ألعاب المحاكاة العسكرية تظهر هشاشة القطاع الشرقي للناتو، وتقول دراسة جديدة إن الولايات المتحدة ستحتاج إلى نشر مدرعات ثقيلة على نطاق واسع حتى تتمكن من ردع موسكو.

دان دي لوس

3 فبراير 2016 | فورين بوليسي

إن تدفقت الدبابات والقوات الروسية إلى البلطيق غدًا، ستتغلب على قوات الناتو، المتفوقة عدديًّا وتسليحيًّا، خلال أقل من ثلاثة أيام، يمثل ذلك استنتاجًا واقعيًا أصدره مركز بحثي بمشاركة ضباط بالجيش الأمريكي ومسئولين مدنيين، بعد تنفيذ ألعاب محاكاة عسكرية لتلك الحرب.«الاستنتاجات المتعلقة بالمناورات ليست مبهمة، فوفق الوضع الذي يتخذه الناتو، لن يستطيع الحلف الدفاع بنجاح عن أراضي أعضائه الأكثر تعرضًا للخطر»، حسبما أوضح تقرير لمؤسسة «راند كورب» التي أشرفت على البحث.بعد لعب الكثير من ألعاب طاولة الحرب على مدار عدة أشهر بين عامي 2014 و 2015، انتهى الأمر عادة بطرق القوات الروسية على أبواب العاصمة الإستونية، تالين، أو اللاتفية، ريجا، خلال 36 إلى 60 ساعة. وأثبتت القوات الأمريكية والبلطيقية – والقوات الجوية الأمريكية – عجزها عن وقف تقدمات الوحدات الميكانيكية الروسية، وعانت من خسائر شديدة، وفق التقرير.تقول الدراسة إن الناتو يبدو في غفلة بينما تزداد روسيا قوة ويصبح من الصعب التنبؤ بخطواتها التالية، حيث بدأت زيادة إنفاق الدفاع خاصتها بعد استحواذها على شبه جزيرة القرم في أوكرانيا، وتدخلها لصالح الانفصاليين الموالين لموسكو في شرقي أوكرانيا. وفي حال حدوث الغزو الروسي المحتمل في البلطيق، تفتقد الولايات المتحدة وحلفاؤها العدد الكافي من القوات، أو الدبابات والمدرعات، لإبطاء تقدم المدرعات الروسية، حسبما يضيف التقرير الذي أعده ديفيد شلاباك ومايكل جونسون، وتابع التقرير: «ستترك تلك الهزيمة السريعة القليل من الخيارات أمام الناتو».يمكن للولايات المتحدة وحلفائها بالناتو أن يحاولوا شن هجوم دموي مضاد، ما قد يؤدي إلى إثارة تصعيد كبير من جانب روسيا، بما أن موسكو ستعتبر تلك الخطوة من جانب التحالف بشكل محتمل تهديدًا إستراتيجيًا مباشرًا لأراضيها. ويتمثل الخيار الثاني في اقتطاع صفحة من الكتاب القديم للحرب الباردة، والتهديد بانتقامٍ شاملٍ، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية. بينما سيتمثل الخيار الثالث في الاعتراف، ولو بشكل مؤقت، بالهزيمة، ما سيجرد الناتو من أنيابه، وسيدشن حربًا باردةً جديدة مع موسكو، وفق التقرير.ومع ذلك، أظهرت عمليات المحاكاة العسكرية أن هناك خطوات وقائية تستطيع الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون أن يتخذوها لتجنب الهزيمة الكارثية وتعزيز الدفاعات الشرقية للناتو، كما ستظهر تلك الخطوات لموسكو أنها في حال حققت انتصارًا، لن يكون انتصارًا سهلًا.يضيف التقرير أن تمركز قوة مكونة من حوالي سبعة ألوية في المنطقة، بما في ذلك ثلاثة ألوية من المدرعات الثقيلة، مدعومة بالقوات الجوية والمدفعية، سيكون كافيًا لـ«صد الاجتياح السريع لدول البلطيق». جدير بالذكر أن تكلفة تمركز القوات الإضافية تقدر بنحو 2,7 مليار دولار سنويًا.