من زنزانة صغيرة بمقر الشرطة الفيدرالية بمدينة كوريتيبا جنوبي البرازيل أعلن لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، الرئيس البرازيلي الأسبق الذي يقضي حكمًا بالسجن 12 عامًا بتهمة الفساد، في 12 سبتمبر/ أيلول الماضي، ترشيح تلميذه فرناندو حداد لخوض الانتخابات الرئاسية بدلًا عنه.

حظيت الخطوة سريعًا بموافقة حزب العمال البرازيلي الذي ينتمي إليه كلا الرجلين، وأصبح فرناندو بين عشية وضحاها أحد أبرز المرشحين في الانتخابات الرئاسية المزمع إجراؤها في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري. المفارقة هاهنا أن فرناندو شخصية غير معروفة حتى لأغلب البرازيليين!

فمن هو المرشح الأوفر حظًّا لرئاسة الدولة الأكبر في أمريكا الجنوبية؟

اقرأ أيضًا:انتخابات ضد السياسة: هل ماتت التجربة البرازيلية؟


لبناني الأصل – يساري – اقتصادي – فيلسوف

لم يكن خليل حداد، ابن قرية عين عطا الواقعة في محافظة البقاع اللبنانية، يتخيل وهو يهاجر من بلده إلى البرازيل عام 1947 بحثًا عن حياة أفضل، أن نجله سيصبح في يوم من الأيام أحد أقوى المرشحين لتولي رئاسة البرازيل.

ولد فرناندو خليل حداد عام 1963 بمدينة ساو باولو، لأب يتاجر في المنسوجات وأم تعمل معلمة، وكلاهما من أصول لبنانية. في المدينة نفسها نشأ وترعرع وحصل على تعليمه الأساسي والثانوي، وساعد والده في تجارته.

بدأ حياته الأكاديمية عام 1981 في كلية الحقوق بـ«جامعة ساو باولو»، حيث حصل على شهادة في القانون المدني، كما حصل على درجة الماجستير في الاقتصاد من كلية الاقتصاد والإدارة والمحاسبة بـ «جامعة جنوب المحيط الهادئ»، ودرجة الدكتوراه في الفلسفة من كلية الفلسفة والعلوم الإنسانية بالجامعة نفسها.

بدأت علاقة حداد بالسياسة وهو طالب بكلية الحقوق، إذ انضم إلى حركة «ديرياس جا» المناهضة للديكتاتورية العسكرية والمطالبة بإجراء انتخابات رئاسية حرة، ورأس عام 1985 مركزًا أكاديميًّا يجمع طلاب كلية الحقوق، كما شارك في تحرير العديد من المطبوعات اليسارية، وانضم إلى حزب العمال برئاسة لولا دا سيلفا الذي سيصبح فيما بعد أباه الروحي.

اقرأ أيضًا:سقراط البرازيل: عندما أسقطت كرة القدم انقلابًا عسكريًا

عمل فرناندو أستاذًا في قسم السياسة بجامعة ساو باولو، ومستشارًا لمعهد الأبحاث الاقتصادية (FIPE)، ورئيسًا لموظفي أمانة الشئون المالية والتنمية الاقتصادية في بلدية ساو باولو، ومستشارًا خاصًّا لوزارة التخطيط والميزانية والإدارة. كما ألف 5 كتب سياسية نظر فيها لليسار، من بينها «دفاعًا عن الاشتراكية» و«العمل واللغة لتجديد الاشتراكية».


حداد في المناصب الرسمية: رجل بلا بصمة

شغل حداد منصب وزير التعليم منذ العام 2005 وحتى العام 2012، وحقق عديدًا من الإنجازات، بينها إنشاء 14 جامعة عامة جديدة، و214 مدرسة فنية، وإنشاء برنامج «الجامعة للجميع» الذي قدم منحًا دراسية للطلاب ذوي الدخل المنخفض، لكن هذه الإنجازات لم تكن كافية ليترك بصمة خاصة في ذاكرة البرازيليين.

ترك حداد الحكومة عام 2012 وترشح لرئاسة بلدية ساو باولو، بدعم كبير من لولا دا سيلفا والرئيسة ديلما روسيف، ففاجأ الجميع بفوزه على مرشح الإنجيليين المحامي ومقدم البرامج التلفزيونية سيلسو روسومانو الذي كان يعتبر الأوفر حظًّا في الفوز.

لم تكن فترة رئاسة فرناندو لبلدية ساو باولو سهلة، إذ واجه في عام 2013 مظاهرات كبيرة بعد أن رفعت أسعار تذاكر ركوب الحافلات، وتحولت المظاهرات إلى حركة احتجاج عارمة في معظم أرجاء البلاد ضد استضافة البلاد لبطولة كأس العالم لكرة القدم.

