حفل عام 2016 بالعديد من الأحداث الفارقة في الساحة السياسية العالمية، وهي الأحداث التي لم تكن القضية الفلسطينية بمنأى عنها، فكانت واحدة من الساحات التي تأثرت بها، وقد تستمر تحت هذا التأثير في عام 2017.


1. تيران وصنافير

في إبريل/نيسان 2016 اتفقت كل من مصر والسعودية على انتقال جزر تيران وصنافير إلى السيادة السعودية، وكذلك إنشاء جسر «الملك سلمان» الذي سيربط بين البلدين.

وبعيدًا حول الجدل الذي أثير حول الصلاحية القانونية لهذه الاتفاقية من عدمها، إلا أنها أثارت مسألة هامة، تتعلق بالعلاقات السعودية الإسرائيلية.

فوقوع الجزر ضمن نطاق المنطقة (ج) وفقًا لمعاهدة السلام بين مصر وإسرائيل، فرض على السعودية في حال انتقال الجزر لسيادتها أن تقوم بالتنسيق بشكل مباشر مع إسرائيل. وهو الأمر الذي كان حينئذ يُعتبر مرفوض دبلوماسيًا لدى السعودية.

ولكن سرعان ما كشفت العديد من التقارير عن عمق العلاقات بين السعودية وإسرائيل، التي بدأت في ستينات القرن الماضي، ناهيك عن الزيارات الدبلوماسية الخفية التي كانت تتم في السنوات الأخيرة.

ففي تقرير نشرته جريدة «معاريف»، أنه في فبراير/شباط عام 2010، صافح الأمير تركي الفيصل، نائب وزير الخارجية الإسرائيلي في مؤتمر ميونيخ للسياسات الأمنية. وفي يوليه 2014، كتب مقالًا بصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، دعا من خلاله الإسرائيليين إلى زيارة السعودية قائلا: «أهلًا بكم في منزلي».

وفي أكتوبر 2015، التقي تركي الفيصل مع زعيم حزب «هناك مستقبل» الإسرائيلي يائير لبيد في نيويورك، بعد دعوة أطلقها الرئيس عبد الفتاح السيسي لـ «توسيع السلام» مع إسرائيل من جانب دول عربية أخري.

كما التقي «دوري جولد» المسئول الحالي بالخارجية الإسرائيلية، مع الدكتور أنور عشقي المقرب من الأسرة الحاكمة السعودية والسفير السابق للمملكة في الولايات المتحدة سرًا، ولكن في يونيو/حزيران 2015 أصبحت اللقاءات علنية، عندما تصافح جولد وعشقي في فعالية بمعهد أبحاث بواشنطن، وقال عشقي أمام الكاميرات إن التعاون بات ممكنًا، وأن «هناك العديد من المصالح المشتركة».

وعلى ذلك بدا وكأن اتفاق تيران وصنافير هجاء تتويجًا لاستمرار هذه الاتصالات والمصالح المشتركة ما بين البلدين. وهو الأمر الذي يُضعف في مجمله الموقف الفلسطيني الدولي، الذي يبدو وكأنه فقد أحد أبرز داعميه في النظام العربي.


2. مصر حليفة إسرائيل

بدا واضحًا منذ اليوم الأول له في قصر الرئاسة، أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ينوي تجاوز كل خطوط سابقيه في التعاون مع إسرائيل. وفي 2016، بدا أن هذا التعاون المنشود استحال إلى تحالف وثيق.

فخلال أحاديثه هذا العام، أشار للمرة الأولى في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي إلى ما يُسمى بـ «السلام الدافئ» بين العرب وإسرائيل، وتحدث بلغة حميمية ليس فقط عن إسرائيل، ولكن مُوجهًا حديثه بشكل مباشر للمستوطنين الإسرائيليين، داعيًا إلى تدشين مرحلة جديدة من التعايش.

ثم جاءت زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري للأراضي المحتلة في 10 يوليو/تموز 2016، والتي تم اعتبارها تاريخية بكل المقاييس، فللمرة الأولى في التاريخ تحمل أجندة العلاقات بين البلدين ملفات كثيرة تتعدى القضية الفلسطينية.

حيث جاء تنسيق موقف البلدين تجاه الأزمة السورية على رأس تلك الملفات. تبعها ملف دول حوض النيل، وإمكانية لعب إسرائيل دور الوساطة بينهم وبين مصر. إلى جانب الحديث عن إمكانية عقد مصالحة تركية مصرية وشيكة بوساطة إسرائيلية. وأخيرًا تنسيق الجهود المشتركة لمكافحة الإرهاب في سيناء، خاصة بعدما كشف لسان مسئول إسرائيلي رفيع المستوى عن قيام إسرائيل قامت بتنفيذ غارات بواسطة طائرات بدون طيار في شبه جزيرة سيناء في السنوات الأخيرة، بمعرفة وموافقة مصرية.

