في موسم عيد الفطر السينمائي لهذا العام تحققت عدة أرقام قياسية غير مسبوقة، لم يكن حتى ممكنًا تخيلها، وصل مجموع الإيرادات لما يقارب ضعف رقم عيد الفطر السابق، وهذا رغم بدء امتحانات الثانوية العامة وزيادة أسعار التذاكر، في الخلفية تدخلات سياسية وتوافقات بين أطراف الصناعة ومن خارجها؛ لكي يخرج المشهد بهذه الصورة.

منذ عام 2016 تنازل عيد الفطر عن زعامته لمواسم شباك التذاكر السينمائي، بالتوازي مع صعود عيد الأضحى؛ لكونه لا يعاني من ضغوط كآبة امتحانات الثانوية العامة التالية لعيد الفطر. في 2019 التحمت الامتحانات بالعيد نفسه، ورغم هذا جمعت أفلام العيد أكثر من ضعف حصيلتها في أسبوع الافتتاح لنظيرتها في 2017، وحتى بعد أخذ معدلات التضخم في الحسبان، يصبح أعلى بمقدار الثلث عن العام الماضي.

أفلام عيد الفطر, أفلام, إحصائيات, مصر, سينما
أفلام عيد الفطر, أفلام, إحصائيات, مصر, سينما

غرائب موسم عيد 2019 تضم أيضًا زيادة أسعار التذاكر 10/ 15 جنيهًا في معظم دور العرض (كانت دور عرض شركة أفلام مصر العالمية قد سبقت لهذا في نهاية مارس/آذار الماضي)، وارتفاع الحد الأدنى للأسعار إلى 40 جنيهًا في الحفلات الصباحية،غير أن الغريب أن هذا التطور أدى لتأثير معاكس في مبيعات التذاكر التي انتعشت بوضوح.

تمتع هذا العيد بميزة استثنائية، وهي أسبوع افتتاح طويل امتد لعشرة أيام متواصلة، من بينها 4 أيام عطلة رسمية من الأربعاء إلى السبت تحقق خلالها أكثر من ثلثي الإيرادات. في 2018 بدأت العروض ليلة الخميس، وبالتالي كان موسم العيد أقل من 7 أيام.

هناك إشارات لتسونامي إيرادات في شباك التذاكر منذ بداية العام. خلال 4 أشهر فقط، وبدون أعياد، جمعت الأفلام المصرية 115 مليونًا، أكثر من نصفها لفيلم الكوميديا الرومانسية «نادي الرجال السري»الذي يلامس الآن مستوى 60 مليون جنيه، ويحتل مؤقتًا المركز الثاني لأعلى رقم إيرادات بدون معادلة التضخم. لا يتعلق الأمر فقط بحماس الجمهور، بل أيضًا بنوعية الأفلام ومستوى الإنتاجات.


كراسي العيد غير الموسيقية

جروح الأعياد السابقة أقنعت المنتجين والموزعين بأن هناك 5 أماكن فقط متاحة لأفلام العيد. مع تحديد عدد الأفلام يُخَطَّط سيناريو المنافسة بفعل تشابكات عميقة ومعقدة بين المنتجين والموزعين، وفي الأسبوع الأخير من رمضان ينتهي الموزعون من حجز قاعات العرض التي بطبيعتها تكون محدودة ولا تكفي لتلبية أحلام الجميع.

ليلة الوقفة تُظهر حقيقة الرهان وراء كل فيلم مع تحديد عدد شاشاته، لن يتنافس فيلمان والفارق بينهما 50 شاشة، وبالتالي يكاد يكون ترتيب مراكز الإيرادات محسومًا في الأيام الأولى، ولهذا تصبح المسافة بين إيرادات المركزين الأول والأخير 12 ضعفًا في المتوسط.

أمام شباك التذاكر يكون المشهد عصبيًا خلال أول يومين من العيد، حيث يعتمد الجمهور على الصورة الدعائية للأفلام، وهذا ما يتيح للأفلام الضعيفة أن تحقق بعض الإيرادات قبل تكوُّن سمعة للفيلم ويبدأ الجمهور في تناقلها (Word of Mouth). قديمًا كان تناقل الآراء يحدث أثناء خروج جمهور حفل العرض السابق، والآن هناك وسائل التواصل الاجتماعي التي تتصاعد بها الضجة خلال أيام العيد.

