من دون أي شك، هناك دائمًا صراع بين السينما كصناعة، والسينما كفن. بين السينما كروتين، والسينما كتجريب. لكن الصراع لم يكن ليعني استحالة صنع أفلام مدهشة، إن الرغبة في صنع تلك الأفلام بالتحديد، ربما هي الفكرة التي هُزِمت
سوزان سونتاج

في العام الثالث بعد جائحة الكورونا، تتعافى السينما المصرية بعدد أكبر من أفلام أعوام الوباء السابقة، لتُقدم ما يتجاوز 35 فيلمًا جديدًا، تطغى عليها جونرة الكوميديا، لكنها لا تخلو من مُحاولات التجريب لثيمات أخرى مثل الرعب والأكشن.

يتصدر أفلام 2023 نجوم من أفلام العام الماضي مثل «تامر حسني» و«كريم عبد العزيز» الذي يواصل تألقه للعام الثاني على التوالي بفيلم بطولة ثنائية بعد «كيرة والجن» 2022 مقدمًا «بيت الروبي» الذي حطم الأرقام القياسية لإيرادات الأفلام المصرية بتجاوزه 127 مليون جنيه في شهرين ونصف عرض.

يُجرب كذلك نجوم لأول مرة حظوظهم بالبطولة السينمائية المُطلقة مثل «أكرم حُسني» بينما تحضر البطولة الجماعية كعنوان لأفلام مثل «فوي! فوي! فوي!» و«المطاريد».

كتبت الناقدة الأمريكية الشهيرة «سوزان سونتاج» اقتباس البداية لهذا المقال مُنذ 27 عامًا في مقالها الشهير «انحطاط السينما» لتصف حالة من التردي تُصيب السينما، لا تعزوها إلى نقص الأفلام أو تواضع الإنتاج، فأفلام الإنتاج الضخم حاضرة ولا ينقصها نُجومها، لكنها أفلام لا تُغامر على الإطلاق، لا تُحاول أن تكون فنًا في ذاتها إنما أفلام فنها حسب تعبير «سوزان» هو:

 فن الخلط وإعادة الدمج، على أمل استنساخ نجاحات الماضي.

 يصلح هذا التوصيف لكثير من أفلام هذا العام (وليس كلها بالطبع) إنما يُقصد به الأفلام التي تمتلك كثيرًا من المقومات لكن ينقصها الأصالة كسمة أساسية والرغبة في إنتاج فيلم جديد يُشبه ذاته مهما استعار مما سبقه. تلك الرغبة في ذاتها ما زالت مهزومة ولم تتعافَ بعد بما يكفي لتُعبر عن نفسها في إنتاجات أكثر استقلالية لا يُفسدها التقليد والاستنساخ.

تقول «سوزان سونتاج» إن الأفلام قد تكون واعية كُليًا بنقاط ضعفها أو أنها أفلام جادة بشأن ما تطمح له لكنها غافلة عن كونها تقليدًا لما سبق لذلك تخفق، يُحاول هذا المقال تتبع أهم أفلام السينما المصرية لعام 2023 بحثًا عن الأفلام التي حققت بعضًا من طموحها أو كانت واعية تمامًا لما صُنعت لأجله واكتفت به مهما بدا متواضعًا.

أهم 10 أفلام مصرية في  2023 – اختيار «إضاءات»:

  1. بيت الروبي
  2. فوي! فوي! فوي!
  3. وش في وش
  4. شماريخ
  5. مرعي البريمو
  6. تاج
  7. ع الزيرو
  8. المطاريد
  9. العميل صفر
  10. يوم 13

1. بيت الروبي

يدور فيلم «بيت الروبي» من كتابة محمد الدباح وريم القماش حول أسرة «إبراهيم الروبي» التي نجحت في خلق حياة هادئة أقرب للمثالية بعيدًا عن صخب العاصمة، تُشبه الفردوس في زُهدها وبساطتها، لكن يحدث الهبوط من الفردوس بحضور الأخ «إيهاب» الذي يطلب من أخيه وأسرته القدوم للقاهرة لإنهاء إجراءات بيروقراطية ورقية تتعلق بإرث الأب.

بالسفر تفقد أسرة «إبراهيم» زمام حالة الفردوس الذي يتحطم تدريجيًا على موسيقى أبواق سيارات القاهرة وزحامها لنُدرك عبر ماضي الشخصيات لماذا تركوا العاصمة بالأساس؟ ولماذا لم يكن الفردوس الذي بدأ به الفيلم سوى حالة هروبية هشة من ماض قاس؟ لذلك كان تحطمها حتميًا ومُدويًا.

يستعير الفيلم ثيمات أعمال سابقة أشهرها «خرج ولم يعد» الذي يفر فيه البطل من جحيم العاصمة لفردوس الريف، بينما يأتي «بيت الروبي» كمقلوب الحكاية، وكذلك أفلام أحدث مثل «عسل أسود» حيث نُشاهد عبر عيون البطل الأكثر طزاجة وحساسية، سيريالية العيش في كنف عاصمة صاخبة تؤمم طباعنا لصالحها وتتحكم في دوراتنا المزاجية وقراراتنا اليومية أضعاف ما نظن بعيوننا التي كساها الاعتياد.

