – يوسف زيدان – 2009

أثارت هذه الرواية منذ صدورها الكثير من الجدل في الأوساط المسيحية المصرية، خاصة وأنها تتناول حادثة مقتل «هيباتيا» في عهد الإمبراطورية الرومانية، من خلال الراهب «هيبا» الذي يبحث عن الله وعن الحقيقة ويكون شاهدًا على مقتل العالمة «هيباتيا»، يدور في الرواية عدد من الصراعات وتناقش عددًا من الأفكار الوجودية والفلسفية، لا سيما المتعلقة بالصواب والخطأ، والخلاص من الإثم والطاعة، وغيرها من الأفكار الهامة التي تم تناولها بأسلوب أدبي وفلسفي متميز، كما امتازت بلغة شاعرية خاصة. كل هذا جعلها جديرة بالحصول على جائزة البوكر عام 2009.

تعد «عزازيل» الرواية الثانية للكاتب «يوسف زيدان» والذي لمع نجمه بعدها، أصدر عددًا من الروايات التي لم تقارب مستوى «عزازيل» فكرًا ولا بناءً.

4. جوع – محمد البساطي – 2009

ربما تعد أقصر الروايات التي وصلت لقائمة بوكر، إذ لا تتجاوز 120 صفحة، وتدور في عالم الريف المصري وما يعانيه أفراده من مشكلات تتصل كلها بلقمة العيش، والرواية كمجمل أعمال البساطي تعتمد على الإيجاز والتكثيف بشكلٍ كبير، ورغم أنها تتعرض لعدد من الشخصيات المختلفة والتباينة في الريف المصري فإنها تتناول كل واحدٍ منهم بلمحة موجزة تترك أثرًا في نفس القارئ. لا يقتصر وصف الجوع عند البساطي على الجانب المادي، ولكن يتسع ليشمل الجوع المعنوي أيضًا. وما يدور بين شخصيات عالم القرية من علاقات وأسرار .

5. يوم غائم في البر الغربي – محمد المنسي قنديل – 2010

يعود المنسي قنديل إلى التاريخ المصري القديم لينسج خيوط روايته، وتحديدًا في ثلاثينيات القرن الماضي، حيث مصر تحت الاحتلال البريطاني، ومن أقصى جنوب الصعيد في الأقصر حيث تدور الرواية حول «عائشة» الفتاة البسيطة التي تتعرض لمواقف صعبة وتترك قريتها وتنتقل للدير وهناك تتعرّف على أصدقاء جدد وتخوض تجارب حياتية مختلفة في القاهرة.

تسعى الرواية للمزج بين الإنساني الواقعي والتاريخي الأسطوري، وقد علّق الكثيرون على هذه الرواية باعتبارها رواية رمزية، وأن الكاتب كان يقصد مصر بشخصية عائشة وما تعرضت له من أيام الاحتلال البريطاني حتى اليوم، ولكن المنسي قنديل كان يؤكد دومًا أنه لم يقصد هذا البعد الرمزي أبدًا، وأنها حكاية تتناول التاريخ المصري بشكل روائي فحسب.

6. وراء الفردوس – منصورة عز الدين – 2010

حكاية أخرى من الريف المصري، تحكي عن «سلمى» الفتاة المصرية التي تعيش بين عالمين أحدهما عالم القرية الواقعي، والآخر العالم الخيالي الذي تنسجه من خلال قراءاتها للروايات واطلاعها على الثقافات العالمية، تمزج الرواية بين الحكاية الشعبية والتفاصيل الواقعية وعدد من الأساطير في نسيج روائي محكم، وتتناول عالم القرية من منظورٍ خاص ومختلف عن المعتاد، بدءًا بالبطلة المختلفة تمامًا مرورًا بشخصيات الرواية، وهو عالم تجيد «منصورة عز الدين» الدوران فيه والتعبير عنه دومًا، هذا ما فعلته في هذه الرواية وما فعلته في رواياتٍ وأعمالٍ تالية لها، جعلتها من أهم الأصوات النسائية في الرواية المصرية.