في مواجهة أسعار التذاكر وضيق الميزانية، يقسِّم جمهور العيد ميزانيته حسب الأولويات، لا يمكن مشاهدة كل الأفلام خلال عطلة العيد، لهذا تذهب المشاهدة الأولى للفيلم الأكثر ضخامة وتنوعًا في جودة الإنتاج والنجوم. في الماضي كانت حملات الدعاية تتمكن من الإيحاء بالضخامة، لكن تدريجيًّا أصبح المشاهد أكثر مهارة.

فيالجدول السابق تظهر سيطرة أفلام الأكشن على 6 من المراكز الأولى، نصف ظهور الأفلام الكوميدية يعتمد على احتياج الجمهور لنوع الأفلام العائلية والرومانسية. إلى أين تذهب أسرة بها أطفال أو شاب مع خطيبته؟ بالنسبة لهؤلاء يظل الأكشن في مرتبة تالية للاحتياج الأول.

عدم مراعاة خريطة الأولويات أدى إلى إيرادات مهينة لأفلام جيدة أو معقولة الجودة، مثل «كارما» (2.8 مليون)، وقبله «الأصليين» (2.5 مليون)؛ لأنه لا مساحة خارج الأكشن والكوميديا في العيد.


كازابلانكا،أو كذا رقم قياسي

تجاريًّا، لم يكن هناك أدنى شك من تصدر «كازابلانكا» لإيرادات العيد، فهو يأتي من تعاون 3 منتجين: يوسف الطاهر، وليد منصور (يونايتد بروس) وتامر مرسي (سينرجي).

هذا الثلاثي يمثل أقوى تحالف سينمائي حالي، فالطاهر يمتلك شركة إنتاج وتوزيع تقوم ببيع حقوق التوزيع الخارجي لأفلام «سينرجي»التي يسيطر عليها مرسي، وهناك تعاقد بين الطاهر ومنصور على التعاون في إنتاج 3 أو 4 أفلام، كما يشترك الطاهر مع سينرجي في إنتاجات أخرى.

تقوم بتوزيع الفيلم شركة «أفلام مصر العالمية»، ومع وجود تقاربات جانبية غير رسمية بين سينرجي ويونايتد بروس مع دولار فيلم (الثانية والثالثة تمتلكان دور عرض خاصة بهما)؛ تُفتح أمام كازابلانكا أكبر مساحة توزيع في دور العرض، وقد بدأت فعليًّا بـ102 شاشة (تقريبًا رُبع الشاشات المتاحة) وزادت لاحقًا مع نجاح الفيلم، وكانت الحجوزات الإلكترونية متاحة له بشكل خاص قبل العيد بأربع ليالٍ (رغم الاختفاء الغامض لموقع «السينما.كوم» وسيط الحجوزات). أيضًا توفرت له أوسع مساحة دعاية ودعم من خلال «الشركة المتحدة»التي يرأسها تامر مرسيوتمتلك أكثر من 10 قنوات وصحف ومواقع، ويسيطر على الشركة صندوق الاستثمار المباشر «إيجل كابيتال»التابع للمخابرات العامة.

ومن عوامل النجاح أيضًا النجم أمير كرارة والمخرج بيتر ميمي اللذان قدما العام الماضي فيلم الأكشن التاريخي «حرب كرموز»، لكن ما يميز «كازابلانكا» هو تماسك السيناريو الذي قدمه هشام هلال. لدينا هنا قصة بسيطة لكنها متخمة بالتفاصيل عن الخيانة والجدعنة بين عصابة لصوص، بحوار سكندري يتضمن أحدث مفردات الشوارع (أو تلك التي ستنطلق للشارع بفضل الفيلم)، مع خصوصية مغامرات سرقة السفن التي تظهر سينمائيًّا لأول مرة، والكثير جدًّا من ضيوف الشرف في مشاهد مفردة، بدون نسيان إضافات أداء إياد نصار وعمرو عبد الجليل.

تبقت خانة أخيرة، وهي النجم العالمي الذي يستضيفه الفيلم كوجبة جانبية مجانية في أفلام العيد الضخمة، لدينا هنا التركي هاليت إرجنتش بطل المسلسل التاريخي «حريم السلطان»، في دور الشرير الهادئ المتشكك، وعولجت مسألة جنسيته بحكاية جانبية عن أصله كمسلم بوسني.

النتيجة لم تكن فقط وصول الفيلم إلى أعلى أسبوع افتتاح في تاريخ السينما المصرية (36 مليون جنيه)، بل أيضًا أعلى إيراد يومي في تاريخ شباك التذاكر، وهو ما حدث في ثاني وأول أيام العيد (8 ملايين و6.7 مليون على الترتيب). الحقيقة أن التحالفات الدافعة للفيلم تشمل معظم كيانات السوق.