يقدم «بيت الروبي» طابعه العصري بجعل قضية الفيلم الأساسية أكثر حداثة من تلك الأعمال وهي «وسائط التواصل الاجتماعي»، فرغم التنويع الإخراجي بين فضاءات مكانية هادئة وصاخبة فإن الفيلم يُقدم الفضاء الافتراضي باعتباره الفضاء المكاني الأكثر خطرًا في تأميمه طباع الجميع وإعادة تشكيلها على صورته وقوانينه أضعاف ما تفعله الأماكن الفيزيائية.

رغم نجاح المُخرج «بيتر ميمي» في تقديم مشاهد جيدة في قلب الشوارع والزحام وهو قلما نجده في السينما المصرية حاليًا فإن الفيلم يرتبك إيقاعه بشدة مثل بندول بين خفة كوميدية شديدة ودراما ثقيلة وعنيفة بتحولاتها، تجعل الثلث الأخير تراجيديًا بالكامل وانفجاري على خُطى «عسل أسود».

لا يُنقذ ارتباك الإيقاع والتأثر الشديد بأعمال سابقة تتفرد بانسجام إيقاعها سوى الأداء التمثيلي الذي نجح في استيعاب تلك التحولات وتقديمها بشكل جيد في الحالتين. وهو ما يجعل«كريم عبد العزيز» البطل المثالي لإنقاذ فيلم كوميدي يحمل أثقالًا درامية لا يروضها الإيقاع بما يكفي. مع حضور «كريم محمود عبد العزيز» والأدوار الكوميدية المُساعدة بلياقة كافية لإنقاذ توليفة دراما بطابع كوميدي أكثر ما هي كوميديا تتخللها الدراما

اقرأ أيضًا: فيلم «بيت الروبي»: هل يفسد الإنترنت حياتنا؟

2. فوي! فوي! فوي!

يقدم مخرج الإعلانات الشهير «عمر هلال» فيلمه السينمائي الأول، الذي يستمد جذوره من خبر حقيقي عام 2015 لهروب بعض الشباب لأوروبا بعد أن قاموا بانتحال هوية لاعبي كرة جرس مكفوفين، مما سمح باستقدامهم للمشاركة في بطولة دولية تقام فعالياتها ببولندا.

يدور الفيلم حول البطل «حسن» الذي يقرأ خبر البطولة في صحيفة ويُحاول أن يخدع ناديًا للمكفوفين لينتمي له أملًا أن ينجح بخديعته في قيادة فريقه للنهائيات ومنها للفرار للفردوس الأوروبي

يخلق «فوي! فوي! فوي!» تميزه منذ البداية باستعادته للطبقة الفقيرة وتحت المتوسطة التي تم إهمالها بشكل ملحوظ خلال السنوات الأخيرة من الأعمال التلفزيونية والسينمائية، لصالح أعمال تدور حول طبقات أيسر حالًا وأكثر خفة في مشاكلها.

يختار «عمر هلال» بعناية كادرات مشاهده من البيئة الواقعية، يجتمع «حسن» بأصدقائه في فضاءات عشوائية بحي يُشبه القلعة والحطابة، في المقابر، في أماكن تُعبر بصدق عن الطبقة التي ينتمي لها. تُشكل تلك الحالة البصرية مُبررًا دراميًّا لا تحتاج معه الشخوص لمزيد من الشرح حول رغبتها في الهروب. لو أردت تصوير رجل يُحاول الفرار فعليك أن تخلق جحيمًا بصريًّا لنتعاطف معه.

يكتسب السرد طزاجة وفرادة مُبدعة لأنه في خضم تناوله لقضية قُتلت بحثًا وهي الهجرة غير الشرعية، يفر من فخ الضجر للفرادة بكونه يستكشف بالأساس عالمًا لا يعرفه أحد ليُمرر عبره قصته وهو رياضة المكفوفين، ننتقل ببطء لنجده عالمًا يُمثل حالة أكثر نظامًا من مشهد مُباراة المكفوفين الشهير في فيلم «أمير الظلام» وربما أكثر نظامًا من عالم المُبصرين نفسه.

لم يتفرد الفيلم فقط في استعارة عالم سينمائي فريد لقضية قديمة، إنما في توزيع أدوار الحكاية بعناية، تمتلك كل الشخصيات حضورها بغض النظر عن مساحة الدور، خارج مثلث الشخصيات الرئيسي لفراج ونيللي كريم وبيومي فؤاد، يتألق مُمثلون شباب مثل طه دسوقي وأمجد الحجار وممثلون كبار مثل حنان يوسف ومحمد عبد العظيم.

يُجسد «فوي! فوي! فوي!» زيارة ساخرة جديدة لحكاية قديمة، قدمها مُخرج نجح في فيلمه الأول أن يجد لنفسه صوتًا وحضورًا خاصًّا، كذلك نجح في توزيع ثُقل حكايته على أدوار رئيسية ومُساعدة في هارموني صنع في النهاية قصة رشيقة تتنقل بين الجد والعبث دون أن تفقد توازنها، لا تُهين ذكاء المتلقي بمنحه الأمل ولا تُثقله بفقدانه.