7. رقصة شرقية – خالد البري – 2011

تروي قصة شاب مصري يتزوّج من بريطانية تكبره سنًا، ويكشف فيها «البري» عن عوالم وسط البلد وطموحات وأحلام الشباب في السفر والهجرة، في الرواية وجه جديد ومعاصر للعصفور الذي يذهب إلى الغرب، ليكتشف عالمًا مختلفًا ومغايرًا عمّا اعتاد عليه وتعامل معه طوال حياته، هنا مواجهة بين الشرق والغرب بطريقة خاصة، وبأسلوبٍ سردي مختلف. علّق كثير من النقاد على هذه الرواية بشكل إيجابي وراهنوا على وصولها للجائزة الكبرى في بوكر خاصة بعد أن وصلت للقائمة القصيرة، ولكن لم يحالفها الحظ في النهاية.

8. بروكلين هايتس – ميرال الطحاوي – 2011

ويبدو أن عام 2011 كان عام الهجرة للغرب في الروايات، إذ أطلت علينا «ميرال الطحاوي» أيضًا بروايتها الجديدة «بروكلين هايتس» والتي كانت قد حازت على جائزة نجيب محفوظ (الجامعة الأمريكية) في العام السابق لها 2010.

في هذه الرواية تحكي الكاتبة عن رحلة أم مع ابنها الوحيد، وحياتها في البداية في بيئتها المصرية، وحكايات النساء من حولها، ثم سرعان ما تنتقل بنا إلى أمريكا حيث تضطر للسفر مع ابنها إلى هناك، فتعرض حياة الجالية العربية هناك من خلال نماذج لشخصيات عربية مختلفة، مع التركيز على الصعوبات التي تواجهها امرأة وحيدة في هذا العالم الغريب عليها كليةً.

9. عناق عند جسر بروكلين – عز الدين شكري فشير – 2012

مرة ثالثة يطل علينا حكاية المصريين في بلاد الغربة، وفي «بروكلين» تحديدًا أيضًا .. عدد من الحكايات المتصلة المنفصلة تجمع بين أبطال وشخصيات تعيش في أمريكا لا يجمع بينهم في البداية إلا صوت الراوي، لنفاجأ بلقائهم في نهاية الرواية، يعكس «عز الدين شكري» من خلال الرواية وجهة نظر أبطاله حول المسافة بين الشرق والغرب، ويعزف بطريقة مختلفة ومتميزة في ذلك الصراع الذي يدور كثيرًا ويتناوله الكثير من الأدباء كل بطريقته، ربما يميز هذه الرواية تعدد الأصوات واختلاف الطبقات بين أستاذ جامعي متحقق وبين شباب يبدؤون حياتهم مبهورين بالغرب وما فيه، والتحولات التي تطرأ على هذه الشخصيات من خلال احتكاكها بالعالم الآخر.

10. العاطل – ناصر عراق – 2012

هذه المرة تأتي الهجرة شرقًا، ومن بلد عربي يقهر أبناءه إلى بلدٍ عربي آخر على مستوى كبير من الرفاهية والرقي، في «العاطل» يحكي ناصر عراق حكاية شابٍ مصري من آلاف العاطلين الذين يعانون في مصر من صعوبات الحياة، ولكن الحظ يحالفه لينتقل إلى العمل في “دبي”، وتقوم مقارنة بين الحياة هنا وهناك، ومستوى المعيشة المختلف تمامًا. ورغم وجود هذه الفكرة الهامة والثرية فإن الكاتب استغرق في وصف العلاقات الجنسية للبطل وخروج الفكرة الرئيسية إلى التطرق للعجز الجنسي للبطل مما أضعف من مستوى العمل بشكل كبير بطريقة أخرجت العمل بمستوى أقل من المتوقع، بل جعله الكثير غير مؤهل للوصل للقائمة القصيرة لبوكر في هذا العام.

