هيمنت – ولا تزال – الجائحة العالمية التي سبَّبها فيروس الكورونا المستجد على اهتمام البشر في كافة أرجاء الدنيا، سواءً في ذلك المتخصصين في العلوم والتطبيقات المتصلة بشكلٍ مباشر، أو عامة الناس. ولا شك أن مثل هذا الاهتمام وإن شابه الكثير من الهوس، هو اهتمام مستحق، لا سيَّما وقد فتك هذا الوباء بأرواح أكثر من 300 ألف إنسان حول العالم، لم يميزْ فيهم بين مواطني الدول المتقدمة والكبرى، وسكان العالم الثالث، بينما تجاوزت الإصابات الموثَّقة  4 ملايين ونصف المليون إصابة، وفق إحصاءات نهاية الأسبوع الثاني من شهر مايو/آبار 2020م.

اقرأ: ماذا يعني إعلان منظمة الصحة العالمية “كورونا” وباءً عالميا؟

الشغل الشاغل للجميع هو متى يمكن القضاء على هذا الوباء لنستطيعَ العودة إلى حياتنا الطبيعية. ولن يتحقق هذا إلا بثلاث طرق أو إحداها على الأقل، وإن كانت هناك علامات استفهام علمية وطبية لا تجعل تلك الوسائل مسلمات مقطوع يصدقها.

الأولى: هي إصابة أكثرية سكان الأرض بالعدوى، فيهلك من هلك، ويحيى من حيا بعد أن طورت أجسامهم مناعةً فعالة ضد الفيروس، وبالتالي أصبح لدى نسبة مؤثرة من الباقين من البشر مناعة ضد العدوى، فلا يجد الفيروس بيئة خصبة للانتشار، فينكسر الوباء، وتعرف تلك الطريقة بمناعة القطيع.

الثانية: وهي الأهم، وعليها تنعقد الآمال، وهي أن ينجح العلماء في تطوير مصل فعال ضد سلالات الفيروس الموجودة، ويُنتَج على نطاق واسع، ويُعطى لأكثرية البشر، فيتكرر ما حدث في الطريقة الأولى، لكن دون فقدان مئات الآلاف من الأرواح. لكن ما يزال أمامنا بضعة أشهر على الأقل قبل أن يظهر بشائر هذا.

أما الثالثة، فهي التوصل السريع لأدوية مضادة للفيروسات تقلل تدهور الحالات إلى المضاعفات الخطيرة، وتسرع شفاء الحالات الطفيفة والمتوسطة، فتقلل من الضغط على الأنظمة الصحية، وتحد من الخسائر. وبالفعل جُرِّبت في كافة أنحاء العالم العشرات من العقاقير المضادة للفيروسات وغيرها، وظهرت نتائج متضاربة لمدى فاعلية تلك العقاقير، فدراسات سريعة أكدت قوتها وأنها أحدثت فارقًا لدى الكثير من المرضى، ودراسات أخرى تنكر هذا، وتؤكد أنها تسبب آثارًا جانبية دون جدوى علاجية.

اقرأ: أمانٌ زائف .. احترس من طرق الوقاية الكاذبة من كورونا.

في السطور التالية، سنسلط الضوء على أشهر ما ركز عليه الباحثون والأطباء في الأشهر الماضية لعلاج الكورونا، وهل بالفعل حصلنا على ما نريد أم لا.

الهيدروكسي-كلوروكين .. دواء الملاريا الذي علا نجمه ثم هوى

https://www.facebook.com/Weqayh/photos/a.107908457510955/127953122173155/?type=3&theater

الهيدروكسي كلوروكين، الذي من أشهر علاماته التجارية البلاكوينيل، من إنتاج شركة سانوفي الفرنسية، هو بالأساس دواء لعلاج الملاريا، وكذلك كمضاد التهاب خاص في مرضى الروماتويد الذي يتلف المفاصل وغيرها من أجهزة الجسم، لكنه أكثر العقاقير التي دار حولها النقاش كدواءٍ محتمل ضد الكوفيد-19. 

تمتاز تلك المادة الفعالة برخص ثمنها (يصل إلى بضعة جنيهات للشريط في بعض البدائل المُصَنَّعَة محليًّا)، واكتسبت زخمًا في مواجهة الوباء بعد ظهور الرئيس الأمريكي ترامب في مؤتمر صحفي عالمي يوم الخميس 20 مارس/آذار 2020م معلنًا اعتماد منظمة الغذاء والدواء الأمريكية له لمواجهة فيروس الكورونا المستجد. 

وهناك عدة نظريات في تفسير فعالية الهيدروكسي كلوروكين ضد فيروس الكوفيد-19، كقدرته على تعطيل آلية دخول الفيروس إلى خلايا الجسم، والتي دونها لن يقوم الفيروس بتأثيره، إذ يُصعِّب الحتام الفيروس بالمستقبلات على سطح الخلية، كما أنه يزيد قلوية البيئة الخلوية، مما يصعِّب دخول الفيروس إلى النواة حيث المادة الوراثية. كذلك فإن دوره كمضاد للالتهاب يهدئ من رد الفعل المناعي الشديد ضد الفيروس، الذي قد يسبب تلفًا كبيرًا للأنسجة.