ما وجدناه في نهاية «الممر»

لا توجد مرجعية لهذا، ولكن غالبًا نال فيلم «الممر» أضخم عرض افتتاح خاص في تاريخ السينما العربية بأكثر من 10 شاشات امتلأت على التوازي في سينما كايرو فيستيفال مول، ولم يستحوذ فيلم قبلها (مهما كانت جودته وأهميته) على مقدار الدعم الإعلامي والفني نفسه، بل السياسي أيضًا.

أسباب الحماس الأساسية تتلخص في كونه أول فيلم حربي مصري منذ أن دُفنت هذه النوعية تحت عدة محاولات عاطفية بائسة. هذه المرة يعتمد الفيلم على قصة وإخراج شريف عرفة، ونجومية أحمد عز، وإنتاج باذخ تخطى 100 مليون جنيه حسب تصريحات منتجه هشام عبد الخالق بخلاف دعم المؤسسة العسكرية، وهو دعم لم يقف عند مرحلة الإنتاج وحدها.

رغم المساندة الرسمية للفيلم، فإن محتواه لا يبدو عليه الكثير من التأثر المتوقع بوجهة النظر الرسمية في هزيمة 1967، فهو يُحمِّل القيادة السياسية والعسكرية مسئولية واضحة في الهزيمة، كما أنه لأول مرة يعبر عن تذمر جنود الجيش من شعورهم بالتهميش الاجتماعي والعرقي. يحمل الفيلم عيوب معظم الأفلام الحربية المصرية في تحقير الخصم الإسرائيلي والعاطفية المبالغ بها، لكن مستوى معاركه الخمسة أفضل من كل نظرائه.

قامت شركة الماسة بتوزيع الفيلم في 75 شاشة، ارتفعت لأكثر من 80 شاشة في الأيام التالية، ووصل «الممر»لأعلى إيراد يومي له في ثاني أيام العيد (4 ملايين جنيه)، ثم بدأ بالانخفاض بمعدل متوسط 12%، وهو معدل ممتاز مقارنة بمتوسط الانخفاض العام لإجمالي إيرادات العيد (20%)، بل إن الفيلم سجَّل تقدمًا في إيراداته يوم الأربعاء 12 مايو.

يصلح هذا كقصة عاطفية مؤثرة عن مساندة الجمهور للأفلام الوطنية في مواجهة الترفيه الخاوي من القيمة الأخلاقية، لكن الحقيقة أن الفيلم تلقى مساندات رسمية في مبيعات التذاكر، مثل قيام حزب مستقبل وطن (المدعوم طوال الوقت من أجهزة أمنية) بشراء 6000 تذكرة من داري عرض وتوزيعها مجانًا وحصريًّا على سكان منطقة الجمالية وحدها، ولا يمكن تصور حجم التذاكر المشتراة مجانًا لباقي فروع الحزب.

تصور آخر لنوع المنافسة بإسقاط تنافس «كازابلانكا»و«الممر»على الجهتين الداعمتين للفيلم، وهما المخابرات العامة ممثلة في تامر مرسي وشركته «سينرجي فيلمز»، والمؤسسة العسكرية من جهة أخرى. بخلاف قيادة مرسي للشركة المتحدة التابعة للمخابرات، فهو لا يزال يمتلك 50% من شركة سينرجي الأم (المسئولة عن احتكار إنتاج معظم مسلسلات رمضان 2019)، ومن غير المعلوم نسبة ملكيته في «سينرجي فيلمز»التي أسسها منذ عامين مع دخوله للإنتاج السينمائي، وهذا يجعل أي احتكاكات خشنة ربما تكون موجهة له شخصيًّا، ومبادرات الحزب ليست موجهة للمنافس بقدر إنقاذ «الممر»من الحلول ثانيًا بفارق كبير عن «كازابلانكا».

أحد أهم المعوقات في «الممر» ليست سياسية أو تجارية، بل هي مدة الفيلم التي تصل إلى ساعتين ونصف، وهو ما يقلل عدد حفلات العرض إلى 5 فقط بمعظم الشاشات حتى مع إضافة عروض تستمر لما بعد منتصف الليل، وهي إضافة صعبة لفيلم يتم تسويقه كفيلم يصلح أن تجتمع به الأسرة، بينما الأفلام المنافسة يمكنها تحقيق 8 عروض يومية مع التنظيم الجيد.