اقرأ أيضًا: فيلم «ڤوي! ڤوي! ڤوي!»: الحياة في مكان آخر

3. وش في وش

يُعد فيلم «وش في وش» وهو العمل الثاني لوليد الحلفاوي بعد فيلمه «علي بابا» مُخاطرة سينمائية على عدة مستويات لكونه لا يكتفي بموضوع مثل الخلافات الزوجية الذي يتقبله المشاهد العربي أكثر عبر الدراما التلفزيونية التي تُطابق في طول وتتابع حلقاتها إيقاع الحياة اليومية الزوجية التي تنتقل من الملل للشرخ للانفجار، خصوصًا بعد نجاح مسلسل «الهرشة السابعة» بموسم رمضان 2023 الذي يستعير الفيلم موضوعه وحتى أبطاله مثل «أمينة خليل» و«محمد شاهين» لكن يُزيد الفيلم رهاناته بانتمائه لأفلام المكان الواحد. وهو ما يتطلب سيناريو شديد الحيوية يعوض ملل سرد حكاية أبطال لا يتغيرون، سُجناء كادر لا يتغير.

يدور الفيلم حول مُشاجرة زوجية صغيرة تتحول لكرة ثلج عملاقة تنتهي بالزوجين وأسرتيهما وأصدقائهم سُجناء في المنزل تحت رحمة قفل مُحطم وحداد لن يأتي لإصلاحه قبل الصباح.

يستخدم «وليد الحلفاوي» ذخيرته الإخراجية كاملة في استغلال الكاميرا لكل المساحات التي يقدمها المكان وتنويعاتها بين مساحات الحصار الضيقة مثل دورة المياه والمطبخ وصالة المنزل التي تتحول من ساحة استقبال الضيوف لساحة المواجهة بين العائلتين أو الغزاة لمنزل الزوجية وغرف النوم التي مثلت مُستراحًا حميميًا ومؤقتًا للأبطال لالتقاط الأنفاس، مع مونتاج حيوي لمينا فهيم وموسيقى حاضرة لتخدم التحولات الانفعالية لخالد الكمار.

يُقدم السيناريو مواجهة ذكية بين الأجيال في تصورها لمنظومة الزواج نُدرك عبرها أن الأم المتسلطة «أنوشكا» تُحاول عبر تشجيع ابنتها على الطلاق إنقاذ حكايتها القديمة التي انتهت بها لزوج لا تُحبه رغم سيطرتها الكاملة على إرادته، لأن الطلاق في زمنها لم يكن حلًا مقبولًا أبدًا بينما يكتسب اليوم مقبولية مُجتمعية أكبر، يُقدم السيناريو كذلك تلميحًا طبقيًا ذكيًا لرؤية الزواج والطلاق كمنظومة تختلف من طبقة لأخرى عبر عيون الخادمة والسائق وأحكامهما الأخلاقية اللاذعة على أسرة الزوجين.

يمثل «وش فى وش» ما يُمكن أن تعتبره «سونتاج» محاولة طموحة تخلق مأزقها وتُسلح كل الأدوات الفنية لتجاوزه، لكن لا تأتي عيوب الفيلم من موضوعه أو ثيمة المكان الواحد التي تصنع خطر الملل إنما من المُبالغة في التغلب على هذا الملل الذي جعل إيقاع الفيلم لاهثًا أكثر من اللازم، وفي نصفه الثاني تتحول شخصية الزوجين الأبطال الأساسيين للعمل لكومبارس لصالح الخطوط الثانوية والمُساعدة، ليصير التشتت حتميًا وصولًا لنهاية مُتوقعة.

يعد الفيلم تجربة مُميزة ومقبولة لمخرجه بعد فيلم أول أقل جودة، وعلى مستوى الحرفة السينمائية نجح بأدواته في إنقاذ موضوعه، وإيقاعه بما يكفي ليكون فيلمًا جيدًا رغم فقدان زمام الشخصيات والأحداث والتوازن بين الأدوار المساعدة والرئيسية. لكنها محاولة طموحة لثيمة يُمكن أن تحيا طويلًا وتشهد تحسنًا أكبر.

اقرأ أيضًا: فيلم «وش في وش»: الزواج كاحتجاز قهري في منزل كبير

4. شماريخ

يدور فيلم «شماريخ» حول «بارود» أو «رؤوف» الابن غير الشرعي لإمبراطور صناعة الألعاب النارية «سليم العال»، الذي يُساعد أبيه في إدارة الأنشطة القذرة مثل القتل والترهيب أملًا في أن يعترف به يومًا، ولكن عندما تخرج مُهمة له عن السيطرة ويرفض القتل، يتحول الأمر إلى مُطاردة بهدف قتله وسلبه كل شيء أحبه يومًا.

ينتمي «شماريخ» إلى chase movies أفلام المُطاردة التي تستمد نقاط قوتها من الأكشن أو قُدرتها على تقديم مشاهد حركة مُمتعة عالية الأدرينالين، لإخفاء أهم نقاط ضعفها وهي قوة الحبكة، فالسيناريو مُسخر دومًا وبشكل مفتعل لغاية واحدة وهي استدامة المُطاردة واللهاث.

