للمرة الأولى من سنين طويلة في مصر نصادف قاعات سينما ممتلئة حتى آخرها وقاعات أخرى محجوزة لأسابيع قادمة، وكل هذا لفيلم غير مصري. الأمر ليس في مصر فقط، ولكنه سيحدث في كل مكان في العالم، ونقول سيحدث لأن جمهور السينما في مصر كان محظوظًا لأن العرض الجماهيري لهذا الفيلم سبق العرض في العديد من دول العالم.

نتحدث اليوم عن فيلم «Avengers: Endgame»، الجزء الأحدث من المرحلة الثالثة لملحمة أفينجرز التي بدأ أول جزء فيها منذ عشرة أعوام، والتي تمر من خلال هذا الفيلم بنقطة تحولها الأهم، النقطة التي يمكننا اعتبارها بمثابة نهاية عصر أبطال أفينجرز القدامى الذين تعرفنا عليهم طوال 21 فيلمًا. ولكن الأمر ليس نهايةً وحسب، فهذه هي أيضًا نقطة التوهج التي انتظرها كثيرون، لصراع طويل ومرهق بين أبطال الأرض الخارقين «أفينجرز» وبين «ثانوس» الشرير الفضائي الذي يؤمن بأن إنقاذ الكون لن يأتي إلا بالتخلص من نصف سكانه.

كل الأمور ستكون بخير في النهاية، إذا لم تكن الأمور بخير، إذاً فهي ليست النهاية.

تُذكر هذه الكلمات التي كتبها جون لينون (الكاتب والمغني الإنجليزي) بشكل معتاد عند الحديث عن الأوقات الصعبة، لكن الحقيقة أنها غير واقعية بشكل كافٍ، إلا إذا نظرنا لمفاهيم مثل الخير والنهاية بمنظور آخر.

في مراجعتنا اليوم لفيلم «Avengers: Endgame» لا تنتهي كل الأمور بخير، ولا تنتهي كلها بشكل سيئ أيضًا، وهذا قد يكون العنوان الأهم وسط عناوين تفرد عالم مارفل السينمائي الذي أشرف على تطويره بشكل خاص الشقيقان الموهوبان أنطوني وجوي روسو.

توقعنا الكثير، ولم يخب ظننا، بل إن كثيرين تمنوا لو طال زمن هذا الفيلم عن الثلاث الساعات. هذا فيلم يصلح كنهاية ملحمية دسمة لمسيرة أبطال خارقين، مسيرة تبدو كميثولوجيا القرن الواحد والعشرين. ولكن كيف استطاع صناع هذا الفيلم أن يرسموا خيوط عالم مارفل عقب انتصار ثانوس؟ وكيف تحولت غاية الصراع من الانتقام إلى ما هو أكبر من ذلك؟ والأهم كيف تصنع فيلمًا خياليًّا يمكنه النجاح جماهيريًّا بهذا الشكل؟ هذا ما سنجيب عنه اليوم.

تنويه: هذه المراجعة موجهة لمن شاهد الفيلم، فهي تحمل حرقًا للأحداث، لا تكمل قراءتها إن لم تشاهده بعد، أو أكمل على مسئوليتك الشخصية.


البداية: وهبطوا من السماء إلى الأرض

يبدأ الفيلم بمشهد نرى من خلاله «Hawkeye» وهو يلهو برفقة أسرته في حديقة المنزل. Hawkeye كان بعيدًا عن القتال في الجزء الأخير وفضل أن يحيا حياةً هادئةً برفقة أسرته، يتحرك حاملًا القوس والسهم ليعلم ابنته الصغيرة طريقة التصويب، يتوجه السهم بشكل جيد للغاية في منتصف دائرة التنشين، يلتفت ليشجع ابنته فلا يجدها، لقد اختفت، واختفت أيضًا زوجته وطفليه. بهذا المشهد يؤسس الأخوان روسو للعالم عقب فرقعة أصابع ثانوس التي أدت إلى اختفاء نصف سكان الأرض. عالم يسيطر على أجوائه الفقد المفاجئ، وهذا هو بالتأكيد أسوأ أنواع الفقد.

اقرأ أيضًا:قبل نهاية اللعبة، كيف كان العالم دون أبطال مارفل؟

في الفصل الأول من هذا الفيلم، وعلى خلاف كل أفلام «أفينجرز»، لا نشاهد أي مشاهد أكشن، كما أن الإيقاع يبدو متمهلًا، بل بطيئًا في بعض الأحيان. يترك لنا صناع الفيلم الفرصة لتأمل الحياة عقب الهزيمة، ولتأمل ما حدث لهؤلاء الأبطال الخارقين عقب سقوطهم من السماء إلى الأرض.