سبع ماذا؟ البرمبة

بزاوية ضيقة مرتجلة، يمكن اعتبار فيلم «سبع البرمبة»هو أنجح أفلام العيد. هذا الفيلم المؤجل من موسم عطلة نصف العام، والمعتمد على إفيهات تنتمي لعالم 2018 وما قبله، لنجم المقالب الرمضانية «رامز جلال»،ربما يكون قد حقق أفضل مما كان متاحًا له.

استفاد الفيلم جدًّا من فراغ فئة الأفلام العائلية والكوميديا الرومانسية، وحقق إيرادات افتتاح مريحة تخطت 16 مليون جنيه، هذا بغض النظر عن عدم صلاحية تصنيفه كعائلي أو رومانسي من الأساس، ولكن هكذا يصنفه الجمهور.

لكن الفيلم غير مضحك أيضًا، ربما تضحك به مرتين على الأكثر، بفضل الممثل المساند محمد عبد الرحمن وليس بالإفيهات العتيقة لرامز. كانت هذه هي مفاجأة الجمهور في ثاني أيام العيد التي حقق فيها الفيلم أعلى إيراداته اليومية، قبل أن ينهار بمتوسط 22% يوميًّا.

يقدم الفيلم قصة شبيهة بـ«عفريت مراتي»؛ زوجة تتأثر بما تشاهده وتسقطه على زوجها الجبان، ثم محاولات علاجها في فصول منفصلة متصلة بتقمص أكثر الشخصيات ذكورية على الشاشة. يوفر هذا المسار الغرائبي مخرجًا من كوميديا الإفيهات التي تعتمد عليها الأفلام الشعبية، ويوجه الفيلم لفئة اجتماعية أعلى وأكثر إنفاقًا، لكنه في النهاية يعود للاعتماد على الإفيهات اللفظية.


اذكر أسباب فشل حملة «محمد حسين» الأخيرة!

أفلام عيد الفطر, أفلام, إحصائيات, مصر, سينما
أفلام عيد الفطر, أفلام, إحصائيات, مصر, سينما

ما الذي يمكن أن تتعلمه صناعة السينما من انهيار «حملة فرعون»المفاجئ؟ في مواسم أضعف من هذا، كان سيحقق المركز الثاني أو الثالث بنفس رقم الإيرادات (11.7 مليون)، ونظريًّا به كل عناصر الجذب التقليدية، فهو فيلم أكشن ضخم ومعتمد على قصة كلاسيكية ناجحة (العظماء السبعة/شمس الزناتي)، ويوظف نجوم عالميين (مايك تايسون وهافبور جوليوس جورنسون)، ومليء بممثلين محترفين في أدوار ثانوية.

ما فعله «حملة فرعون»هو أنه أضاف لمائدة العيد نفس الأكلات، ولكن في أطباق شعبية. تايسون نجم تاريخي وجورنسون ليس نجمًا من الأساس مقارنة بالتركي إرجنتش، ومن الإعلانات يبدو أكشن «حملة فرعون»بدائيًّا مقارنة بكل من «كازابلانكا»،و«الممر»، والأخير سيكون أفضل في مقارنة الأبطال المساندين، لتُفتح مقارنة أخرى غير عادلة لبطله عمرو سعد أمام كرارة وعز، اعتماده على حكاية كلاسيكية وضعه في مقارنة مع الأصل أو أنه لا أحد يهتم بهذا من البداية.

أما «محمد حسين»فكأنه قضى العيد في عالم آخر، من النادر أن يجمع النقاد والجمهور على انتقاد وتجاهل فيلم في العيد، فخلال 10 أيام لم يجمع الفيلم سوى 5 ملايين، وفي أفضل أيامه لم يصل حتى إلى مليون جنيه.

معظم الصناعة تضع مسئولية فشل الفيلم على نجمه «محمد سعد»، وهذا صحيح من منظور تدخله في كل دقائق العمل، لكن هناك ظرفًا عامًّا يجعل من فشله حتميًّا، وهو انقراض نوعية الكوميديا الشعبية مع انخفاض الوزن النسبي للسينمات الشعبية وانتقالها إلى مجمعات الضواحي التي تمنع دخول الجمهور الشعبي في العيد، والدليل على هذا افتتاحه في 45 شاشة فقط، معظمها يتبع «الشركة العربية»التي تتولى توزيعه، وهي أضعف كيانات التوزيع المتنافسة.