يستعمل رجال «سليم العال» الشماريخ كأداة لتشتيت الانتباه عن صوت الرصاصة التي سيغتالون بها أحدهم في لحظة بعينها، يؤسس «عمرو سلامة» تلك النقطة لتتحول الشماريخ أداة الاحتفال والبهجة لمجاز بصري وسمعي مُخيف عن اقتراب موت أحدهم وأن رسل الجحيم قادمة في أي لحظة لتحويل كادر هاديء إلى ساحة حرب.

في الضباب الأحمر الذي تُسببه الشماريخ يُجيد «رؤوف» القتال ويرى طريقه جيدًا، بينما في المشاهد الهادئة يتحول إلى شخصية أسيرة الحيرة والضعف، فهو شخصية رمادية بالكامل لا تُدرك كفاءتها إلا في الضباب ولذلك هي الأعقد على مستوى البناء في السيناريو من شخصيات الأشرار أو الشخصية الأنثوية «أمينة» وهي كلها شخصيات ذات بُعد واحد يُناسب خفة الحبكة.

يُعد «شماريخ» مُنجزًا إخراجيًا بصريًا جيدًا ومُمتعًا لمُخرجه «عمرو سلامة» لكنه مُخلص بشكل خجول إلى الجونرة التي ينتمي لها على مستوى الكتابة، يلعب بقوانينها ولا يخرج عنها.

5. مرعي البريمو

بعد فشل فيلمه الأخير «نبيل الجميل أخصائي التجميل» على المستوى النقدي، وبتصاعد أصوات جماهيرية غاضبة من تراجع مستواه على منصات التواصل الاجتماعي التي نجح «هنيدي» في خلق حضور ملحوظ له عليها بعد انحسار هالته التمثيلية في السينما والدراما، لتُشكل شخصيته الافتراضية محاولة جديدة منه للتواصل مع أجيال أصغر سنًا بكثير لم يعد يعرفها بما يكفي.

يقرر «هنيدي» العودة بشخصية جديدة أكد أنها تُناسب مرحلته العمرية التي عليه فيها أن يودع شخصية الشاب الراغب في الزواج والقلق من تحديات المستقبل، يقرر «هنيدي» كذلك مُداعبة نوستالجيا نجاحاته القديمة بالعمل من جديد مع «سعيد حامد» الذي صنع نجومية هنيدي بأفلام مثل «همام في أمستردام» و«صعيدي في الجامعة الأمريكية».

شكلت تلك الوعود الاعتذارية حالة ترقب متلهفة لنجم لا يزال يمتلك قاعدة جماهيرية وتوقعات لم تبلَ بعد رغم خريف امتد لسنوات بينه وبين أعماله الناجحة ليأتي فيلم «مرعي البريمو» ليشكل ترجمة وفية وحزينة لتعبير «سونتاج» عن إخفاقات السينما في استعادة أمجادها بقولها:

فن الخلط وإعادة الدمج الوقح، على أمل استنساخ نجاحات الماضي.

عبر استعادة بعض شروط الماضي مثل مخرجه المُفضل وقالب الشخصية المتفردة بلزمات ولغة جسد جديدة وهي شخصية الصعيدي الكاريكاتوري التي تُشبه في تفرد أدواتها شخصية «رمضان مبروك أبو العلمين»، لا ينجح «هنيدي» في استنساخ نجاحاته الماضية. إنما يُقدم كيتش مروع لأصالة مفقودة.

يدور الفيلم حول المعلم «مرعي» بائع البطيخ اليتيم الذي يتواصل معه جده الصعيدي ويمنحه ماسات ثمينة ليحفظها له ويُخبره أن يخفي هويته خوفًا من أطماع إخوته، ويتحول الفيلم لمغامرة كاريكاتورية بعد موت الجد لاستعادة الماسات التي خبأها «مرعي» بسذاجة في بطيخة ضاع أثرها ببيعها.

يصعب التعاطي بشكل جاد مع «مرعي البريمو» باعتباره حبكة متواضعة نسبة للتوقعات التي أثارها «هنيدي» قبل الفيلم، بل يصعب التعاطي حتى معه باعتباره مجموعة اسكتشات كوميدية مُتفاوتة في قدرتها على الإضحاك، لكنها تكفي لقضاء وقت جيد يناسب ثمن التذكرة.

يتراوح إيقاع الفيلم بين مونتاج لاهث في نصفه الأول لتقديم الحكاية وأجوائها بشكل سريع، لنُدرك عقدة اليتم والبحث عن الأصل والرغبة في خلق عائلة لدى «مرعي» ونلمس انعكاساتها في فتح البطل منزله لوالد زوجته ولصديقاتها ولحالة من الأنس الصاخبة تعوض شعوره باليتم، ومشاهد أخرى بطيئة وطويلة ولا تقدم جرعة كوميدية كافية لتعويض ذلك.

