ولأنه من حقكم أن يكون لديكم وزير دفاع له رؤى أكثر اتساقًا مع رؤاكم، أعتقد أن من الصائب لي أن أتنحى عن منصبي.

جيمس ماتيس، وزير الدفاع الأمريكي، في خطاب استقالته الموجه إلى الرئيس دونالد ترامب

لم يكن وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أول الراحلين عن موكب الرئيس دونالد ترامب، ولن يكون الأخير على الأغلب، فترامب يمكن أن يسجل اسمه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية كأكثر رئيس أمريكي أقال واستقال من إدارته مسؤولون رفيعو المستوى، بقائمة تتجاوز الـ 30 اسمًا، خلال عامين فقط من مدته الرئاسية المفترض أن تمتد لأربع سنوات. نقدم في هذا التقرير أبرز هذه الأسماء والظروف التي صاحبت رحيلها عن السفينة المتداعية.


مايكل فلين: أول الراحلين بـ «فضيحة»

بعد أقل من شهر من دخول الرئيس دونالد ترامب إلى البيت الأبيض مطلع العام 2017، اضطر مستشاره لشؤون الأمن القومي الجنرال مايكل فلين إلى تقديم استقالته بعد فضيحة اتصاله مع مسؤولين روس قُبيل تولي ترامب مهام الرئاسة، وهو أمر مخالف للقانون الأمريكي.

فلين الذي كان رئيسًا لوكالة المخابرات العسكرية الأمريكية حتى العام 2014، اتُهم بالكذب في شهادته أمام مكتب التحقيقات الفيدرالي بشأن اتصالاته مع الروس، واضطر إلى الاعتراف بجرمه بعدما خضع للتحقيق على يد روبرت مولر، المدعي الأميركي الخاص المكلف بالتحقيق في تدخل روسي محتمل في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة.ويجلس فلين حاليًا في انتظار الحكم عليه بعدما تمت إدانته ووصف تصرفاته بأنها كانت بمثابة «خيانة».

مايكل فلين كان من المستشارين المقربين جدًا من ترامب، وأحد مؤيديه المتحمسين خلال حملة الرئاسة الانتخابية، بلغت درجة تحمسه أن ترك الحزب الديمقراطي الذي انتمى إليه طوال حياته، من أجل خدمة ترامب. تشارك الرجلان كثيرًا من وجهات النظر، من أهمها فائدة العلاقات الوثيقة مع روسيا، وإعادة التفاوض على الاتفاق مع إيران بشأن برنامجها النووي، ومواجهة «الإسلام الراديكالي». ومن هنا تنبع أهميته، فهو يمتلك الكثير من المعلومات التي قد تفيد المحققين في العديد من القضايا المتهم فيها الرئيس ترامب.

اقرأ أيضًا: استقالة مايكل فلين: وبدأ رجال ترامب بالسقوط


إقالة مدير «إف بي آي»: لا مجال لغير الموالين

كان مدير مكتب التحقيقات الاتحادي (إف.بي.آي) جيمس كومي، أول المسؤولين الراحلين عن إدارة ترامب، بسبب رفضه التدخل في التحقيقات التي يجريها مكتبه بشأن التواطؤ المحتمل لحملة ترامب الرئاسية مع روسيا للتأثير على نتيجة الانتخابات.

أُقيل كومي بشكل مفاجئ بعد أقل من أربعة أشهر من وصول ترامب إلى البيت الأبيض، وكانت إقالته سببًا هامًا في تصعيد التحقيق حول الدعم الروسي المحتمل لترامب، وتعيين مستشار خاص للتحقيق في القضية، خاصة بعدما قال كومي،في شهادة له أمام مجلش الشيوخ: «علمت أنني أُقلت بسبب أمر ما بشأن الطريقة التي كنت أدير بها تحقيق روسيا، وأنها كانت تمثل بشكل ما ضغطًا عليه (ترامب) وتثير غضبه بطريقة ما، وقرر إقالتي بسبب ذلك».