اقرأ: دواء للملاريا ومضادات فيروسية .. هل وجدنا علاجًا للكورونا؟

لكن بعد الأدلة التي ظهرت في البداية لتؤكد فاعلية هذا الدواء ضد فيروس الكوفيد-19، تلاحق ظهور أدلة أخرى على عدم فاعليته، حتى إذا استُخدِمَ مصحوبًا بالأزيثرومايسين، رغم ما في استخدام هذا الثنائي معًا من مخاطر على القلب. ورغم تحمس الفرنسيين لهذا الدواء مبكرًا والذي تُنتج العلامة الأصلية له شركة سانوفي الفرنسية، فقد أظهرت دراسة فرنسية الشهر الماضي عدم وجود أي فاعلية حقيقية لهذا العقار ضد الكوفيد-19، سواء في تقليل الحالات الحرجة، أو نسب الوفاة. وأظهرت دراسات أخرى نشرت هذا الشهر، أن هذا العقار لم ينجح في تقليل الوفيات أو تدهور الحالات المتوسطة إلى حرجة. 

لكن تُجرى حاليًا دراسات أكبر على هذا العقار لحسم الجدل حول مدى فاعليته ضد الكوفيد-19.

الريمديسيفير .. فشل مع الإيبولا، ويُحاول الأمريكيون إنجاحه مع الكوفيد 

https://youtu.be/uMkcKHBC8zw

عالم أمريكي يتحدث عن مدى فاعلية الريدميسيفير وفق الأدلة المتاحة حاليا

الريمديسيفير بالأساس هو مضاد فيروسي استُخدم ضد الإيبولا، وإن لم يُقدم نتائج جيدة، وتُنتجه عملاق الأدوية الأمريكي، شركة جلياد. مطلع الشهر الحالي مايو/آيار 2020م، أُعلِنَ في الولايات المتحدة الأمريكية عن تسريع السماح باستخدامه لعلاج حالات الكوفيد 19

لكن لدينا بعض النتائج التي تؤكد فشل هذا العقار في القيام بالدور المأمول، ففي إحدى الدراسات الصينية، كانت نسبة الشفاء في المجموعة التي لم تتعاطَ الريمديسيفير نحو 13% بينما كانت 12% فحسب في المجموعة التي تناولته. بل في أواخر أبريل، اعترفت جلياد بأن نتائج إحدى دراساتها على فاعلية الريمديسيفير، لم تكن حاسمة.  

ما ثبُت لدينا وفق الأدلة العلمية المتاحة، وكما أعلن د.فاوتشي، العالم الأمريكي الشهير في اللجنة العليا لمواجهة الوباء في الولايات المتحدة، أن هذا العقار يساهم في تسريع عملية شفاء المرضى بنحو 3-4 أيام، وهذا يساهم في تخفيف الضغط على المنظومة الصحية. 

الأفيجان الياباني .. هل يلحق بالهيدروكسي-كلوروكين؟

https://www.facebook.com/Weqayh/photos/a.107908457510955/125206782447789/?type=3&theater

الأفيجان هو الاسم التجاري لعقار (فاڨيبراڤير) مضاد الفيروسات، الذي أنتجته اليابان عام 2014م ضد الأنفلوانزا. أظهرت دراسات صينية مبكرة أنه فعّال في تسريع شفاء حالات الكوفيد-19، وتقليل فرص تدهور الحالات المتوسطة إلى الوضع الحرج، وفي تركيا التي شهدت نسبًا عالية من الشفاء السريع للحالات، كان بروتوكول العلاج يقضي باستخدام الأفيجان – مع الهيدروكسي كلوروكين – مبكرًا في علاج الحالات، حتى الطفيفة منها.

ورغم الإشارات الإيجابية العديدة المتعلقة بالأفيجان كمضاد للكوفيد-19، فإنه ما يزال يخضع للتدقيق في عدة دراسات موسعة حول العالم، وحتى اللحظة لا نملك دليلًا علميًا قاطعًا على جدواه، وما تزال العديد من الشكوك تحيط بالنتائج الإيجابية الأولية التي ظهرت لدينا.

مضادات فيروسية أخرى

الكاليترا، هو الاسم التجاري لدواء لعلاج الإيدز، يضم مضاديْ الفيروسات اللوبينافير، والريتونافير، وجُرّب في أماكن عديدة لمواجهة الكوفيد-19، لكن جاءت معظم النتائج مخيبة للآمال باستثناء دراسة صدرت في مايو الحالي ذكرت أنه يسرع شفاء بعض المرضى إذا استُخدم مع الإنترفيرون، ومضاد فيروسي آخر هو الريبافيرين.

وكذلك لم يُظهر مضاد الأنفلوانزا الروسي الصنع أوميفينوفير – المعروف تجاريا بالأربيدول – فاعلية جيدة ضد الكوفيد-19.