مُني حداد بخسارة قاسية في انتخابات بلدية ساو باولو عام 2016، بعدما حصل على 17% فقط من أصوات الناخبين مقابل 55% عام 2012، لكن لا يمكن عد خسارته دليلًا على فشله في إدارة المدينة بقدر ما يمكن اعتبارها دليلًا على تراجع شعبية حزب العمال بسبب قضايا الفساد التي نالت قياداته.


ظل دا سيلفا

يوصف فرناندو حداد في الأوسط السياسية البرازيلية بأنه «ظل» الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا. الوصف لم يأت من فراغ، فدا سيلفا هو من صعد حداد لقيادة الحزب، وعينه وزيرًا في حكومته، ودعمه لرئاسة بلدية ساو باولو. كما يتقابل الرجلان أسبوعيًّا منذ دخول لولا إلى السجن، وفي النهاية عندما لم تفلح مساعي ترشح دا سيلفا للرئاسة من محبسه، اختار حداد بديلًا له، و قال في خطاب إعلان القرار: «من اليوم فصاعدًا فرناندو حداد هو لولا لملايين البرازيليين».

وشارك كلا الرجلين في صياغة بيان حزب العمال لدعم حداد، الذي وعد بإلغاء تدابير التقشف وعمليات الخصخصة التي أدخلتها حكومة ميشال تامر المحافظة، وتعهد بإصلاح الاقتصاد المتهالك، وتخفيض الضرائب على الفقراء وزيادتها على الأغنياء. وبحسب قيادات في الحزب فإن لولا سيختار جميع الوزراء في حكومة حداد.

من جانبه، لا ينكر حداد حبه الشديد واحترامه لمعلمه دا سيلفا، ويبدو من طريقة إدارة حملته الانتخابية أنه لا يسعى لإقناع الجماهير بشخصه بقدر سعيه لإقناعهم بأنه ظل دا سيلفا فعلًا،فأحد الشعارات الرئيسية لحملته: «حداد هو لولا، لولا هو حداد»، كما أن لافتات حملته الانتخابية تحمل صورته وهو يقف خلف دا سيلفا، و أكد فرناندو أكثر من مرة أن لولا صادق على كل نقطة في برنامجه الانتخابي.


هل يفوز الظل؟

الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشها البرازيليون عززت للغاية من شعبية الرئيس الأسبق لولا دا سيلفا، الذي استطاع خلال فترة رئاسته انتشال 36 مليون شخص من براثن الفقر. وكان من المتوقع أن يفوز دا سيلفا بسهولة نسبية على منافسه الرئيسي المرشح اليميني المتطرف يائير بولسونارو، لكن بعد خروج لولا جبرًا من السباق الانتخابي، أصبحت الأمور غير محسومة.

وفق أحدث استطلاعات الرأي فإن حداد (دا سيلفا بمعنى أصح) سيحصل على أصوات 25% من الناخبين، بينما سيحصل بولسونارو على 28.2% من الأصوات، وستذهب باقي الأصوات لمرشحين آخرين. وعلى الرغم من أن ذلك يعني تأخر حداد بشكل كبير عن منافسه، فإن مقارنة هذه النتيجة مع نتيجة استطلاع آخر أجري عقب ترشح حداد بأيام قليلة، فقد قلص فرناندو الفارق بينه وبين يائير من 10 نقاط مئوية إلى 3 نقاط فقط، وهو تقدم كبير بلا شك في ظل ضيق الوقت.

وكشف الاستطلاع أيضًا أن أن بولسونارو هو المرشح الرئاسي الأكثر رفضًا، حيث إن 55.7% من الناخبين ضده بشكل قاطع، فيما حل حداد ثالثًا في قائمة الأكثر رفضًا بنسبة 48.3%، وهذا يعني أنه عند الذهاب إلى جولة الانتخابات الثانية، وهو أمر مرجح بشدة، ستكون حظوظ فرناندو في الفوز بالرئاسة أوفر من يائير.

على الرغم من ذلك يظل القطع بالنتيجة أمرًا صعبًا بسبب الصراع السياسي متعدد المستويات في البرازيل، والذي كان أبرز تمظهراته مؤخرًا توجيه اتهامات إلى حداد بحصول حملته الانتخابية لمنصب عمدة ساو باولو على قرض من شركة بناء استفادت من العقود بمجرد انتخابه، وهو ما ينفيه حداد بشكل قاطع.

اقرأ أيضًا:التجربة البرازيلية: ديمقراطية اغتالها انقلاب ناعم