صدر التقرير يوم الثلاثاء، ذات اليوم الذي كشف فيه وزير الدفاع الأمريكي، آشتون كارتر، عن خطط إرسال المزيد من الأسلحة الثقيلة والمدرعات إلى مواقع بشكل استباقي في شرقي أوروبا، وينطوي ذلك إرسال البنتاجون لما يمثل مجمعًا لوائين من المعدات الثقيلة على الجبهة الشرقية للناتو. على الوضع الحالي، يتمركز لواءا مشاة من الجيش الأمريكي في أوروبا – أحدهما في إيطاليا والآخر في ألمانيا – ولكنهما أصبحا مجهديْن بفعل الطلب المستمر من جانب الدورات التدريبية مع الحلفاء في أنحاء القارة. تضيف الخطة الجديدة التي تحدث عنها كارتر والبيت الأبيض، بقيمة 3,4 مليار دولار، لواءً جديدًا إلى ذلك المزيج، ولكنه سيكون مشكلًا من جنود أمريكيين، حيث تستمر مهمة كل جندي لعدة أشهر في كل مرة.أواخر الشهر الماضي، أصدر الجنرال فيليب بريدلوف، رئيس قيادة القوات الأمريكية في شرق أوروبا، توقعات إستراتيجية جديدة، وصد من خلالها الدعوة لإرسال المزيد من القوات الدورية. حيث كتب إن القوات المرسلة والعائدة من المنطقة تكمل الوحدات المستقرة في أوروبا، ولكنها ليست بديلًا لوجودٍ عسكري مستمر مستقبلًا بشكل حقيقي؛ فالوجود الظاهري يعني الغياب الفعلي.وصف ديفيد أوشمانك من مؤسسة «راند كورب»، وهو مسئول بارز سابق بالنتاجون درس التحدي الذي يمثله الجيش الروسي، اقتراح الميزانية الذي قدمته الإدارة بالنسبة للقوات الأوروبية خطوة مهمة وعلامة مشجعة، حيث تمثل المعدات الثقيلة، المتمركزة مسبقًا، «شرطًا لا غنى عنه للردع الفعال والوضع الدفاعي على الجانب الشرقي للحلف»، حسبما أوضح أوشمانك لمجلة «فورين بوليسي»، ولكنه أضاف أنه ما زال هناك الكثير مما يتعين فعله لتعزيز دفاعات الناتو.ستلقى اكتشافات ألعاب محاكاة الحرب ترحيبًا حارًا من قبل كبار المسئولين في الجيش الأمريكي، الذي عانوا في سبيل تبرير تكلفة الإبقاء على قوة برية كبيرة وسط الضغوط التي تعرضت لها الميزانية خلال السنوات الأخيرة، وتفضيل الوجود البري الأخف. وسيعزز التقرير تحذيرات كبار القادة العسكريين، بمن فيهم رئيس هيئة الأركان المشتركة، الجنرال جوزيف دانفورد، من أن روسيا قد تمثل التهديد الأكبر للمصالح الأمريكية.في مطلع عام 2012، أعلنت إدارة أوباما سحب لوائين من الأسلحة الثقيلة ومعداتهم من ألمانيا، ما قلّص بشدة الوجود العسكري الأمريكي التقليدي الكبير في القارة. ومنذ ذلك الحين، حاول الجيش ببطء تحريك بعض المعدات إلى ألمانيا لتستخدم في التدريبات مع شركاء الناتو. وخلال العام الماضي، بدأت قوات المارينز الأمريكية إرسال عددٍ صغيرٍ من دبابات «أبرام» إلى رومانيا لإجراء سلسلة من التدريبات مع القوات المحلية.