لم تعن إقالة كومي ابتعاده عن المشهد، فعلى العكس تمامًا أصبح الرجل معروفًا أكثر، وشن هجومًا حادًا على ترامب متهمًا إياه بمحاولة عرقلة العدالة. كما وصفه بأنه «غير لائق أخلاقيًا» لرئاسة الولايات المتحدة، وقال عنه في مذاكرته، إنه أشبه ما يكون بـ «زعيم مافيا».

اقرأ أيضًا: مذكرات كومي: قذيفة أخرى ينجو منها ترامب


ستيف بانون: العنصري الذي غضب

أراد ترامب أن يكافئ مدير حملته الانتخابية اليميني المتطرف ستيف بانون، الذي كان له دور بارز في فوزه بالانتخابات الرئاسية، فقرر تعيينه كبيرًا للخبراء الإستراتيجيين في البيت الأبيض.بانون كان شخصية مثيرة للجدل، فهو إعلامي يميني يدير موقع «بريتبارت نيوز» الإخباري اليميني المتشدد، ويكره المسلمين ويحتقر المهاجرين، كما أنه أحد أبرز دعاة حركة «اليمين البديل» المؤمنة بتفوق العرق الأبيض. وهي كلها أسباب دفعت الإعلام الأمريكي إلى تشبيهه بـ «باول يوزف جوبلز» وزير دعاية النازية في ألمانيا هتلر، ووصفه بأنه «صوت للعنصرية».

كان لستيف تأثير واضح على ترامب. ظهر هذا من خلال قرار الأخير، في بداية عهده، بحظر دخول رعايا 7 دول إسلامية إلى الأراضي الأميركية، وكذلك قرار انسحاب الولايات المتحدة من اتفاقية باريس للمناخ، وهما خطوتان من أبرز أهداف سياسة بانون.

ورغم علاقة بانون الوطيدة بترامب، إلا أنه لم يهنأ بمنصبه سوى لـ 7 أشهر فقط قبل أن يقدم استقالته، في أغسطس/ آب 2017، بسبب خلافاته مع عدد من كبار مساعدي الرئيس، على رأسهم صهره ومستشاره الأبرز جاريد كوشنر.

خرج بانون من البيت الأبيض مغاضبًا لكنه كتم الغضب في نفسه، ثم أخرجه دفعة واحدة عبر شهادة مطولة قدمها للصحفي مايكل وولف ونشرت في كتاب «نار وغضب: داخل بيت ترامب الأبيض».وصف بانون في شهادته اجتماع جونيور، نجل ترامب، مع الروس بأنه «خيانة»، مشيرًا إلى أن «الروس عرضوا على نجل ترامب معلومات تدمر جهود المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون في الفوز بالانتخابات». وقال أيضًا إن «إيفانكا نجلة الرئيس الأمريكي تتطلع لمنصب الرئاسة في المستقبل بناء على اتفاق مع زوجها جاريد كوشنر».

اقرأ أيضًا: «نار وغضب»: أسرار البيت الأبيض على الهواء مباشرة


ريكس تيلرسون: وزير الخارجية الذي رحل بتغريدة

أقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وزير الخارجية ريكس تليرسون بشكل مفاجئ، في مارس/ آذار الماضي من خلال تغريدة على موقع تويتر، دون أن يتبع الإجراءات البروتوكولية المعتادة في هذا الشأن.ترامب الذي بدا متحمسًا للغاية عندما اختار تليرسون، في بداية رئاسته، لتولي حقيبة الخارجية، قائلًا إنه «يجسد الحلم الأمريكي» وأنه يمتاز بـ«الصلابة، والخبرة الواسعة، والإلمام بالأمور الجيوسياسية، ما يجعله خيارًا ممتازًا لمنصب وزير الخارجية»، اكتشف فجأة أن هناك عدم «توافق» شخصي بينهما فأقاله بطريقة مهينة.