خطورة ما سبق تكمن في أن كل خطة تقترب فيها مصر من إسرائيل، تبعدها عن القضية الفلسطينية، ومصالح الشعب الفلسطيني.


3. تطبيع تركي إسرائيلي جديد

لا شك أن تركيا أصبحت واحدة من الداعمين الأساسيين للقضية الفلسطينية خلال السنوات الماضية، وقد تبلور هذا الدور بشكل كبير في أعقاب أزمتها مع إسرائيل، بعد مجزرة أسطول الحرية عام 2010.

هذا العام، وبعد مقاطعة استمرت ست سنوات، وقعت تركيا مع إسرائيل اتفاق مصالحة في 27 يونيو/حزيران 2016، وذلك لاستعادة التطبيع الكامل بين البلدين، وبالتالي إعادة التعاون الاستخباراتي والأمني، وكذلك المناورات العسكرية المشتركة، والاستثمارات في مجالي الطاقة والدفاع.

وفي نهاية عام 2016، يبدو أن العلاقات بين البلدين لم تعد إلى سابق عهدها إلى الآن، خاصة وأن المحاولة الانقلابية الفاشلة التي جرت في تركيا في يوليو/تموز قد زرعت الشكوك لدى أردوغان تجاه نوايا إسرائيل نحوه.

ولكن، في كافة الأحوال، فإن هذا الاتفاق، سيؤثر بصورة أو بأخرى على الدعم التركي للقضية الفلسطينية ولمقاومتها المسلحة، حتى وإن استمر، فإنه لن يأخذ الطابع العلني الذي كان عليه في السابق، خاصة فيما يخص دعم حركة حماس.


4. مزيد من التطبيع الأردني

في سبتمبر/أيلول وقعت الأردن اتفق جديد مع إسرائيل، ولكن هذه المرة، هو اتفق اقتصادي متعلق بملف الغاز، مكّن تل أبيب من السيطرة على 40% من صندوق الطاقة في عمّان.

وقد بررت الحكومة الأردنية توقيع هذا الاتفاق بانقطاع الغاز المصري عنها، وتكبد خزينتها العامة لـ 6 مليارات دولار.

وتُعد هذه الاتفاقية الأكبر بعد اتفاقية السلام بين الأردن وإسرائيل الموقعة قبل 22 عامًا. ولا شك أنه سيسمح للاحتلال الإسرائيلي بالتحكم بقوة في سياسات الأردن والمنطقة من خلال ملف الطاقة التشغيلية، والتي لن تتردد في استخدامه كسلاح إذا تعرضت للاستهداف من قبل المقاومة الفلسطينية.

فتوقيع هذا الاتفاق لم يكن سوى ضربة أخرى أصابت القضية والمقاومة.


5. ترامب رئيسًا للولايات المتحدة

على عكس كل توقعات الساسة والمُحللين، استطاع دونالد ترامب، مرشح الحزب الجمهوري، اقتناص كرسي الرئاسة من هيلاري كلينتون في مشهدٍ وصفه البعض بالصادم، والبعض الأخر بالدرامي، بينما تحدث أخرون عن أن وصول ترامب للبيت الأبيض يُكمل عبثية المشهد الدولي الذي قد يوشك على دخول حرب عالمية ثالثة.

وكان الإسرائيليون أكثر المُبتهجين بفوز ترامب، فهو من قال أنه سيُنهي التعامل مع اليهود على أنهم مواطنين من الدرجة الثانية في الولايات المتحدة، وأشار إلى أن الفلسطينيين يُعلّموا أبنائهم الكراهية والعداء لليهود، وأنه سيعمل على إنهاء ذلك. وانتقد فكرة احتفاء المجتمع الفلسطيني بمن يقتل اليهود، وأكد ضرورة العمل على عدم استمرار ذلك بعد الآن. وأخيرًا، وعد بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، كدلالة على اعترافه بأن القدس هي «عاصمة إسرائيل».

صحيح أن جميع مرشحي الرئاسة الأمريكية يكونوا مدفوعين إلى إطلاق تصريحات قوية ووعود براقة أمام هذه المنظمة خلال حملاتهم الرئاسية، لكن تصريحات ترامب كانت الأقوى من بين سابقيه، خاصة، وأنه برنامجه الانتخابي يمتلك وعود جريئة أخرى، متسقة إلى حدٍ بعيد مع تصريحاته أمام «أيباك».

ورغم واقعية الافتراضات التي بنى عليها الإسرائيليون تفاؤلهم، إلا أنها تظل محض افتراضات، لم تصل إلى مستوى اليقين إلى الآن. ومع ذلك فإن مستقبل القضية الفلسطينية يبدو أشد غموضًا في ظل إدارة أمريكية يقع ترامب على رأسها.