لا تمتلك الأدوار المساعدة لممثلين كبار مثل «لطفي لبيب» و«محمد محمود» و«علاء مرسي» ما تستطيع تقديمه، كذلك الدور النسائي الرئيسي «غادة عادل» يحضر بشكل باهت لا يناسب قدرات الممثلة، بعد أن جرد السيناريو الجميع من أي قدرة على الفعل والارتجال.

 يتفرد «هنيدي» بقيادة حكاية ضعيفة فنيًا، بجوار نجوم كبار لا يملكون ما يقدمونه في مشاهدهم، وصولًا لاستعارة إفيهات قديمة من أفلام أقدم لخلق وصال مع نجاحات لا يتوفر أي من أسبابها هنا.

يمتلك «هنيدي» كل شروط الصناعة اللازمة لخلق فيلم جيد، كاريزما نجاح ما زال الجمهور وفيًا تجاهه، في فئاته الأكبر سنًا وفئاته الأصغر التي يطغى حضور هنيدي على مخيلتها في صورة الميم أو النكت المصورة التي تشكل ثقافة الدعابة لهذا الجيل والمستعارة من أعماله القديمة، كذلك يمتلك الفيلم كوكبة من الممثلين المساعدين ومخرج قدير، وكذلك تعطش جماهيري لعمل يجبر سلسلة الأعمال المتواضعة السابقة لكن كما تقول سونتاج، مع امتلاك كل المقومات، ربما الرغبة في صنع فيلم جيد بورق جيد وواعد وجديد وليس تجميع لفتات ما سبق هي الرغبة التي هُزمت قبل بدء العمل ذاته.

اقرأ أيضًا: فيلم «مرعي البريمو»: عودة «في البطيخ» لمحمد هنيدي

6. تاج

في العام الماضي قدم «تامر حسني» فيلم «بحبك»، الذي اعتمدت دعايته بشكل كامل على كونه فيلم الرجل الواحد، كتب «تامر حسني» الفيلم وأخرجه وقام ببطولته، فيما يُعده تنويعًا إبداعيًا خارقًا يوازي المواهب المتعددة لأساطير قديمة مثل «أنور وجدي».

في مقالها الشهير «ملاحظات حول الكامب» تٌقدم «سونتاج» تصوراتها حول مٌصطلح «الكامب» وهو حالة سينمائية نتعلق فيها بفيلم لكونه شديد السوء، يصير الفيلم مُمتعًا لإخفاقه الجمالي الشديد في أن يكون جادًا، في اصطناعه المُغرق في زيفه بينما يُقدم نفسه كحالة أصيلة.

تُحدد «سوزان سونتاج» أهم علامات الكامب السينمائي وهو الفيلم الذي تُشكل رداءته عاملًا للجذب عكس المتوقع، إنها إضفاء الملحمية بشكل مبالغ على العادي، ووضع رسالة الفيلم دومًا بين quotations أو أقواس لنراها، والانتقال من جمالية يؤكدها الفن لنجومية يؤطرها الافتعال.

تنطبق الشروط السابقة على المشروع الذي يُحاول «تامر حسني» خلقه منذ سنوات، رغم امتلاكه لصوت مُمتاز وقبول سينمائي قلما يتمتع به مُطرب ناجح، إلا أنه يُصر على تسخير السينما لصالح البيرسونا خاصته، لا يُسخر النجم نفسه للسينما إنما السينما تُسخر ذاتها كوسيط وأداة إضافية لتسويق صورة النجم.

في هذا العام لا يُقدم «تامر حسني» أسطوريته كبطل متعدد المواهب إنما كبطل خارق حرفيًا، أو النجم الذي سيُدخل السينما المصرية لعالم الأبطال الخارقين.

يدور الفيلم حول «تاج» الذي قضى طفولته بالملجأ ولا يعلم سوى كونه يتيمًا بلا أسرة، ثم يُفاجأ بجده الذي يتواصل معه ويُخبره عن قوة خارقة يمتلكها نسله، ومن هنا يبدأ «تاج» في التعرف على قوته والتعامل معها.

لا يستعير الفيلم شعارات أبطال عالم «مارفل» الخارقين بشكل خفي إنما بتطابق تام مُفرط في ابتذاله، تتحول لغة الفيلم لديباجات طفولية تُشبه اقتباسات الأفلام الأمريكية المترجمة مثل عبارات:

استعمل القوة عندك في الخير وانصر المظلوم وساعد المحتاج.
كلنا كنا أشرار معرفناش نبقى أبطال.
ومين قال إن الخير هيعجب كل الناس فيه ناس أكل عيشها الشر.
القوة دي معاها مسئولية.