11. مولانا – إبراهيم عيسى – 2013

تتناول الرواية فكرة «شيوخ الفضائيات» تلك الظاهرة التي انتشرت في السنوات الأخيرة، وأصبحت مؤثرة على قطاع كبير من الشباب، من خلال قصة «حاتم الشناوي» الداعية المودرن الفكاهي الذي غيّر من شكل الشيوخ والدعاة المتعارف عليه، لكننا نكتشف من خلال قصته استغلاله للدين لأهدافه الخاصة، وعلاقته برجال الأعمال والسياسيين وغير ذلك، وفيها عكس واقعي لمشكلات المجتمع المصري وما يدور فيه في هذه الفترة الراهنة من تاريخه. تم تحويل الرواية إلى فيلم سينمائي عام 2017 بطولة عمرو سعد ومن إخراج مجدي أحمد علي، ولكنه لم يلق النجاح الذي حققته الرواية.

12. الفيل الأزرق – أحمد مراد – 2014

الرواية التي أثارت الكثير من الجدل، ووصلت إلى قائمة الروايات الأكثر مبيعًا عام صدورها، وانتقد الكثيرون وصولها إلى أهم جائزة للرواية العربية، إذ يرى الكثير من النقاد أنها (وكتابة أحمد مراد بشكل عام) تشكل نوعًا مما أطلق عليه مصطلح «الأدب الرائج» الذي لا يقدم محتوى أدبيًا قيمًا، وإنما يتبع الأسلوب البوليسي والغموض والتشويق والإثارة ويجذب له القراء الشباب الذين يهتمون بهذا النوع من الكتابة.

تدور الرواية حول الطبيب النفسي «يحيى» الذي يعمل في مستشفى للأمراض العصبية ويتعامل مع أحد المرضى الذي يكشف له أسرارًا تتعلق بماضيه وينقله من خلال تعاطي بعض الحبوب المخدرة إلى الماضي بطريقة فنتازية. تم تحويل الرواية إلى فيلم من إخراج “مروان حامد” عام 2014.

13. عطارد – محمد ربيع – 2016

المستقبل الأسود أخيرًا، الرواية الوحيدة تقريبًا في هذه القائمة، وربما في قائمة روايات البوكر كلها، التي لا تتحدث عن الماضي ولا الحاضر، وإنما تقفز للمستقبل، وترسم رؤية سوداوية لمصر عام 2025 حيث تحوّلت الحياة فيها إلى «جحيم» بالمعنى الحقيقي وانتشر القتل والتعذيب والحرب التي أدت إلى تقسيم مصر إلى جزءين، هي رواية من عالم الديستوبيا، تنطلق من صدمة الواقع المؤلمة لاسيما بعد ما حدث من خيبات متكررة منذ ثورة 2011 وتصل بالقارئ إلى حالة من السودواية والتشاؤم لا مثيل لها، كل ذلك من خلال سرد أدبي محكم وقصة مليئة بالتفاصيل المرسومة بدقة .

اقرأ أيضًا:محمد ربيع عن تشاؤم «عُطارد»: الأمل يُعمينا ويحجب الوقائع

14. في غرفة العنكبوت – محمد عبد النبي – 2017

حادثة فارقة عام 2001 جعل منها «محمد عبد النبي» محور روايته، وكشف من خلالها باقتدار عن عالم كامل يتم تجاهله أو الهروب من الحديث عنه، أو الإشارة العابرة إليه في بعض الروايات والأعمال الفنية، إنه «عالم المثليين» المسكوت عنه وعنهم، كيف يعيشون في المجتمع الشرقي المحافظ، واستطاع الكاتب أن يعبّر عن هذا العالم بكل تجلياته وتناقضاته وأزماته داخل المجتمع بشكل واقعي صادق إلى أبعد حد.