مثبطات المناعة

استُخدم العديد من مثبطات المناعة وفي القلب منها الكورتيزون، وذلك لتهدئة رد فعل المناعة الشديدة في حالات الكوفيد 19 الحرجة، والذي يُعتبر من أهم آليات الوفاة.

اقرأ: كيف يحمي جهاز المناعة جسم الإنسان .. فيروس كورونا نموذجًا. 

وبالفعل أظهر العديد منها، مثل التوسيليزوماب، فاعلية في تقليل حدة ما يُعرف بعاصفة السيتوكينات، والتي تحدث عندما تطلق خلايا المناعة أسلحتها بكثافة ضد الكوفيد-19، فتتسبب في تلف كبير بأنسجة الجسم لا سيَّما في الرئتيْن. لكن لا تقضي تلك العقاقير على الفيروس نفسه، هي فقط تهدئ من غلو رد الفعل المناعي ضده.

الفيتامينات بجرعاتٍ علاجية

من بين ما استُخدم لمواجهة الكوفيد-19، الفيتامينات، وعلى رأسها فيتامين سي و د، فالأول من الثابت أنه يحسن مناعة الجسم، لا سيما خطوط الدفاع الأولى ومنها الأنسجة المخاطية التي تبطِّن الجهاز التنفسي، والثاني من المعلوم أن الكثير من كبار السن يعانون من نقصه، وهم الشريحة الأكثر تضررًا من الكوفيد-19.

في الأدلة العلمية المتاحة حاليًا، ليس لدينا ما يقطع بدورِ علاجي فعال لتلك الفيتامينات، وإن أظهرت بعض النتائج الأولية لبعض الدراسات أن نسب الوفاة من الكوفيد-19 تزيد لدى من يعانون من نقص في الفيتامينات، لا سيما فيتامين د. لكن ما زلنا بحاجة لدراساتٍ أقوى للتثبت من مدى فاعلية فيتامين د ضد الكوفيد 19. وعمومًا، مع حالة الحظر في العديد من المناطق، وبالتالي قلة خروج كبار السن وتعرضهم للشمس، يُنصح بتناول مكملات دوائية تحتوي على فيتامين د لتعويض نقص تصنيعه.

اقرأ: 9 أسئلة تشرح فوائد فيتامين سي الصحية دون مبالغات طبية.

اقرأ: فيتامين د: هل يُحدث نقصه كل ما نعانيه؟

كوفي-شيلد، هل اقتربنا من الحصول على الدرع المنشودة؟

أعلنت شركة سورينتو الأمريكية، ومقرها مدينة سان دييجو بولاية كاليفورنيا، يوم الجمعة 15 مايو/آيار 2020م، أن أحد الأجسام المضادة التي يعمل عليها باحثوها في معامل الشركة، قد أظهر قدرة تقترب من 100% على قتل فيروس الكوفيد-19 معمليًا، وتُعتبر تلك خطوة جيدة في مسار مكافحة الفيروس.

أعلنت الشركة أن جهودها ترمي إلى التوصل إلى كوكبة من الأجسام المضادة والعقاقير الفعَّالة ضد الفيروس، لتوفر حماية كاملة منه حتى لو حدثت طفرة سلبية للفيروس ينتج عنها مقاومة ضد بعض تلك الوسائل، وسمت ذلك المشروع درع الحماية، أو كوفي-شيلد. وأكدت الشركة أن باحثيها قد اختبروا مدى فاعلية الآلاف من الأجسام المضادة، ووجدوا بالفعل عددًا منها قادرًا على تعطيل بروتينات مهمة في غلاف الفيروس تسهل اختراقه للخلايا البشرية، وفي القلب منها الجسم المضاد STI-1449 الذي أظهر قدرة تقترب من 100% على قتل الفيروس، لدرجة أن الشركة تخطط لاستعجال الجهات المسؤولة في تسريع إجراءات اختباره والموافقة عليه، ليمكن إصداره تجاريًا تحت اسم «كوفي-جارد».

ورغم أن الوقت ما يزال مبكرًا قبل التحقق المحايد مما أعلنته الشركة، فما أعلنته تلك الشركة هو خطوة متقدمة في الحرب ضد فيروس الكوفيد-19، نتمنى أن تثبت الجهات البحثية المختصة صدقَه.

الخلاصة

حتى الآن، في لحظة كتابة هذه السطور مساء يوم 17 مايو/آيار 2020م، لم نتوصل إلى دواءٍ يُحدِثُ فارقًا جذريًا في علاج الكورونا، ويسهم بشكلٍ ملموس في كبح جماح الوباء، وإن أظهرت بعض الأدوية قدرًا من الفاعلية هنا وهناك. ولذا فما يزال خط دفاعنا الأول في منع أو على الأقل إبطاء انتشار الوباء هو إجراءات الوقاية المختلفة وأهمها التباعد الاجتماعي، والنظافة الشخصية، والكمامات أثناء الاحتكاك بالناس. لكن ما يُنعشُ آمالَنا أن هناك حركة دءوبة في كافة المؤسسات العلمية والطبية حول العالم في مساريْ التطعيم والعلاج، ونأمل في أي لحظة أن يظهر ما يحدث الفارق بإذن الله.