تتناسب تلك اللغة الطفولية مع أحد مشاهد البداية التي يقدم فيها «تاج» نفسه كبطل أخلاقي يسعى عبر عمله بالتدريس لحماية الأجيال الأصغر من أثر وسائط التواصل الاجتماعي، يؤكد تعطش الأطفال لقدوة يتمثلونها بدلًا من عوالم المؤثرين التي يقدمها الإنترنت. يقدم «تاج» تلك الرسائل بسرد مباشر وهو يمسك ملف تقديمي يحوي خطته التعليمية لإنقاذ الطلبة

يستعير «تاج» قوانين الصراع التي يضعها عالم الخارقين مثل البطل الذي يُمكن لحجر أو عصا سحرية أن تفسد قوته، والتوأم الشرير القادم من عوالم سبايدرمان، وجوكر باتمان. وشُرطة الخارقين أو avengers التي توجد بالأساس لاحتواء القوى المارقة. لا تظهر تلك القوانين بشكل جاد في سينمائيته إنما قوانين مُتعجلة لا نتوقف كثيرًا أمامها بقدر ما تفسح المجال للبطل الحقيقي الذي يريد الفيلم إبرازه وهو المؤثرات البصرية التي تجعل «تاج» يوقف حافلة مسرعة أو يغير مسار قذيفة بحركة مؤخرته

يُمكن التسامح مع الفيلم باعتباره موجه بشكل أساسي لفئة عمرية أصغر سنًا أو الأطفال أو باعتباره تجربة أولية في ثيمة لا حضور لها في السينما المصرية، لكن يتحطم هذا التفهم كاملًا عندما يعتمد الفيلم على الإفيهات الجنسية باعتبارها أداة رئيسية للكوميديا، بعد ترسيخ البطل نفسه كبطل أخلاقي للأجيال الطفولية.

يستكشف البطل قوته الخارقة عبر الإنتقال لفضاءات النساء المغلقة، وعبر مغازلة حبيبته في غرفة نومها والتلاعب بثيابها، وعبر انبهار من يقيمونه بقدراته الجنسية وأخيرًا عبر الانتقام من الشبيه الشرير بمضاجعة حبيبته وهي تظن أنه الآخر.

لا تشكل الإفيهات الجنسية مشكلة في ذاتها إنما في كونها لا تنتمي بالأساس للجو الطفولي/الأخلاقي/التعليمي الذي خلقه الفيلم لذاته بشكل وعظي، إنما تنتمي تلك الافيهات وطبيعتها لبيرسونا «تامر حُسني» باعتبارها أداة مفضلة لديه في معظم أفلامه القديمة وهذا يؤطر مشكلة الفيلم وسينما «تامر حُسني» بالأساس أنها سينما لا يخلص فيها البطل للفيلم والوسيط والحبكة إنما يُسخره ليعبر عن نجوميته وشخصيته.

لذلك يخفق الفيلم في أن يقدم ذاته كاقتحام جريء لجونرة غربية وعالمية لا حضور لنا فيها، ويخفق كذلك في تقديم ذاته كبارودي مقصود عن تلك الجونرة، إنما يرغب الفيلم بشكل خارق أن يكون كل شيء، فيتحول إلى بارودي حزين عن نفسه. أو كما تقول «سوزان سونتاج» أن الكامب إما أن يكون مقصودًا وهذا ذكي وإما أن يكون  غافلًا عن عيوبه ومخفقًا بشكل مروع في تحقيق جديته وهذا ساذج في ظنه عن نفسه وعن الجمهور الذي يتلقاه.

اقرأ أيضًا: فيلم «تاج»: كلنا شخصيات ثانوية في «عالم تامر حسني»

7. ع الزيرو

يدور الفيلم حول البطل حمزة أو دراجون الذي يعمل كمنسق أغان وهي مهنة تُتيح للممثل «محمد رمضان» استعراض قدراته الغنائية (تمثل الأغاني عامل تسويق أساسي للأفلام الحالية). يعول «حمزة» ولده «يوسف» الذي يصاب بمرض السرطان ويتحول البطل من أب بسيط يحاول تربية ولده إلى رجل يقاتل نظامًا طبيًا وصحيًا متهالكًا وفاسدًا لتوفير المال الكافي لإنقاذ طفله من الموت.

يتحرر «محمد رمضان» في الفيلم من البيرسونا الشهيرة التي يمتلكها في أعماله السابقة حيث الذكورية المتضخمة لبطل شعبي يمتلك لازمة كلامية شهيرة وتجعله قدراته ورجولته أكبر من الحياة ذاتها، وبالرغم من كون تلك البيرسونا عامل جاذبية طاغيًا لشباك التذاكر لوجود جمهور وفي بشدة لها إلا أن الفيلم يفشل في تقديم البديل. فالبطل هنا متموضع بالكامل في قالب وثوب جديد لكنه ليس جذابًا بما يكفي.

يتحول الفيلم من قصة لها مُمكنات تراجيدية تدر العواطف إلى استعراض سريع ووعظي لقضايا كبرى مثل فساد القطاع الصحي وتجارة الأعضاء وجشع الأطباء، يظهر «محمد رمضان» في صورة أب وفي لأسرته وطفله أمام تحديات تود ابتلاعه وهو ما قدمه في مسلسل «المشوار» 2022 في حبكة واعدة أجهضها الملل.