منذ دق التدخل الروسي في أوكرانيا ناقوس الخطر في أوروبا، تعهدت الولايات المتحدة بشكل متكرر بالدفاع عن إستنويا وليتوانيا في حال التعرض لهجوم، مستشهدة بالتزاماتها بالدفاع المشترك وفق معاهدة الحلف. وفي خطاب سبتمبر 2014 في تالين، قدم الرئيس باراك أوباما تعهدًا صريحًا بحماية دول البلطيق.«سنكون موجودين للدفاع عن إستونيا، وكذلك لاتفيا، وليتوانيا. لقد فقدتم استقلالكم مرة من قبل ولكن مع الناتو، لن تخسروه مجددًا أبدًا»، حسبما قال أوباما، ولكن تقرير راند أضاف أنه «لا الولايات المتحدة ولا حلفاؤها في الناتو مستعدون حاليًا لدعم كلمات الرئيس القوية».فالحدود التي تتشاركها دول البلطيق الثلاثة – وجميعها جمهوريات سوفييتية سابقة – مع روسيا وبيلاروس، تمتد لنفس الطول تقريبًا الذي فصل ألمانيا الغربية عن حلف وراسو أثناء الحرب الباردة. ولكن في تلك الحقبة، ركز الناتو قدرًا هائلًا من القوات البرية بطول الجبهة مع أكثر من 20 كتيبة ممتلئة بالدبابات والمدفعية.تبدو الدبابات الآن قليلة وبعيدة في دول الناتو بالمقارنة بتلك الفترة وفق التقرير، حيث انخفضت الترسانة الألمانية المشكلة من حوالي 2200 دبابة قتال رئيسية خلال الحرب الباردة إلى حوالي 250 دبابة. وفي تلك الأثناء، تخطط بريطانيا لسحب مركز القيادة الأخير التابع لها في القارة.ومع بقاء وحدات من المشاة الخفيفة على وضع الاستعداد في البلطيق، يقلق مخططو الولايات المتحدة والناتو أيضًا بشأن استمرار تعزيزات الأسلحة الروسية في كالينينجراد المنعزلة على الساحل البلطيقي بين بولندا وليتوانيا، ونية موسكو بناء قاعدة جوية جديدة في بيلاروس، جنوب الحدود البولندية اللتوانية.أكدت ألعاب محاكاة الحرب التي أجرتها مؤسسة راند على افتقاد قوات الولايات المتحدة والناتو للعربات والقوة اللازمة للانقضاض على خصومهم الروس، الذين أبقوا على المزيد من الوحدات الميكانيكية والدبابات. كذلك افتقدت قوات الناتو البرية المدفعية المضادة للطائرات اللازمة لصد الطائرات الحربية الروسية في حال تحقق سيناريو البلطيق. بشكل عام، وجد مشاة الناتو أنفسهم عاجزين حتى عن التراجع بشكل ناجح، وتم القضاء عليهم في مواقعهم، وفق التقرير.في ألعاب محاكاة الحرب، ومع تمكن الولايات المتحدة والحلفاء من إلحاق أضرار بالقوات الروسية الغازية، استطاعوا أيضًا إيلاء اهتمامٍ لكبح الدفاعات الجوية الروسية الكثيفة، والدفاع ضد الهجمات الجوية الروسية في المناطق الخلفية.رغم عدم وضوح إن كان نشر المزيد من القوات والمدرعات سيكون كافيًا لإعاقة روسيا من الرهان على تنفيذ هجوم في البلطيق، بالتأكيد لم يمثل الوضع الحالي الضعيف للناتو رادعًا مقنعًا، حسبما أورد التقرير.وأضاف التقرير أنه عبر تنفيذ إجراءات «لوفاء المتطلبات» وتعزيز دفاعات الناتو، سيرسل الحلف رسالة إلى موسكو بشأن جدية التزاماته، ورسالة طمأنة لجميع أعضاء الناتو وجميع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها في جميع أنحاء العالم.ساهم بول ماكليري في هذا التقرير.دان دي لوس، مراسل فورين بوليسي الرئيسي لشئون الأمن القومي.