يمكن رد قرار ترامب إلى عدة أسباب؛ أبرزها معارضة تليرسون لإلغاء الاتفاق النووي مع إيران، واختلافه مع البيت الأبيض حول دعم سلطات المملكة المتحدة في اتهامها لروسيا بالمسؤولية عن حادث تسمم عميل روسي سابق يعيش في بريطانيا. يضاف إلى هذا، وجود ضغوط من دولة الإمارات العربية المتحدة لإقالة تليرسون بعد رفضه دعم حملة المقاطعة التي تقودها بالاشتراك مع السعودية ودول عربية أخرى ضد دولة قطر، وهو الشيء الذي أكده مؤخرًا وزير الخارجية السابق لألمانيا زيغمار غابرييل.

اقرأ أيضًا: ماذا لو كان ترامب قائدًا للسفينة «تيتانيك»؟


إقالة وزير العدل: المحقق مولر يستفز ترامب دائمًا

الإقالة عبر «تويتر» أصبحت أمرًا معتادًا في حقبة ترامب، فها هو وزير العدل جيف سيشنز يرحل بعد تغريدة لترامب، في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، شكره فيها على خدمته وتمنى له التوفيق.وجاء قرار الإقالة بعد انتقادات حادة وجهها الرئيس إلى سيشنز بسبب رفضه التدخل وإنهاء تحقيقات روبرت مولر، بشأن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها ترامب.

لم يشفع لسيشنز كونه أحد أوائل نواب مجلس الشيوخ الذين دعموا ترامب للوصول إلى البيت الأبيض ولا دعمه لسياساته المتشددة حيال الهجرة، فتحقيقات مولر أصبحت تقض مضجع ترامب بعدما أسفرت عن توجيه اتهامات جنائية لعدد من مساعديه، فكان بحاجة إلى من يفرغ فيه غضبه وكان سيشنز الضحية لأنه رفض التدخل في تحقيقات مولر وإنهائها منذ بدايتها، بحسب ترامب.


أربع استقالات/ إقالات بسبب الفساد

اضطُر وزير الداخلية الأمريكي ريان زينك، إلى الاستقالة من منصبه الأسبوع الماضي، على خلفية اتهامه بالتورط في قضايا فساد. زينك الذي كان مقربًا من ترامب بسبب سياسته المتساهلة مع الشركات بخصوص الاشتراطات البيئية، فقد التأييد في البيت الأبيض في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، بعدما أُحيلت قضية «تضارب مصالح» متهم فيها إلى وزارة العدل، لذلك تم إجباره على الاستقالة.

وزير الداخلية لم يكن أول الراحلين من إدارة ترامب بعد اتهامات بالفساد، فقد سبقه ثلاثة مسؤولين هم: وزير الصحة والخدمات الإنسانية توم برايس، الذي استقال في سبتمبر/ أيلول 2017، إثر اتهامه بإهدار المال العام على خلفية قيامه بصرف 400 ألف دولار في رحلات سفر جوية.

كما أقيل وزير شؤون المحاربين القدامى ديفيد شولكين من نصبه، في أبريل/ نيسان الماضي، وسط اتهامات بإهدار أموال دافعي الضرائب على نفقات سفر زوجته، وهي اتهامات يرفضها بشدة. واستقال مدير وكالة حماية البيئة سكوت برويت من منصبه، في يوليو/ تموز الماضي، بعدما واجه فضائح متزايدة حول إنفاقه وسلوكه في السلطة.


اثنان من كبار موظفي البيت الأبيض مَن لم يحتملوا

أعلن الرئيس دونالد ترامب مؤخرًا، أن كبير موظفي البيت الأبيض، جون كيلي، سيترك منصبه قبل نهاية العام الجاري. الأمر ليس واضحًا إن كان إقالة أم استقالة، لكن المؤكد أن الأمور بين الرجلين قد وصلت إلى طريق مسدود، وهو ما حول كيلي من «نجم حقيقي داخل الإدارة الأمريكية»، بحسب وصف ترامب له عند تعيينه في يوليو/ تموز 2017، إلى شخص غير مرحب به داخل البيت الأبيض.