يبدو «أيرون مان»، و«كابتن أمريكا» وبقية المجموعة كبشر عاديبن، توقفوا عن كونهم آلهة، وأصبحوا بفعل الخسارة مهتمين بشكل متزايد بما يهتم به البشر، الأسرة والعلاقات الشخصية. يبدو العام غير ذي صفة بعد إدراكهم لضعفهم، ويبدو الخاص هو الأهم لنفس السبب.

هذا الفصل الأول نجح فيه الأخوان روسو وبشكل مبهر في التأصيل لدوافع أبطالهم، وأنسنتهم، والغريب هنا أنهم نجحوا في هذا بشكل خاص في حالة Hawkeye الذي يمتلك حكاية مثيرة جدًّا للاهتمام في هذا الفيلم مقارنة بكل المرات التي ظهر فيها في أفلام أفينجرز السابقة.


الصراع: عن الانتقام أم عن استعادة ما خسرناه

بهذه الكلمات يصف ستيف روجرز «كابتن أمريكا» الفصل الثاني من الفيلم، والذي يبدأ بعد نهاية غير متوقعة للفصل الأول. توقع كثيرون أن يدور صراع الفيلم بالأساس عن الانتقام من «ثانوس»، لكننا نفاجأ بأن هذا الانتقام يحدث وبشكل سريع للغاية في نهاية الجزء الأول، فبمجرد استدعاء كابتن مارفل، يذهب الأفينجرز إلى حيث يستريح ثانوس، فيجدونه قد تخلى عن قواه، وتفرغ للراحة والاستمتاع بالحياة عقب تحقيقه لهدفه، ليتم قتل ثانوس بفأس ثور وبشكل سريع للغاية.

لنرى بعدها أن حياة الأفينجرز لم تتحسن، بل بالعكس، الآن وقد حققوا هدفهم بالانتقام لم يعد يشغلهم سوى البكاء على ما خسروه، ليظهر كما هو متوقع حل من خلال «عالم الكم» الذي عرفنا من خلال سلسلة «Ant-Man» أنه يمكن من خلاله التحكم في الزمن والسفر عبره.

هكذا يجد الأفينجرز سببًا جديدًا لحياتهم، ألا وهو استعادة ما خسروه، يختار صناع أفينجرز هنا أن يوافقوا توقعات مشاهديهم، ويصطحبوهم في رحلة في عالم أفلام مارفل السابقة، رحلة تحمل كثيرًا من النوستالجيا، والكثير من المفاجآت أيضًا.

اقرأ أيضًا:كل ما يجب أن تعرفه قبل مشاهدة فيلم «Avengers: Endgame»

يستغل الأخوان روسو ما أسسا له في الفصل الأول ويكملان ذلك في الفصل الثاني بظهور مميز للغاية لكل من Hawkeye، وBlack Widow، وكما اعتدنا منهم منذ بداية عملهم في سلسلة أفينجرز، المفاجأة والتضحية هما العاملان المكرران في أفلام الأخوان روسو، وهكذا يتم التضحية بالأرملة السوداء، الشخصية النسائية الأكثرة شهرة في عالم مارفل السينمائي.

ما يفعله الأخوان روسو في هذا الفصل هو خلق قيمة للصراع مع ثانوس أكبر بكثير من قيمة الانتقام، هكذا يبحث الأفينجرز عن أنفسهم، عن كل ما خسروه في حياتهم الماضية، وليس بالضرورة ما خسروه في معركة ثانوس فقط، يمكننا رؤية هذا كتحية ممتدة من صناع الأفينجرز إلى جمهورهم، فالرحلة تبدو مليئة بالإشارات للمتابعين المخلصين لهذه السلسلة، كما تكمل مرحلة الأنسنة التي بدأت في الفصل الأول، هكذا يزداد البعد العاطفي للفيلم.


ثانوس: الرمزية الميثولوجية لشرير مارفل الأفضل

لا يمكننا أن نختتم مراجعتنا لهذا الفصل دون أن نعيد التركيز على الرمزية التي يحملها ثانوس، شرير مارفل الأفضل، وشرير الكوميكس الذي لا ينازعه في شعبيته الآن سوى «الجوكر» شرير DC الأهم.