لا يُجهض«ع الزيرو» الملل تلك المرة إنما خروج بطل من جلده لصالح حبكة وميلودراما اجتماعية يصعب أن تحطم شباك التذاكر أو تعيد تدوير البطل بشكل كامل ليضيف لها أو تضيف له. وهو مأزق تعاني منه البطولة الأنثوية كذلك أو «نيللي كريم» التي تناقلت الأخبار خلافات كبيرة لها مع أسرة العدل بسبب طبيعة الدور ومساحته وقدر تسويق اسمها بجوار البطل، وهو ما يجعل البطلين في حالة اغتراب كاملة عن أعمالهما السابقة ونجاحاتهما التلفزيونية وحجم المتوقع منهما في حبكة لا تشبههما ولم تفلح النجومية في إنقاذها على مستوى الإيرادات والمنافسة السينمائية.

اقرأ أيضًا: فيلم «ع الزيرو»: كيف حاولت عائلة العدل «إصلاح» محمد رمضان؟

8. المطاريد

يدور الفيلم حول «صلاح» الذي يعود من أمريكا لتصفية ميراثه والذي يتمثل في نادي «المطاريد» المُتهالك الذي يُمثل قيمة معنوية عُظمى لوالده الراحل، لذلك يتورط «صلاح» في إعادة تجديد النادي وإحياء فريقه الكروي للصعود به درجة كاملة في درجات الأندية حتى يُمكنه بيعه بسعر أفضل.

يعتمد «المطاريد» على ثيمة underdog الشهيرة الحاضرة في الأفلام الرياضية وهي خلق فريق مثالي من مجموعة مُستضعفين يصعب أخذهم على محمل الجد، ندرك ذلك بسهولة من اسم «المطاريد» الذي يعبر أقدم لاعبي الفريق عن فلسفته بكون النادي كان ملجأ لكل من طُرد من فئة الممتازين مهاريًا وماديًا.

يستعير الفيلم قوالب أفلام كوميدية أقدم مثل «4 2 4»، الذي يدور حول الحبكة ذاتها أو رجل يتورط في إدارة نادي أبيه القديم، ويُنبهنا الفيلم لتلك الاستعارة ويبني عليها عندما نجد صورة الأب هي ليونس شلبي، النجم الراحل وبطل الفيلم القديم.

يمتلك الفيلم عناصر واعدة وهي البطولة الجماعية والأجواء الرياضية التي تمتلك الكوميديا خاصتها والشحنة العاطفية المتوقعة دومًا في عالم الأندردوج عندما ينجح المستضعفون في تحقيق انتصارهم الذي لم يصدقه أحد، كذلك وجود ممثل بحجم «إياد نصار» في دور الشرير بشكل مُختلف وبتحديات على المستوى البصري والجسدي والكوميدي تخالف أدواره السابقة، كذلك أدوار مُساعدة يقدمها نجوم متمرسون مثل محمد محمود ونجوم شباب أثبتوا جدارتهم في أعمال سابقة مثل طه الدسوقي ومصطفى غريب ومحمود الليثي

رغم كثرة العناصر الواعدة لم ينجح سيناريو «المطاريد» رغم تماسكه البسيط في خلق جرعة كوميديا كافية تناسب المتوقع منه، يتحول الانسجام المنتظر بين أبطال العمل إلى اسكتشات موزعة بشكل عفوي على الشخصيات، كل شخصية تمتلك عوارها الكوميدي وتٌعبر عنه في اسكتش قصير، بينما جاءت المباريات في تصويرها وقدرتها على إبراز عوار الشخصيات بشكل كوميدي منسجم بشكل باهت أضعف الثلث الأخير من الفيلم الذي يعتمد كليًا على المباراة المصيرية لصعود فريق المطاريد للدرجة الممتازة، بينما لم تقدم شخصية «إياد نصار» الكثير رغم جدتها وغرابة وقعها على الجمهور إلا أن دورها جاء مبتورًا وأقل في مساحته من المتوقع منه.

في حبكة رياضية وتنتمي لعالم الأندردوج نُدرك جيدًا انتقال قوس الشخصيات والفيلم من الفوضى الكاملة للإخفاق للإيمان والانتصار النهائي، يُدرك الفيلم جيدًا عموده الفقري ونُدركه معه، يفوز فريق المطاريد ويتحرر أبطاله من عجزهم لكن بشكل نمطي يخلو من الكوميديا الطازجة التي تعوض ما يتوقعه الجمهور مسبقًا،  يُقدم المطاريد حكاية متوسطة تكفي لخلق ابتسامة لكنها لا تُقدم جديدًا على المستوى الجماعي مثل نظيره «فوي! فوي! فوي!»

9. العميل صفر

يدور الفيلم حول شخصية «صفر عبداللطيف شداد الهمم»، الذي يوحي اسمه بتوقعات ثقيلة مُلقاة على عاتقه لكن ينتهي به الأمر كشاب ثلاثيني يعمل كفرد أمن في متحف، وتجاوز ظنونه عن قدراته القتالية والأمنية تواضع مهنته لكن عبر مفارقات يتحول صفر إلى العميل صفر ويقوم بحماية شخصية مهمة تزور مصر.