يرجح أن تدهور العلاقة بين الرجلين جاء على خلفية ما نشر في «الخوف: ترامب في البيت الأبيض»، عن أن كيلي وصف ترامب بأنه «أحمق»، و«أنه من غير المجدي محاولة إقناعه بأي شيء». كما نقل عنه أيضًا قوله عن الوضع في البيت الأبيض: «إننا نعيش الجنون الشامل.. هذه أسوأ وظيفة توليتها في حياتي».

كيلي ليس كبير موظفي البيت الأبيض الأول الذي يغادر منصبه في عهد ترامب، فقد سبقه رينس بريبوس، الذي أقيل في يوليو/ تموز 2017 بتغريدة من ترامب على تويتر، وذلك بعد تقارير إعلامية تحدثت عن خلافات حادة بينه وبين مدير الاتصالات الجديد في البيت الأبيض، أنطوني سكاراموتشي، والذي استقال هو الآخر بعد 10 أيام فقط قضاها في منصبه.


ثلاثة مستشارين كبار رحلوا أيضًا

من بين المسؤولين الكبار الذين تركوا إدارة ترامب، كان هناك ثلاثة مستشارين مهمين، هم:غاري كون، كبير المستشارين الاقتصاديين للرئيس، والذي استقال في مارس/ آذار الماضي، بسبب رفضه لقرار ترامب بفرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة من الفولاذ والألومنيوم.

في نفس الشهر،قدم هربرت مكماستر، مستشار الأمن القومي، استقالته إثر خلافات بينه وبين ترامب. قال ماكماستر في ندوة بألمانيا إن «التدخل الروسي في انتخابات الرئاسة عام 2016 أمر لا يقبل الجدل»، وهو ما رد عليه ترامب على تويتر بقوله: «لقد نسي ماكماستر أن نتائج الانتخابات لم تتأثر أو تتغير بأي تدخل». كما عارض ترامب رؤية ماكماستر لإرسال المزيد من القوات لأفغانستان، وقال: «إنه يريد إرسال المزيد من القوات لأفغانستان لذلك سنرسله هو».

بعد استقالة ماكماستر بأيام، قدم عضو آخر في دائرة ترامب المقربة استقالته، هو توم بوسيرت، مستشار الأمن الداخلي. لا يوجد سبب واضح لاستقالة بوسيرت، لكن تقارير صحفية تقول إنه دُفع إلى الاستقالة بسبب عدم رضى جون بولتون، مستشار الأمن القومي الجديد في ذلك الحين، عنه.


ترامب: كل يوم أنا في شأن

القائمة المذكورة أعلاه هي قائمة مختصرة بأسماء من رحلوا عن إدارة ترامب، أما القائمة الكاملة فتضم نحو 35 اسمًا، جلّهم كانوا من اختيار الرئيس ترامب. وهو ما يعطي لمحة هامة من شخصية ترامب، أنه شخص مزاجي ومتهور، لا يمكن الاطمئنان إليه أو الاعتماد عليه، وهو ما بات يعرفه الصديق قبل العدو حاليًا.

أظهرت كل هذه التغييرات السريعة إدارة ترامب كإدارة غير متزنة، لا تقبل تعدد الآراء ولا تصغي أو تحتمل الأصوات المغايرة. كما أظهرتها أيضًا كإدارة فاسدة، بعدما استقال/ أقيل 4 من مسؤوليها (3 منهم وزراء) على الأقل، بسبب تهم تتعلق بالفساد وتبديد أموال دافعي الضرائب الأمريكيين.

على المستوى العالمي، أدى هذا جزئيًا إلى ظهور الولايات المتحدة كدولة لا يمكن الاعتماد عليها، وهو ما يدفع أوروبا حاليًا إلى التفكير في تكوين جيش موحد لحمايتها، ويدفع اليابان إلى تطوير تسليحها ليشمل أسلحة هجومية للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية. أما محليًا، فقد ظهرت إدارة ترامب كإدارة ضعيفة لا تستطيع أن تضم بينها سوى الأكثر تطرفًا في كل شيء.