ثانوس شرير غير معتاد، هو خصم أكثر من كونه شرير، فهو يحمل أيديولوجية تحمل غاية تبدو جيدة، وهي تحقيق التوازن في الكون لخلق حياة أفضل لسكانه، وفي سبيل هذه الغاية يجد وسيلته مبررة في تنفيذ عملية قتل جماعي لنصف سكان الكون. المبهر في ثانوس والذي يميزه عن غيره من الأشرار أنه غير مفتون بالقوة وغير محب للحكم، ففي هذا الفيلم نراه وقد تخلى طواعية عن أحجار الطاقة الأبدية التي تمنحه قوى لا تقهر، وفضل على ذلك الجلوس لجمع ثمار الأشجار والتمتع بالهواء النقي والهدوء.

يبدي ثانوس أيضًا احترامه لخصومه، ويعبر عن ذلك بشكل لفظي وعاطفي، رأينا هذا في جملته الشهيرة لأيرون مان في نهاية الجزء السابق، حينما تمنى أن يذكره من يبقى على قيد الحياة على كوكب الأرض لبطولته وشجاعته، بالإضافة لكل هذا، فهذا الرجل الفضائي يملك قلبًا يعاني من الفقد، والحزن، فقد ضحى بابنته التي يحبها بصدق لأجل قضيته التي يؤمن بها.

تستمر الرمزية في الجزء الأخير من الحكاية، حيث يتحدث ثانوس وبشكل أشبه بالسرد الديني عن أنه أدرك أن من بقوا بعد قتله لنصف سكان الكوكب قد عانوا من الفقد والحزن وهكذا فوتوا فرصة الاستمتاع بحياتهم وكوكبهم، لهذا فإنه سيفضل هذه المرة أن يذهب بهم جميعًا ويأتي بقوم وبكواكب جديدة، يحمل سكانها الامتنان والشكر لما تم منحهم إياه، ولا يحملون الشكوى والحزن لما فقدوه. يتقبل ثانوس المكسب والهزيمة بنفس الصورة تقريبًا، يبدو مؤمنًا للغاية أنه ما عليه سوى السعي.


النهاية: كيف تُصنع الذكريات

لقد خسرنا، كلنا، خسرنا أصدقاءنا، خسرنا أسرنا، خسرنا جزءًا من أنفسنا، هذا هو قتال حياتنا.
إذا وجدتِ هذا التسجيل الصوتي، فلا تحزني، فالنهاية جزء من الرحلة.

بهذا التسجيل الصوتي لأيرون مان تبدأ أحداث «Avengers: Endgame»، بينما كانت سفينته تائهة في الفضاء دون وقود أو طعام يكفيه للحياة، وبتسجيل صوتي آخر لأيرون مان ينتهي الفيلم. كان لا بد أن تأتي التضحية منه، من الرجل الذي بدأ سلسلة مارفل السينمائية، من البشري الذي لا يملك قوى خارقة سوى ذكائه الذي ضمن له المال والقوة. لكن النهاية لا بد أن يسبقها معركة لا تُنسى.

في الفصل الثالث من الفيلم يذكرنا الأخوان روسو بكل ما هو عظيم في أفلام مارفل، في معركة طال انتظارها بين كل أبطال أفينجرز من جانب، وبين ثانوس وجيشه المكتمل من جانب آخر. يعطينا الأخوان روسو لمحات من عظمة كل بطل من الأفينجرز، الكل يملك لحظاته المميزة، يبدو أبرزها تلك اللحظة المستوحاة من القصص المصورة حينما يحمل كابتن أمريكا مطرقة ثور.

اقرأ أيضًا:قبل نهاية اللعبة: كيف غيرت مارفل المشهد السينمائي؟

يسبق كل هذا بالطبع عودة ملحمية لكل العائدين من الموت، من خلال حلقات زمنية خاصة بدكتور سترينج أحد أبرز العائدين، لتصبح المعركة خليطًا من مشاهد الأكشن والمؤثرات المبهرة، والتي تحتاج بشدة لشاشة عرض ضخمة كشاشات الأيماكس لمتابعتها بالشكل الأمثل، وبين مشاهد تحمل فيضًا من المشاعر بين أبطال أفينجرز وأصدقائهم العائدين، وأبرز هذه الثنائيات كان بالطبع مشهد لقاء أيرون مان وسبايدر مان عقب عودته من الموت، في مشهد لا يقل عاطفية عن مشهد رحيله في الجزء السابق.

هكذا ينسج الأخوان روسو ذكريات لا تُنسى، ذكريات تجمع بين المتعة البصرية والرضا العاطفي. لا يبدو مستغربًا إذن أننا نجد أنفسنا محاطين بسيل من التصفيق الجماهيري في السينمات أثناء هذا الفصل من الحكاية، الأمر يبدو كأننا أمام جمهور كروي يحتفل بهدف لفريقه في الدقيقة تسعين، تصفيق وضحكات ودموع وبكاء، حالة مكتملة لن يشعر بها سوى من عاشها.