يعد «العميل صفر» البطولة السينمائية المطلقة الأولى لأكرم حسني الذي نجح بشدة مع «تامر حسني» في فيلم البدلة 2018، ويتسم «أكرم حسني» بقبوله الكوميدي وقدرته على تنفيذ كاراكتر كامل بلزماته الجسدية والصوتية مثل شخصية «سيد أبو حفيظة الشهيرة»، وكذلك نجاحه في مسلسل «مكتوب عليا» 2022 في تقديم شخصية تعتمد على كوميديا الموقف والحبكة مما يؤهلنا لوضع توقعات أكبر على بطولته الأولى.

يتقاطع «العميل صفر» مع ثيمة أمريكية شهيرة نجدها في أفلام مثل Paul Blart: Mall Cop، حارس المول البدين الذي تقوده الظروف لعملية إنقاذ بطولي لا تناسب بدانته لكنها تكون الطريق لقلب حبيبته.

جاءت نقطة الضعف الأساسية في «العميل صفر» بالورق أو السيناريو، رغم وجود مشاهد ممتازة على مستوى الكوميديا الحركية والمُطاردة، ولكن عجز الورق عن تقديم حبكة مُتماسكة أقل عشوائية، مع مبالغة في تأطير التضاد بين تواضع قدرات صفر وما يظنه عن نفسه.

يعتمد «أكرم حسني» في كثير من زخم الكوميديا خاصته على الإنعكاس أو وجود آخر يستقبل الإفيه أو يكون هو المستقبل لأفعال الآخر وهو ما يجعله نجم مثالي للأعمال الثنائية مثل «ريح المدام» و «الوصية» و«البدلة»، لكن في بطولته الأولى كان أكرم حسني وحيدًا، مدعومًا بورق ضعيف وأبطال مُساعدين يُشكلون انعكاسًا لحضور البطل الباهت

 لم ينجح «أكرم حسني» بملكاته الكوميدية بإنقاذ حبكة ضعيفة تفقد بريقها ومُمكناتها بأكملها بعد الثلث الأول من الفيلم. لذا يصعب أن نعتبر «العميل صفر» الانطلاقة المقبولة له في عالم السينما مثل انطلاقته التلفزيونية في «مكتوب عليا»

10. يوم 13

يقدم فيلم «يوم 13» نفسه حسب صناعه كإنجاز تقني باعتباره أول فيلم مصري ثلاثي الأبعاد، وانتصار التقنية يموضع الفيلم كتجديد مطلوب في جونرة تأتي التقنية والمؤثرات باعتبارها نقطة ضعفها الأساسية في مصر وهي جونرة الرعب.

يدور الفيلم حول ثيمة المنزل المسكون أو «عز الدين» الذي يعود لبيع قصر أسرته لكن يكتشف أن أمه لم تمت بشكل طبيعي إنما تم ذبحها بغرفة نومها خلال حفل عيد ميلادها لذلك يمنع شبحها بيع القصر قبل حل لغز مقتلها.

لا يقدم الفيلم جديدًا على مستوى الحبكة، إنما يستعير شخصية الخبير الروحاني لتحريك الأحداث وهي مُستدعاة بالكامل بطابعها الذي يُشبه أفلام الرعب الأمريكية في صورة «شريف مُنير» الذي يأتي للمنزل بمعدات الاستشعار والكاميرات وهي أدوات أمريكية كذلك للتعامل مع ظاهرة الماورائيات والأرواح تحديدًا.

يتحول الفيلم سريعًا من ثيمة الرعب التي حاول الإخلاص لها بأساليب الإرعاب المفاجئ jump scares إلى ثيمة الثريلر بسؤال «من القاتل؟» والذي يجب حله لتستريح روح الأم

بينما يعتمد نصف الفيلم الأول على خلق قصة حب رومانسية مفتعلة وسريعة للبطل مع زوجة مُحاميه، يحشد الفيلم في نصفه الثاني شخصيات كثيرة دفعة واحدة من عائلة القتيلة، لا يمنحها التمهيد الكافي، إنما تُقدم بارتباك مُتعجل لحل سؤال (من القاتل؟) ويسارع السيناريو لإحاطتها بدوافع سطحية تجعل الجميع مُشتبهًا به. وصولًا لنهاية تعتمد على تويست لم يتم التمهيد له إنما صٌنع بالأساس ليكون مُفاجئًا ولخلق نهاية مفتوحة تليق بأفلام الرعب.

يصلح مصطلح سونتاج «الكامب» الذي سبق شرحه كمدخل لفهم علاقتنا بمأزق سينما الرُعب المصرية، والتي تُحاول دومًا تقديم ذاتها بجدية، لتوازي سينما الرعب العالمية، لكن إخفاقها في المؤثرات البصرية والصوتية وهو عنصر أساسي للرعب العالمي وكذلك في نحتها لثيمات رعب غربية لا تتجذر في نفسية المشاهد المصري الذي يمتلك ميراثه الشعبي الثري لما يُرعبه حقًا، تُحول تلك الأسباب الأمر برمته لمتابعة مُمتعة لتمصير كوميدي يقصد أن يكون مرعبًا، وتأتي الكوميديا من تلك القصدية التي تخفق بشكل مروع، على المستوى البصري لفيلم قدم نفسه كسبق تقني وعلى مستوى الكتابة لفيلم قدم نفسه كحكاية مصرية تستعير كل وعودها من كتالوج الرعب الأمريكي